حوااااء

جماليـات تـاء التأنيـث

يرتفع الأدب ويسمو بسمو اللغة، واللغة هي حاضنة لكل مفرزات الأدب.. تمتاز لغتنا العربية بسعة جلبابها، ففي استعراض سريع لمفردات اللغة وألفاظها اكتشفت تحيزاً مكشوفاً لتاء التأنيث.. وما وددت أن أسرد ما أسرد نيلاً من الذكر، أو تعصبا للأنوثة انما من أجل التفكه، وما يسمى ''بكوميديا الأدب''.

يقول ''شوقي'' : الشمس في عليائها أنثى.. وكل الطيباتِ بناتُ.. والقمر ببخل طلتّه ذكر..

قال فيهما ''المتنبي'' : فما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ ولا التذكير فخر للهلال..

''الحب'' بضيق مساحته وأنانيته ذكر، والمحبة بشمولتها أنثى.. ''السجن'' بضيقه ذكر، والحرية بسعة أفقها أنثى.. ''الخُبث '' بدهائه ذكر، و'' البراءة '' بشفافيتها أنثى.. ''البرد'' بلدغته ذكر، و''الحرارة'' بدفئها أنثى.. ''الجهل'' بكل خيباته ذكر، و'' المعرفه'' بأفق رحابتها أنثى.. ''الضعف'' بهشاشته ذكر، و''القوة '' بجبروتها أنثى.. ''الجفاف'' بقساوته ذكر، و''الخصوبة'' بعطائها أنثى.. ''الجسد'' بماديته ذكر، و'' الروح'' بسمّوها أنثى.. ''الحرف'' بمحدوديته ذكر، و''اللغة'' بشموليتها أنثى.. ''الجشع'' بنهمه ذكر، و''العفـّة'' بكبريائها أنثى.. ''النسيان'' بإهماله ذكر، و''الذاكرة'' بحضورها أنثى.. ''الجُبن'' بخسّته ذكر، و''الجرأة'' بفصاحتها أنثى.. ''الفقر'' بقساوته ذكر، و'' الرفاهية '' بدلالها أنثى.. ''الجحيم'' بناره ذكر، و''الجنة'' بخلودها أنثى..''القلق'' بتوتره ذكر، و''الطمأنينة'' براحتها أنثى.. ''الظلم'' بوحشيته ذكر، و''العدالة'' بميزانها أنثى.. ''التخلف'' برجعيته ذكر، و''الحضارة'' برقيِّها أنثى.. ''المرض'' بذله ذكر، و''الصحة'' بعافيتها أنثى..

''الضجيج'' بصخبه ذكر، و''الموسيقى'' بروعتها أنثى.. ''الموت'' بحقيقته ذكر، و''الحياة'' بألوانها أنثى.. ''الغضب'' بتهوره ذكر، و''الرويّة'' باتزانها أنثى.. ''اللؤم'' بحقده ذكر، و''الطيبة'' بإنسانيتها أنثى.. ''الكذب'' بتلونه ذكر، و''الحقيقة'' بوضوحها أنثى.. ''الشك'' بقلقه ذكر، و''الثقة'' برسوخها أنثى.. ''الطمع'' بجوعه ذكر، و''القناعة'' باكتفائها أنثى.. وفي المحصّـلة ''الدنيا والآخرة'' أنثى...

ومن رحمة اللغة ببنات مفرداتها، فقد أبت ان تؤنث ''النائب'' كي لا يكون ''نائبة''، كذلك أن تؤنث ''المصيب'' وهو من كان على صواب، وأن تجعله ''مصيبة'' والأمر نفسه مع ''الكارث'' أي المهتم وأبت عزّتها أن تجعله كارثة.. كذلك مع كلمة ''القاضي'' فهي لا تؤنث إلى ''قاضية'' وتعني الآخره.. وفي سجلات المحاكم يُسأل دائماً عن اسم الأم ويقال : إبن فلانه وليس إبن فلان.. في النهاية فإن ''الوجع'' و''اليأس''، ''والحزن''، كلها ذكر.. بينما ''الفضيلة''، ''المروءة''، ''الشهامة''، ''الأمانة''، ''السعادة'' كلها أنثى.. حتى إذا كان ''العيد'' ذكر، فإن ''الفرحة'' أنثى..

وليس أخيراً ''الإستسلام'' ذكر.. و''المقاومة''، و''الثورة''، ''والانتفاضة'' كلها أنثى..

ما أروع هذا التكامل اللغوي !!. كم أنت كريمة، معطاءة ايتها اللغة، فتحيزك لتاء تأنيثك واضح للعيان.. أما أنا فما أردت أن أهدف بهذا الجرد اللغوي تحدي ''الذكورة''، وأنا من تحترم الرجل أباً كان، أم أخاً، أم زوجاً، أم ولداً، أم صديقاً.. إنما اللغة هي التي أرادت !! ومن السهولة بمكان ردّ اعتبار الذكورة اللغوية لإثبات توازن اللغة مع الكون، فقاموسنا مليء بالمفارقات، ولا أريد أن أدخل في متاهات الذكورة، ليدخلها غيري، مع علمي أن هناك حتما من سيجيبني مثلا : بأن ''الستر'' ذكر، وأن ''الفضيحة'' أنثى..

مع محبتي للطرفين

منقووووووووول من جريدة الرأي الاردنية ...