الجسيمات العالقة في الهواء

من طرف **Notre Ville** الخميس 1 مايو - 14:12

الجسيمات العالقة في الهواء
الكاتب ( ) بتاريخ ( 01/04/2006 )

الجسيمات العالقة تلوث يطير في الهواء

يعتبر الهواء أهم العناصر الضرورية لإستمرار الكائن الحي ، فالإنسان يمكنه البقاء حياً لعدة ايام بدون غذاء أو ماء, إلا أنة لا يستطيع العيش بدون هواء لأكثر من ثوان معدودة .. ويستطيع الإنسان أن يتحكم في جودة ونوعية الماء والغذاء إلا أنة لا يستطيع أن يتحكم في نوعية الهواء الذي يستنشقه ولهذا اهتمت المجتمعات والدول برصد ملوثات الهواء لما لها من صلة مباشرة بصحة الإنسان والنبات والكائنات الحية . وقد رافق النمو الإقتصادي والتوسع الصناعي – خلال العقود الثلاثة الأخيرة – في العديد من الدول الصناعية ظاهرة التلوث الصناعي التي تتصاعد نسبها بشكل مذهل إلى درجة فاقت معدلات النمو الإقتصادي التي تتراوح بين 5 – 20 % سنويا بينما أرتفع معدل التلوث 30 %. وقد ترتب على هذا زيادة في الانفاق على قطاعات الصحة العامة والطب العلاجي وحماية البيئة .. ومن أوضح الأمثلة على مايسببه التلوث من مشاكل ومايلحقه من أضرار على المجتمعات ويؤثر في نموها وتقدمها النموذج الأسيوي ( تايلند،اندونسيا،ماليزيا،كوريا الجنوبية،هونج كونج ) حيث يشير تقرير البنك الدولي إلى أن التلوث الهواء يؤدي إلى وفاة ما يقارب 12000إنسان سنويآ في تايلند وأندونيسيا وإصابة قرابة100,000 شخص بأمراض تحتاج إلى العلاج إلى حانب الملايين الذين تظهر عليهم أعراض أمراض الجهاز التنفسي والإلتهابات

الجسيمات العالقة تلوث يطير في الهواء

يتلوث الهواء بالعديد من الملوثات الغازية والصلبة التي تنبعث بفعل العوامل الطبيعيه أو بفعل الإنسان . ويعتبر الهواء ملوثاً إذا دخلت على تركيبته الطبيعية مادة بتركيز كاف ولمدة كافية بأن تحدث الضرر بالأنسان أو الحيوان أو الممتلكات أو حتى استمتاع الإنسان بالبيئة المحيطة به .

وسنركز على تلوث الهواء بالجسيمات العالقة التي تعتبر أحد السمات المميزة لبيئتنا المحلية بشكل خاص والمنطقة بشكل عام وما تتركه هذه الجسيمات من آثار على الصحة والممتلكات . وقبل الدخول في تعريفها وتفاصيلها نذكر بأن أجواء المملكة العربيه السعوديه تتعرض لعواصف رمليه شديدة في بعض فترات السنة خاصة عندما تهب رياح الخماسين في فصل الربيع والتي تنتج عن وصول المنخفضات الجوية في المنطقة عبر شمال إفريقيا والتي تكون محملة بالغبار والأتربة .
وتحدث هذه الرياح تعكراً في أجواء المدن وتناقصا في الأشعاع الشمسي وتأثيرات أخرى مثل تدني مدى الرؤية الأفقية وتغيرات مناخية ، وتأثيرات خطيرة على الطيران التجاري والحربي ، حيث تؤدي الجسيمات العالقة إلى تأخير صعود ونزول الطائرات من مدرجاتها مما يؤثر على حركة الطيران والمسافرين خاصة من يرغب في موصلة رحلاته . وهذا يؤدي إلى زيادة في التكلفة التشغيليه في المطارات بالأضافة إلى التكاليف الأخرى مثل صيانة الطائرات والأجهزة الإكترونية الحساسة التي تتأثر بالجسيمات العالقة في الهواء .
ونتيجة لإختفاء الغطاء النباتي والظروف الصحراوية القاسية في شبه الجزيرة العربية فإن معظم الجسيمات العالقة في المملكة هي في الواقع من المصادر الطبيعية والتي تتميز جسيماته بكبر حجمها وبالتالي فإنها لا تشكل خطراً على الصحة ولكنها في نفس الوقت تلعب دوراً كبيراً في حجب أشعة الشمس وتقليل مدى الرؤية الأفقية وتلوث الأسطح داخل المنازل وخارجها وتشكل عبئاً على البلديات لما تصرفه من مبالغ طائلة مقابل تنظيف الشوارع والأماكن العامة .

