مرحبا بكم في منتديات الصويرة يمكنكم وضع إعلاناتكم التجارية هـــــنــــا للطلب المرجو التواصل عبر الرسائل أو WhatsApp +212695161780
المواضيع الأخيرة
حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
3 مشترك
الصويرة مدينتنا ESSAOUIRA Notre Ville :: صور ومقاطع فيديو :: صورIMAGE :: قسم للمقترحات الجديدة والشكاوي
صفحة 1 من اصل 2
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
شــــخوص المسرحية
-كركوز خطيب ست الحسن
-ست الحسن ابنة حنبوج الحسناء
-عيواظ صديق كركوز صاحب المطحنة
-حنبوج تاجر جشع..
-بكري لص فاسق
-الغناجة امرأة لعوب تبيع الهوى
-المدلّل صبي المطحنة اللقيط
-المصرّم خادم حنبوج
-سراج تابع كركوز من جزيرة القرود
-أبو فانوس حكيم أعمى
شــــخصيات أخرى:
الحمّال- القاضي- الحاجب- مقدم الألوف- حراس- رجال من حاشية القصر السلطاني.
-كركوز خطيب ست الحسن
-ست الحسن ابنة حنبوج الحسناء
-عيواظ صديق كركوز صاحب المطحنة
-حنبوج تاجر جشع..
-بكري لص فاسق
-الغناجة امرأة لعوب تبيع الهوى
-المدلّل صبي المطحنة اللقيط
-المصرّم خادم حنبوج
-سراج تابع كركوز من جزيرة القرود
-أبو فانوس حكيم أعمى
شــــخصيات أخرى:
الحمّال- القاضي- الحاجب- مقدم الألوف- حراس- رجال من حاشية القصر السلطاني.
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
الفصل الأول " الـــــرحـــــيل " المشـــــهد الأول
(طريق في مدينة الأعاجيب- يقف عيواظ مع التاجر حنبوج يتحادثان، أمّا كركوز فينزوي بعيداً").
حنبوج : قلت لك يا صديقي عيواظ أكثر من مرة إنني غير مستعد أنْ أزوّج ابنتي الوحيدة ست الحسن من شاب أهبل فقير رصيده الوحيد الطمع في ثروتي!
عيواظ : لاتخطئ يا أخي حنبوج، فتخلط بين طيبة كركوز وفقره صحيح أنه لا يحسن التصرف في كثير من المواقف، ولكنه عاقل مثلي ومثلك!
حنبوج : لاتقل لي إنه سيطعم ابنتي رغيف الحب ويلبسها ثوب الغرام!
عيواظ : أنت تعلم أنّ كركوز يُحبّها، وهي أيضاً تُحبّه.
حنبوج : آخ! لوْ لم تكنْ ست الحسن ابنتي الوحيدة لكسرت رأسها! ألمْ تجدْ من بين شباب المدينة كلهم غير كركوز؟ شحّاذ بنصف عقل زوجٌ لابنتي!! هذا كثير يا أخي عيواظ، كثير!!
عيواظ : بصراحة يا أخي حنبوج، أنت لاتستطيع بميزانك المالي أن تقدّر ثمن هذا الشاب.
حنبوج : ولكنّ المال يا أخي عيواظ هو السعادة في هذه الحياة. هكذا الدنيا، كما نعرفها أنا وأنت، فلماذا تنكر الحقيقة وتعيب عليّ هذا الميزان؟ أتريدني أنْ أقول لكركوز: تعال خذ ابنتي مجاناً؟ هل يوافق والدٌ عاقل على هذا!؟!
عيواظ : أنت يا أخي حنبوج بحاجة إلى رجل يُساعدك في تجارتك وكركوز شابٌ مستقيم، يمكن الاعتماد عليه. أنا واثقٌ من أنّ الحياة ستعركه فيشتد عوده.
حنبوج : يعني تريد مني أن أزوجه ابنتي على الحصير، وأعطيه فوقها مالاً؟؟ ما الذي يجبرني على ذلك؟ هل صارت ست الحسن جيفة أريد أن أتخلص منها؟؟
عيواظ : ولكن كركوز سيحسن معاملتها. فلا تعذبه بسبب فقره. انظر إلى المسكين كيف يقف خائفاً، ورفضك يعني أنك تحكم عليه بالموت.
