مذكرة طفولية ( عماد الورداني)

مذكرة طفولية
عماد الورداني

2008/02/05
مذكرة طفولية ( عماد الورداني) Empty

قائدنا يدفعنا لخوض حروب كثيرة، حروب تبدأ من فرض السيطرة علي مداخل حينا وتنتهي بمناوشة الزقاق المجاورة ، نعد لها العتاد اللازم، وفي لحظة الحسم نهاجم، لم نكن نتواني في نزع سروال قائدهم.. قائدنا يكبرنا بسنوات، نحترمه، نحبه، ونكرهه.. لأنه يستولي علي جميع الغنائم.. إنه القائد.. الذي لا يتواني في ضربنا ونهرنا، ولما لا يفتح شارعا عريضا في وجه من تخلف عن المعركة أو وشي بأمرنا، تعتلي وجنتيه المخططتين بوشوم مختلفة مسحة حزن لا نعرف مصدرها، وأحيانا يجهش في البكاء، نسمع نحيبه، ونصمت.
أحلامنا بسيطة، أن نهزم الحي الآخر، أن نتفوق في لعبة الطين، أن نجمع أكبر قدر من الحلزون ليحصل القائد علي العلب الكافية من الغليون الرديء، هذا أقصي ما نحلم به: ابتسامه القائد ورضاه.
انطفأت شمس الأصيل، وانحدرت نحو جهة أخري، بينما حلت محلها غيوم نائمة. الفتيان هرعوا إلي الحي يلعبون، حسنا يستعدون لمعركة مقبلة فنحن كبار. أنا وسالم نراقب المكان الأخضر، المكان الذي يعج بالجنيات، ومن داخله يخرج سيدي المخفي لكي يجمع الدراهم والبيض الذي يجلبه سكان الأحياء طلبا لرضاه وبركته وفك العكس. سيدي المخفي الشخص الذي لم نخض ضده أي معركة.. نكتفي بمراقبته عن بعد وأخذ الحيطة والحذر أثناء مرورنا من قربه.. نراقب عن كثب ما قد يقع، لا شيء هناك، سكون مريب، وحده صوت الريح الممزوج بنباح الكلاب الشاردة يلاعب الستائر الخضراء المعلقة علي باب مدخله. بحذر أتسلل من الشرفة نحو فناء السيد، أتجول بحذر مبالغ فيه، أكتشفه لأول مرة، إنه وديع كما تصفه الجدة. لا شيء هنا يا سالم، أضحك عاليا، أصرخ، ينضم إلي سالم بسرور وفي نفس الوقت أحس أنه متوجس من الأمر.. هي أول مرة نقتحم هذا المكان.
أخرج قطع الحلوي تباعا وبعض الدراهم المرمية داخل الشباك الحديدي، أيادينا الصغيرة تخترقه بسهولة، ونفس السهولة نأكل بها الحلوي.. نضحك، نلعب قليلا ببقايا الحلوي.. نرمي بعضها في بركة مائية موجودة في الجانب الأيمن من الباب، نستمع لصوت الفرقعات.. أرتاب، أسرع. سالم ما زال يتطلع لسماع صوت آخر حلوة.. أمتطي صهوة الريح، أسابق رأسي ورجلي، فأعود أخير إلي الشرفة وأمضي أبعد منها، سالم يتبعني، سيدي المخفــي، سيدي المخفــي، أسمع عويلا، صراخا، ثم شهقات، فغمغمات.. يتصاعد من تحت. سيدي المخفـي يحكم قبضته علي سالم، ويصدر قهقهة ساخرة، قهقهة الظافر بصيد ثمين، أي صيد إنه سالم الناعم الذي يكلفه القائد بجلب الماء ، هل سيكتفي سيدي المخفي بنزع سرواله فقط؟
أنا فوق ينازعني إحساس بالظفر، الحلوي، الدراهم، الفرار من سيدي المخفي ، وأمر سالم الناعم الذي لن يجلب بعد اليوم الماء للقائد. أعدو بعيدا حتي لا يصلني الصوت، ثم أقفل عائدا إلي الشرفة، أحدر رأسي فوق السور، سالم بين الإغماء وآخر شهقة، بينما سيدي المخفي يتحسس أعضاءه بعناية، ويخرج أسنانه الزرقاء لالتهامه، قالت لي نفسي أن أصرخ عاليا حتي يسمعني أحد.. أصرخ، أصرخ، أخال نفسي سالما وهو يقاوم سيدي المخفي ، أجمع حجارة أهوي بها من فوق، أصيب أهدافا مختلفة، مرة أسمع صراخا، أقذف بقوة، أكاد أسلم بـأمر سالم، أهبط من جديد بضع أدراج، أقترب من ضوء خافت أمام سيدي المخفي سالم لم يعد يصدر أي أنين، أصوب نحوه من جديد.. وفي نفس اللحظة أطلق ساقيّ للريح.. أقف، أسمع جلبة تنبعث من الشرفة، أعتلي الريح من جديد، أسمع ضوضاء، أركز نظري فوق.. عيني لم تعد قادرة علي التقاط أي شيء.
تصل مسمعي صرخة كبري، وصوت صخر يرتطم. أحملق بعدما أعيتني الحجارة والصراخ.. صوت قائدنا يصل مسامعي عن قرب:
ـ من اليوم أنت مساعدي.
ـ أريد فقط أن أجلب الماء مثل سالم.
كاتب من المغرب
QP10