تعريف الجسيمات العالقة

ويقصد بها الجسيمات المجودة في الهواء والتي تشمل الغبار والدخان والهباب (soot) القطرات السائلة. وتظل الجسيمات عالقة في الهواء فترة زمنية طويلة حيث تلعب العديد من العوامل مثل حجم الجسيمات وسرعة الريح دوراً كبيراً في طول بقائها عالقة في الغلاف الجوي . وبعض هذه الجسيمات تكون كبيرة وداكنة خاصة التي على هيئة دخان أما البعض الأخر فهي دقيقة الأجسام ولا يمكن رؤيتها بالعين المجردة ويمكن تصنيف أحجامها إلى :
• الجسيمات العالقة الكبيرة : ويقصد بها الجسيمات التي تكون على هيئة سحب وضباب وفي أجواء بعض المدن . ونظراً لإحتواء الجسيمات على كبيرة من الجسيمات فإنة يصعب دخولها للجهاز التنفسي في الإنسان ولذلك من الصعب الربط بين هذه الجسيمات العالقة في الهواء وصحة الإنسان.
• الجسيمات الدقيقة : وهي التي تكون أقطارها أقل من 10 ميكرون ، فقد أشارت الدراسات إلى وجود علاقة بين تركيزها في الغلاف الجوي وصحة الإنسان حيث أكدت العديد من الدراسات وجود علاقة إحصائية بين الوفيات اليومية والتركيزات العالية لهذه الجسيمات دقيقة الأحجام .
• الجسيمات الدقيقة جداً : وهي التي أقطارها أقل من 2.5 ميكرون فقد أشارات الدراسات إلى وجود علاقة كبيرة بينها وبين التأثيرات الصحية الخطيرة مثل الوفاة المبكرة وتفاقم حلات الربو ومراجعة عيادات الطوارئ وحلات التنويم في المستشفيات مع زيادة التركيز لهذه الجسيمات الدقيقة جداً . ولوحظ ايضاً زيادة حالات السعال وصعوبة ألام التنفس والإلتهاب المزمن للرئة وإنخفاض وظائف الرئة مثل صعوبة التنفس وزيادة عدد أيام الغياب في المدارس والعمل .

مصادر الجسيمات

ويمكن تصنيف الجسيمات حسب مصدرها :
مصادر الطبيعة وتشمل :
1. التربة : حيث تنقل الرياح بقايا التربة خاصة في المناطق المكشوفة وغير المغطاة بالنبات لهذا تعتبر من المصادر الرئيسية للغبار العالق في المملكة حيث تغطي الصحاري والرمال معظم أجزاء المملكة بسبب المناخ الصحراوي الجاف الذي يسود المنطقة . وهذه الموارد العالقة تشمل الرمل والطين والطمي ومواد قشرة الأرض المختلفة وتكون في الغالب كبيرة الاحجام ومعظم جسيمات التربة المتطايرة بفعل الرياح عبارة عن غبار كبير الأحجام قد يؤثر على مدى الرؤية الأفقية ولكن تأثير على صحة الأفراد العاديين محدود .
2. الزلازل والبراكين وما تطلقه من جسيمات وغازات ضارة إلى الغلاف الجوي حيث تكون هذة الجسيمات محملة ببعض المعادن السامة والموجودة في الصخور أو بعض الغازات مثل غاز ثاني أكسيد الكبريت الذي يتحول إلى حمض كبرتيك.
3. الحرائق الطبيعية للغابات وذلك بفعل الجفاف الذي يؤدي إلى إنبعاث الجسيمات الملوثات الغازية في الغلاف الجوي مما يؤدي إلى إنتشارها لمسافات بعيدة .
4. البكتيريا والفيروسات : وتنبعث هذه الميكروبات إلى الهواء المحيط من المستنقعات ومياه المجاري ، وقد تلتصق على الجسيمات مؤثرة على صحة الإنسان عند وصولها إلى الجهاز التنفسي .
5. حبوب اللقاح : وتنبعث هذه الجسيمات إلى الهواء المحيط محدثة أضرار كبيرة بالصحة خاصة بالنسبة للأفراد الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي ، مثل مرضى الربو والالتهاب الرئوي .
6. الجسيمات الملحية المنبعثة من تبخر المحيطات والبحار حيث تتواجد بمستويات عالية في الهواء فوق مياه البحار وعلى الشواطئ .