حنبوج : ماذا جرى لعقلك يا صديقي عيواظ؟ يحب ابنتي وعليّ أن أواسيه، عجيب اليوم أمرك ياعيواظ؟
عيواظ : واللّه لو كان اللّه قد رزقني بنتاً لما فضلت على كركوز أحداً من الشبان.
حنبوج : هذه حكمة اللّه يا صديقي عيواظ. إذ لم يرزقك بنتاً لئلا ترميها إلى عذاب الفقراء.
عيواظ : أرجوك يا أخي حنبوج، لاتكسر قلب كركوز. ولا تشتهر بمشاعره الصافية.
حنبوج : حتى لو قبلت بفكرة الزواج، فهذا لايعني أن أزوج ابنتي دون مهر.
عيواظ : هذا حقك، وحق ست الحسن.
حنبوج : إذا كنت أتنازل عن صفات كركوز ونقصان عقله، فعليه أن يدفع لي مهرها كاملاً.
عيواظ : وكركوز مستعد لذلك، في حدود المهر المعقول. قل الآن كم كم تريد؟؟
حنبوج : آ... آه من إلحاحك يا صديقي!! لن تعارض إذا قلت إن مهر ست الحسن.. ألف ليرة ذهبية، لاتنقص ليرةً.
عيواظ : ألف ليرة ذهبية!! هذا ليس مهراً. هذه ثروة.. وأنت تعلم أنّ كركوز لايملك منها خمساً.
حنبوج : ألف ليرة ذهبية، تسعمئة وتسع وتسعون ليرة غير مقبولة!! ها.. ماذا قلت؟ أظن أنني راعيتُ حق الصداقة بيننا!
عيواظ : طيبٌ دوماً ياأخي حنبوج!! كأنك تقول كركوز لن أزوّجك ابنتي!
حنبوج : لا.. لاياصديقي عيواظ. أقول له أحضرْ المهر الآن وخذْ ست الحسن الآن! كلام واضح ومن حقي أنْ أفعل ذلك، وبصراحة ست الحسن تساوي ألفي ليرة أو ثلاثة آلاف، ولكن لعن اللّه هذا اللسان الذي نطق الألف دون أنْ يشاورني!!.
عيواظ : هوّن عليك يا أخي حنبوج...
حنبوج : أقسم يا صديقي عيواظ إنها تساوي خمسة آلاف، وسيأتي من يدفع لي ستة آلاف. ولكنَّ إلحاحك ياصديقي يجعلني أستسلم في سبيل استمرار صداقتنا. ها.. ماذا قلت؟!
عيواظ : قلت إن كركوز لو عمل لصاً فلن يستطيع جمع ألف ليرة ذهبية.
حنبوج : سأكون كريماً معك، سأمهله سنة واحدة تبدأ من اليوم.
(يقترب كركوز حذراً)
عيواظ : ولكنّ هذا المبلغ يحتاج إلى سنوات طويلة، وربما يقضي كركوز العمر كلّه دون أنْ يجني مئة ليرة.
حنبوج : ياصديقي عيواظ، حيرتني في أمرك، ماذنبي أنا إذا كان كركوز فقيراً. لماذا لا يتزوج فتاةً من طينته وعجينته، تأخذه على مركوبه الجديد فقط!!
عيواظ : يا أخي حنبوج لاتجبرني على التقليب في الدفاتر القديمة!
حنبوج : وماذا تعني تلك الدفاتر بعد أنْ صرنا أغنياء.
عيواظ : أهل المدينة يعرفون كيف بدأت حياتك، ماذا كنت تبيع، وكيف جنيت ثروتك، وأظنُّ أنك لم تكن أفضل حالاً من كركوز!!
حنبوج : لا ياصديقي عيواظ. لا. هذا كثير. الزواج وقبلنا به، فماذا عليّ بعد؟! لماذا هذا النبش في الماضي!؟
عيواظ : يجب أنْ نتذكر الماضي حتى نعيش الحاضر والمستقبل باطمئنان!!
