ازدياد زواج القاصرات يثير قلق منظمات نسائية في المغرب

ازدياد زواج القاصرات يثير قلق منظمات نسائية في المغرب

2008-11-14

قد يكون الزواج بالنسبة لبعض الفتيات المغربيات بمثابة إنهاء لتعليمهن أو دخول حياة البلوغ بشكل مبكر. لكن بعض المنظمات غير الحكومية المغربية تناضل لحمل القضاء على مراعاة سن الزواج القانوني للبنات وهو 18 عاما على غرار ما تنص عليه مدونة الأسرة.

تحقيق إيمان بلحاج من الدار البيضاء لمغاربية- 14-11-08

يتم سحب العديد من الفتيات المغربيات من المدارس لتزويجهن في سن مبكر جدا.

كانت مريم مع صديقات من سنها وهن ينظفن ثيابهن وثياب أسرهن، بجانب مجرى واد يخترق قريتهن تحلم بحياة ملؤها الحب يوما ما. لكن حلمها تحول إلى كابوس، حين قرر والدها تزويجها، وهي في الرابعة عشر من عمرها.

فرغم صغر سنها ظنت أنه فارس أحلامها، فهو شاب في 25 فقط من عمره وقادر على فتح بيت والإنفاق على أسرة في حين أن أسرتها فقيرة. فهو لا يستطيع سوى الإنفاق عليها كما ينبغي.

لكن أحلامها الوردية تحولت إلى رمادية. إذ اعتبر الزوج أنه امتلك خادمة، كما قالت مريم، لا حق لها عليه غير الطاعة والامتثال لرغباته الجنسية الوحشية.

تقول مريم بعينين دامعتين "رغم أميتي، كانت لي أحاسيس وعواطف رقيقة، وظننت أنني سأعيش الحب مع زوجي الذي قرأت في عينيه يوما نظرات الإعجاب بي. لكن لم يكد يمر على زواجنا شهرين حتى بدأت أعاني من معاملته الوحشية دون مراعاة لجسمي النحيل. فقد كان علي أن أخدم والديه الفلاحين، لأنهم هم من يوفرون لنا السكن والمأكل، وأقوم بكل أشغال البيت، وأن أقوم بواجباتي الزوجية تجاهه وفي أي وقت أراد ليلا أو نهارا"

كل هذا رضيت به مريم قبل أن تُفاجأ، عند أول شجار معهم وذهابها إلى بيت والديها، بأن زواجها تم فقط بقراءة الفاتحة وحضور الشهود بدون أن يتم توثيق أي عقد بينهما. هذا المشكل حال دون اعترافه بأبوته تجاه الطفل الذي حملته منه.

واليوم تعيش مريم مشكلة مزدوجة؛ فهي ليست بالمتزوجة ولا بالمطلقة وفوق كل هذا تتحمل مسؤولية ابن لوحدها.

مثل هذه الحالة ترد على مراكز إنجاد التابعة للرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، بالعشرات، كل يوم وخصوصا من الأوساط القروية التي تعاني الأمية والفقر.

وتدق الرابطة ناقوس الخطر تجاه ما سجل من ارتفاع عدد طلبات زواج القاصر، من 30312 سنة 2006، إلى نحو 39000 سنة 2007، ووصلت نسبة القبول في هذه الطلبات إلى 86.79 في المائة، وهذا أصبح يشكل هاجسا لدى الفعاليات المهتمة بحقوق المرأة.

وجدير بالذكر أن مدونة الأسرة تحدد سن الزواج القانوني في 18 عاما. فقدمت الرابطة في تقريرها الأخير الذي أصدرته بمناسبة مرور أربع سنوات على تطبيق مدونة الأسرة، إحصائيات تفيد أن من بين الملفات التي مُنح فيها الإذن بالزواج من قاصر، هناك 1862 حالة لقاصرات لا يتعدى سنهن 15 سنة.

هنية التي تبلغ 15 سنة، لم تفكر أصلا بالزواج لأنها كانت تتابع دراستها الثانوية وتحلم بالشهادة المدرسية. لكنها وجدت في نهاية السنة الدراسية هدية من والدها عبارة عن زوج يبلغ من العمر 39 سنة، ما جعلها تبدل الديبلوم بعقد زواج حرمها من مواصلة تحقيق حلمها.

فوزية العسولي، رئيسة الرابطة، قالت إن "عدم احترام روح المدونة وعدم تطبيق مقتضياتها الرامية إلى المحافظة على حقوق الطفل بالأساس، تجعلنا نعود إلى نقطة الصفر، ليبقى باب النضال مفتوحا من أجل التحسيس بمخاطر الزواج المبكر وتأثيراته الاجتماعية على الفتاة المغربية بالخصوص والأسرة بصفة عامة.

وأضافت "إننا نأسف، لكون المدونة، رغم ما حققته من إيجابيات لصالح الأسرة المغربية، مازالت تعرف بعض التجاوزات لتحقيق مصالح ذاتية. لذا نحث الجمعيات والفعاليات النسائية على التصدي للخروقات ورصد الحالات التي لم تحترم فيها روح وفلسفة المقتضيات الجديدة التي رفعت سن الزواج إلى 18 بالنسبة للرجل والمرأة".

وسجلت بعض المدن نسبة مهمة للزيادة في أعداد حالات زواج القاصر، كمُدن بني ملال (18.78 %)، ومراكش (18.94 % )، وورزازات (12.21 % ).

كانت ازدياد حالات مغادرة المدرسة العام الماضي أحد الأسباب التي ذكرها القضاة في تقرير المنظمة المغربية لتبرير قبولهم لزواج القاصرات.

