لحظة مستعادة ( عماد الورداني )

لحظة مستعادة
عماد الورداني

19/04/2008
لحظة مستعادة ( عماد الورداني ) Empty

تتفرس كآبتي في صمت، وفي نظرتها خليط من المشاعر وعشرات من الأسئلة التي تندلق إلي جوانحي دون استئذان، تخترق أسواري، وحينما تصل إلي داخلي تحرك زوبعة. تجعلني أهيم في صحراء لا حدود لها، سوي أسواري التي تسقط تباعا. أجري، أصرخ، وحده الصدي وأزيز الزوبعة يلتهمني.
أصطنع وضعا آخر، أجلس القرفصاء، أصمت، ألغي وجودي، أنسي صوت الزوبعة، أسافر عساني أتلمس وقع النظرات، أود لو أضع حقيبتي فوق أي سؤال، وأقتلع علامته، أركبها وأسير دون وجهة، حيث لا أسمع الصدي ولا أتلقف تلك النظرات. لكنني أغفو من السفر لأجد تباشير الصباح تصرخ في أرجاء الغرفة حاملة إضاءة جديدة وسؤالا يضاف إلي سيل الأسئلة المتراكمة.
أعود متعبا من العمل، في الطريق إلي المنزل، أبدع مشاهد عاطفية. أتخيلها تفرش لي ذراعيها، وتمنحني دفئها، أعتلي عرشها ونسافر دون سؤال، تهدئ زوبعتي بحديث غنج، وتلتهم ما تبقي من الكآبة. ما أصطدم بها حتي تنهار مشاريعي، وتعود إلي درجة الصفر، وحدها التي تنتصر، وماذا ستفعل جثة أمام قبرها سوي أن تنصاع لرغباته؟
لا أجد سوي نظرات معاتبة تترصدني، أجهد في التفكير، أضعف، أقنع نفسي بالنسيان، وأصمم علي زيارة طبيب. وماذا سأقول له؟ إن نظراتها تجعلني حقيبة لا تعرف يد من وضعها في محطة مجهولة. ربما كنت مذنبا حين حملتها من منبعها وأسكنتها مياها غير تلك التي شربتها في نقطة البدء، لهذا تعذبني بنظرات شزراء لا تقول أي شيء. هي لا تمكنني من أي جواب.. ماذا تريدين؟
في يوم السبت أراها تبحر في زرقة تعلوها، تلبس زي عروس، تبتسم ابتسامتها الساخرة، وكأنها تحتفل بنهاية الأسبوع بانتصار زوابعها علي أسواري المهشمة.
أصبحت لا استطيع الولوج إلي المنزل، لم أعد أطيقها، فكرت أن أقتل زوبعتي أمام هذه المرأة إلي الأبد، وأمنح نفسي وقتا آخر حتي لا أجن، فكرت أن أسلب إرادتها وأصبح أنا الآسر وهي الماسورة. أينفعك هذا الهروب؟ ومن سيوصلك إلي المحطة القادمة؟
أثناء نمو هذه الأسئلة، كان أحمد يراقبني علي مهل، وينهي حساباتي مع المرأة، رجوته ألا يفعل، لكنه فعل وانتهي أمر النظرات والأسئلة والحقيبة والزوبعة والطبيب، وكل الهواجس المقرفة.
كسر تلك اللوحة وشتت نظراتها ورمي بأسئلتها في سلة المهملات، لم أندم علي فقدانها، لأنني استعدت لحظتي.
كاتب من المغرب