حنبوج : دعك من الماضي الآن. وأرجو أنْ تُخفض صوتك. فنحن أبناء اليوم. وعلينا أنْ ننظر إلى الغد، إلى المستقبل! ها... مارأيك الآن!!
عيواظ : رأيي أنْ تعطي كركوز مهلة مفتوحة ليجمع هذا المهر.
حنبوج : يا صديقي عيواظ هل تريد أن تحطّم مستقبل ابنتي. كيف أربط مصيرها بمصير كركوز المجهول؟
عيواظ : حسناً يا أخي حنبوج أريدك أن تحترم هذا الاتفاق. فلا تخذل كركوز حين عودته.
حنبوج (يضحك): أنا واثق أنه لن يعود. وإذا عاد فلن يحمل معه ليرة ذهبية واحدة. أهبل طمس الفقر على عقله وقلبه. حمار. يلاحق الجزرة المربوطة بالعصا.!
عيواظ : حنبوج، كأنك تبعده عن ست الحسن بهذه الحيلة.
حنبوج : اطمئن يا صديقي عيواظ فأنا سأفي بوعدي. ولكني أثرثر كما تعهدني... ولا أكتمك أنني واثق من فشله. ولابد أن ابنتي ست الحسن ستغير رأيها مع طول غيابه. وعندها لن يلومني أحد.
عيواظ : الحب الحقيقي لايموت باختفاء من نحب. بل إنّ نار الحب والشوق تشتد في الصدور حين الفراق.
حنبوج : عظيم. والأيام القادمة كفيلة بتصحيح أفكارنا. أو إثبات صوابها.
عيواظ : تعال ياكركوز... اقترب... اشكر عمك حنبوج. لقد وافق على زواجك من ست الحسن، ومَنَّ اللّه عليك بالفرج.
كركوز : آه ياعمي حنبوج. أنا لا أصدق! لكم أنا سعيد الآن!. هات يدك أقبلها.. وأنت يا عمي عيواظ، ياصديقي المخلص، لاأعرف ماذا أقدم لك!! (يعانق عيواظ طويلاً).
حنبوج (وحده): آه أيّها الفقير الأهبل!! سامحيني يا ابنتي ست الحسن فقد تنازلت عن حقوقك بسهولة. وفرطت بها...
كركوز : اعذرني يا عمي حنبوج، فقد سمعت كل حديثك مع صديقي عيواظ، ماذا أفعل؟ أذني قفزت ووقفت بينكما... واللّه ماقصدت ذلك...
عيواظ : إذاً، ماعليك إلا أن تستعد للرحيل، فالهجرة وحدها كفيلة بتحقيق حلمك في جمع مهر محبوبتك بسرعة!! لأن مدينتنا لن تعطيك ماتريد. ولا تحقق أحلامك.
كركوز : كم المهر؟؟
حنبوج : ألف ليرة ذهبية!!
كركوز : (يقفز من الفرح) لن أتأخر يا عمي حنبوج عن جمع المهر. سأعمل ليل نهار. لن أدع دقيقة واحدة تمر من حياتي دون أن أعصرها لأستخرج منها الذهب. ألف ليرة ذهبية ثروة كبيرة. ولكنها من أجل ست الحسن مبلغٌ تافه!!
حنبوج : وعليك ألاّ تتأخر يا كركوز في إحضارها. أنا أقول أمام صديقي عيواظ، إذا كنت تُحبُّ ست الحسن حقاً فيجب أنْ تعود سريعاً. المال ياكركوز لايأتي إليك. أنت الذي تسعى وراءه. والصيّاد الماهر لايخيبُ سهمُه أبداً.
كركوز : نعم. يقولون ياعمي حنبوج السماء لاتمطر ذهباً.
عيواظ : إذاً، اجعل هجرتك من أجل المال، ولاشيء سواه.
حنبوج : إياك أن تترك الخوف يدخل إلى قلبك. عندها لن تنجح في الصيد.
كركوز : لو أنني ملكت كنوز الدنيا لما بخلت بها على حبيبتي "ست الحسن".
حنبوج : (وحده) وأنا على يقين من أنك لن تملكها.
كركوز : (متابعاً) ولو أنني كنت ملكاً لتخلّيتُ عن عرشي مهراً لست الحسن.