وأوضحت العسولي "لقد استقبلنا في مراكز "إنجاد" التابعة للرابطة المتواجدة بعدد من مناطق المملكة، حالات وافقت فيها الفتاة على الزواج لأنها لم تستطع التعبير عن رفضها بحضور وليها وأهلها وخطيبها".

وأضافت أن القاضي يعتمد فقط على المعاينة الجسمانية للقاصرة بدل الخبرة القانونية السارية، ما ينفي القيام في مثل هذه الحالات، ببحث اجتماعي دقيق ومعمق، والاكتفاء بالانطباعات المستخلصة من تصريحات الأب.

الأستاذة فاطمة شمخ وهي محامية بهيئة الدار البيضاء، قالت لمغاربية، إن القضاة بمنحهم الإذن بالزواج من قاصر، غالبا ما يتذرعون بكونهم اطلعوا على كل الشروط واستوفوا الإجراءات الضرورية لذلك. ويمارسون سلطتهم التقديرية التي تخول لهم الحكم بالإذن بالزواج اعتمادا على البنية الجسمانية للقاصر وتعابير وجهها فيما إذا كانت راغبة فعلا بهذا الزواج أم أنها مرغمة عليه. "فإذا استشفينا ولو بنسبة ضئيلة أنها غير راضية وأنها مكرهة فالرفض هو مآل القضية" حسبما يوضح بعض القضاة.

ويعد ارتفاع نسبة الانقطاع عن التمدرس في العام الماضي من العوامل المسببة لارتفاع عدد الحالات التي قدمت فيها طلبات والتي منح فيها الإذن بزواج القاصر حيث كان عدم تمدرس الفتاة من بين الأسباب التي برر فيها بعض القضاة أحكامهم . كما يعتبر الفقر عاملا مهما لارتفاع الطلبات اعتمادا على تصريحات بعض القضاة التي ذكروا فيها إنه لم تقدم لهم طلبات من عائلات ميسورة.

تقرير الرابطة النسائية خلص كذلك إلى أن بعض العوامل الاجتماعية قد تكون وراء ارتفاع عدد طلبات زواج القاصر: أمية الوالدين، قلة الوعي بحقوق الطفل، بعض الخطابات الدينية المتشددة (مثل الفتوى الأخيرة التي تجيز زواج بنت 9 سنوات)

حليمة بغدادي أستاذة التعليم الثانوي، قالت "صحيح أن زواج القاصر يترتب عنه مشاكل متعددة إذا كان الأمر يتعلق بالفعل بأطماع مادية، أو إذا تم الأمر تحت الضغط".

لكن هناك حالات ناجحة، وقد وقفت عليها شخصيا. "فقد تزوجت ابنتي وسنها 16 سنة، وهو نفس السن الذي تزوجت فيه أنا شخصيا ولم أكن قد تعرفت على زوجي من قبل، لكن كان زواجي ناجحا ولم أحس يوما أنني أضعت شبابي أو مراهقتي في حين أن ابنتي تعرفت على زوجها قبل الزواج، وباركت الأسرتين هذا الارتباط الذي جاء عن طيب خاطر من كلا الطرفين"

لكن غيرها لم ينل هذا الحظ.

فهذه الوضعية لم تعشها مليكة. س، التي ساهم زواجها المبكر في سن 15، في انقطاعها عن الدراسة، وساهم طلاقها في سن الثانية والعشرين في خروجها إلى خدمة البيوت في الدار البيضاء بعيدا عن أهلها في البادية.

قالت عن ذلك "ولحسن الحظ أنني لم ألد مولودا".

لكن الحركة النسائية بالمغرب تأبى أن تبقى مكتوفة الأيدي، وقد وضعت مطالب، بهذا الخصوص، وجهتها لوزارة العدل وتتمثل في اتخاذ إجراءات زجرية في حق الولي الذي يثبت ضده أنه زوج من يتولى أمرها قبل السن القانوني دون اللجوء إلى طلب إذن المحكمة. كما تطالب بالعمل على تطبيق الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، ووضع برمجة لحملات تحسيس بخطورة الظاهرة، على مستوى الإعلام والمؤسسات التعليمية، وإجراء بحث اجتماعي للتأكد من عدم وجود إكراه.

وتسعى المنظمة المغربية هذه إلى إلغاء مادة في القانون الجنائي تعفي الغاصب من العقاب إذا اتخذ المغتصبة زوجة.

لكن حملات التوعية بالمشكلة قد تجد آذانا صاغية في المناطق الحضرية أكثر منها في المناطق المعزولة وفي القرى.

وتشير المعطيات الصادرة عن الرابطة الديمقراطية لنساء المغرب أن أكثر الطلبات تفد من البوادي، حيث تسود بعض العادات والتقاليد التي تعتبر أن الفتاة إذا لم تتزوج في سن مبكرة لن تجد زوجا فيما بعد.

ويرى فريد، وهو موظف حكومي أن هناك مفارقة كبيرة نعيشها في هذا العصر، حيث ترتفع نسبة العنوسة، كما نجد متزوجات في سن لا تقل عن 30 إلى 35 سنة

وتتفق بشرى مع رأي فريد لكنها تؤكد على ضرورة احترام القانون وتطبيقه.

وقالت "أرى أنه لو كانت نية الراغب في الزواج من فتاة صغيرة السن سليمة، لكان باستطاعته انتظار بلوغها السن القانونية التي جاء بها القانون".

هذا الخبر منقول من هذا الرابط