مصادر بفعل الإنسان

Man made source: يطلق عليها أحياناً....
المصادر الصناعية .. وتعني الجسيمات المتعلقة بفعل الإنسان ونشاطاتة المختلفة فاختراعاتنا لوسائل التكنولوجيا المختلفة والتي ساهمت في رفاهيته زادت حياته معاناة وتعقيداً ، وتشمل هذه المصادر :
1. وسائل الموصلات المختلفة وخاصة سيارات الديزل والقطارات التي تطلق كميات كبيرة من الدخان والجسيمات المحملة بالملوثات الهوائية في الهواء المحيط .
2. العمليات الصناعية والتي تنتج من أنبعاث الجسيمات المحملة ببعض المواد الكميائية وبعض الملوثات الغازية الناتجة عن الاحتراق .
3. محطات توليد الطاقة : والتي تستخدم الوقود الأحفوري سواء كان ذلك فحما أو ديزل أو وقوداً ثقيلاً أو غازاً طبيعياً .
4. وسائل التدفئة : ينتج عنها أنبعاث الجسيمات والدخان وبعض الملوثات الضارة .
5. التخلض من النفايات المنزلية والخطرة بطريقة الحرق والتي مُُُُنعت في معظم الدول المتقدمة بسبب تأثيرها على الصحة .

تأثيرالغبار على الصحة

لا يقتصر تأثير الغبار على صحة الإنسان فقط بل يؤثر أيضاً على الحيوان والنبات والممتلكات . ويتركز تأثير تلوث الهواء بالجسيمات العالقة على الجهاز التنفسي الذي يعتبر خط الدفاع الأول للإنسان حيث يعتبر الأنف المدخل الرئيسي لهذا النوع من التلوث .
ويعتمد تأثير الجسيمات على صحة الإنسان على العديد من العوامل أهمها :
تركيب الجسيمات الفيزيائي والكيميائي, حيث تستطيع معظم الجسيمات الدقيقة التي تكون أقطارها أقل من 2.5 ميكرون الوصول إلى الجهاز التنفسي للإنسان وأما الجسيمات التي تكون أقطارها أقل من 1 ميكرون فتصل بسهولة إلى أعماق الرئة ويعتبر الضرر الذي تحدثة هذه الجسيمات على شكل وهيئة الجسيمات ، فالجسيمات الحادة مثل الاسبستوس ( الألياف الصخرية ) تفتك بالرئة وقد تؤدي إلى حدوث سرطان بها . وكذلك يعتمد التأثير على التركيب الكيميائي للجسيمات ، ففي الوقت الذي نجد أن الجسيمات إلتي مصدرها الطبيعة معظمها كبير الحجم وتكون معظمها من مصادر الطبيعة مثل الطين والرمل ، وفي المقابل فأن الجسيمات التي مصدرها الإنسان مثل عمليات التكسير والهدم والبناء والعمليات الصناعية في الغالب جسيمات دقيقة الحجم ( أقل من 2.5 ميكرون ) وتحتوي على مركبات ضارة بالصحة . وكذلك فإن الجسيمات ذات المصدر الطبيعي تتنوع في المناطق الصناعية والنائية أما الجسيمات ذات المصدر الصناعي فإنها تتركز في مناطق محدودة وفي الغالب تكون مأهولة بالسكان مما يضاعف من خطورتها على الصحة العامة .

مصير الجسيمات العالقة في الهواء

وتظل الجسيمات عالقة في الهواء لفترات زمنية متفاوتة قد تكون ثوان محدودة أو عدة أيام أو شهور إلا إنها في النهاية ستهبط على الأرض وستزال من الغلاف الجوي .
وتعتمد فترة بقاؤها في الغلاف الجوي على سرعة الرياح وأحجام الجسيمات ووجود الرطوبة ونزول الأمطار والصقيع التي تغسل الغلاف الجوي من الملوثات . ولا ينتهي التأثير إلى هنا بل إنها تلوث الغطاء النباتي والمسطحات المائية والممتلكات وتعتمد تأثيرها على العديد من العوامل والتي سبق ذكرها .
وفي نهاية المقال لا يفوتني أن أذكر بعض الجسيمات فهي تقلل كمية الإشعاع الشمسي الساقط على الأرض ، فهناك ظاهرة التسخين الحراري للمدن بسبب بعض ملوثات الهواء الغازية مثل الأوزون وثاني اكسيد الكربون وبخار الماء ومركبات الكلورو فلورو كربون .
وبالتالي فإن الجسيمات تقلل من التأثير الحراري لأشعةالشمس .
كما أن الجسيمات الدقيقة تلعب دوراً مهماً في عملية تكوين المطر ، حيث تتكثف حبات المطر حولها . ولا ننسى الدور الذي تلعبة مياه الأمطار في تنظيف الغلاف الجوي مما علق به من غبار بالإضافة إلى أن الماء عنصر رئيس من عناصر الحياة لا يقل أهمية عن الهواء .

مجلة البيئة والتنمية- العدد الأول- اكتوبر/ديسمبر 2003