عيواظ : كفاك أحلاماً ياكركوز. فكّر فيما تفعله الآن، ودع الخيال جانباً لأنه آفة الأحلام.
حنبوج : أرأيت ياصديقي عيواظ كيف يفكر!؟ يلبس ثوباً مرقعاً ويقول لو كنت ملكاً لتخليت عن عرشي! واللّه لن تجني ليرة واحدة مادمت على هذه البلاهة!!
عيواظ : ياكركوز أنت أمام امتحان صعب!
كركوز : فهمت يا صديقي عيواظ. سأحصل على المال وأثبت لأهل المدينة أنني جدير بست الحسن بنت التاجر الكبير "حنبوج".
حنبوج : عظيم. وعليك منذ الآن أنْ تفكر في هدفك كي تعود سريعاً ومعك المهر.. والآن ياصديقي عيواظ أنا ذاهب إلى الميناء فهناك مركبٌ سيصلني من الهند محمّلاً بالتوابل والحرير. الناس في هذا العصر لايهتمون إلاّ ببطونهم ومظهرهم ومن لايحضر ولادة عنزته يأته جرو (يضحك).
كركوز : مهلاً ياعمي حنبوج. أرجوك أنْ تنتظرني، ولا تفرّط بست الحسن فقلبها مثلُ جناح العصفور لايحتمل مسَّ النسيم.
حنبوج : ماعليك إلا أنْ تهتمّ بنفسك ياكركوز، ودع ست الحسن لأبيها.. طاب مساؤك يا صديقي عيواظ، ورافقتك السلامة ياكركوز.
(يخرج حنبوج مسرعاً)
عيواظ : كركوز، يجب أنْ تعدّ نفسك منذ الآن.
كركوز : وأنا مستعد للرحيل حالاً.
عيواظ : وهذه خمس ليرات ذهبية يمكنك الاستعانةُ بها وقت الضيق. خذْ ياكركوز لا تخجل من صديقك عيواظ!!
كركوز : لن أنسى لك مافعلته من أجلي في هذا اليوم.. ولكنني يا صديقي خائف..
عيواظ : خائف!!
كركوز : صارحني ياصديقي هل عمي حنبوج صادق في وعده.. أخشى أنْ أعود بعد سنوات فأرى ست الحسن قد طارت من قفصي.. قلبي مقبوض ياصديقي العزيز.
عيواظ : أنت اخترت هذا الطريق، وعليك تقع مسؤولية ماتريد. ولا أكتمك ياكركوز أنني أشك في صدق حنبوج، وهو يراهن على فشلك.. ولكن الأيام هي وحدها التي تفضح أسرارنا وخفايا الصدور. عليك الآن أنْ تذهب وتعد كيس أمتعتك، وتودّع أمك، واترك الوساوس عنك الآن.
كركوز : لولا حبي ياعيواظ مافكرت لحظة واحدة أنْ أترك أمي وحيدة بلا معيل. آه يا أمي! إنّ قلبي لم يعد ملكاً لي. لقد سرقت ست الحسن كل الحياة منه.
عيواظ : احذر ياكركوز أن تطول هجرتك. وأخشى يوماً تعود فيه إلى مدينتك تحمل الذهب، لترى أمك قد غادرت الدنيا.
كركوز : آه ياعيواظ! لقد طعنت صدري بخنجر مسموم.. ولكنْ عليّ أنْ أودع ست الحسن.. إنها تنتظرني...
عيواظ : توقف ياكركوز توقف..
(يخرجان)
(طريق في مدينة الأعاجيب- يقف عيواظ مع التاجر حنبوج يتحادثان، أمّا كركوز فينزوي بعيداً").
حنبوج : قلت لك يا صديقي عيواظ أكثر من مرة إنني غير مستعد أنْ أزوّج ابنتي الوحيدة ست الحسن من شاب أهبل فقير رصيده الوحيد الطمع في ثروتي!
عيواظ : لاتخطئ يا أخي حنبوج، فتخلط بين طيبة كركوز وفقره صحيح أنه لا يحسن التصرف في كثير من المواقف، ولكنه عاقل مثلي ومثلك!
حنبوج : لاتقل لي إنه سيطعم ابنتي رغيف الحب ويلبسها ثوب الغرام!
عيواظ : أنت تعلم أنّ كركوز يُحبّها، وهي أيضاً تُحبّه.
حنبوج : آخ! لوْ لم تكنْ ست الحسن ابنتي الوحيدة لكسرت رأسها! ألمْ تجدْ من بين شباب المدينة كلهم غير كركوز؟ شحّاذ بنصف عقل زوجٌ لابنتي!! هذا كثير يا أخي عيواظ، كثير!!
عيواظ : بصراحة يا أخي حنبوج، أنت لاتستطيع بميزانك المالي أن تقدّر ثمن هذا الشاب.
حنبوج : ولكنّ المال يا أخي عيواظ هو السعادة في هذه الحياة. هكذا الدنيا، كما نعرفها أنا وأنت، فلماذا تنكر الحقيقة وتعيب عليّ هذا الميزان؟ أتريدني أنْ أقول لكركوز: تعال خذ ابنتي مجاناً؟ هل يوافق والدٌ عاقل على هذا!؟!
عيواظ : أنت يا أخي حنبوج بحاجة إلى رجل يُساعدك في تجارتك وكركوز شابٌ مستقيم، يمكن الاعتماد عليه. أنا واثقٌ من أنّ الحياة ستعركه فيشتد عوده.
حنبوج : يعني تريد مني أن أزوجه ابنتي على الحصير، وأعطيه فوقها مالاً؟؟ ما الذي يجبرني على ذلك؟ هل صارت ست الحسن جيفة أريد أن أتخلص منها؟؟
عيواظ : ولكن كركوز سيحسن معاملتها. فلا تعذبه بسبب فقره. انظر إلى المسكين كيف يقف خائفاً، ورفضك يعني أنك تحكم عليه بالموت.
حنبوج : ماذا جرى لعقلك يا صديقي عيواظ؟ يحب ابنتي وعليّ أن أواسيه، عجيب اليوم أمرك ياعيواظ؟
عيواظ : واللّه لو كان اللّه قد رزقني بنتاً لما فضلت على كركوز أحداً من الشبان.
حنبوج : هذه حكمة اللّه يا صديقي عيواظ. إذ لم يرزقك بنتاً لئلا ترميها إلى عذاب الفقراء.
عيواظ : أرجوك يا أخي حنبوج، لاتكسر قلب كركوز. ولا تشتهر بمشاعره الصافية.
حنبوج : حتى لو قبلت بفكرة الزواج، فهذا لايعني أن أزوج ابنتي دون مهر.
عيواظ : هذا حقك، وحق ست الحسن.
حنبوج : إذا كنت أتنازل عن صفات كركوز ونقصان عقله، فعليه أن يدفع لي مهرها كاملاً.
عيواظ : وكركوز مستعد لذلك، في حدود المهر المعقول. قل الآن كم كم تريد؟؟
حنبوج : آ... آه من إلحاحك يا صديقي!! لن تعارض إذا قلت إن مهر ست الحسن.. ألف ليرة ذهبية، لاتنقص ليرةً.
عيواظ : ألف ليرة ذهبية!! هذا ليس مهراً. هذه ثروة.. وأنت تعلم أنّ كركوز لايملك منها خمساً.
حنبوج : ألف ليرة ذهبية، تسعمئة وتسع وتسعون ليرة غير مقبولة!! ها.. ماذا قلت؟ أظن أنني راعيتُ حق الصداقة بيننا!
عيواظ : طيبٌ دوماً ياأخي حنبوج!! كأنك تقول كركوز لن أزوّجك ابنتي!
حنبوج : لا.. لاياصديقي عيواظ. أقول له أحضرْ المهر الآن وخذْ ست الحسن الآن! كلام واضح ومن حقي أنْ أفعل ذلك، وبصراحة ست الحسن تساوي ألفي ليرة أو ثلاثة آلاف، ولكن لعن اللّه هذا اللسان الذي نطق الألف دون أنْ يشاورني!!.
عيواظ : هوّن عليك يا أخي حنبوج...
حنبوج : أقسم يا صديقي عيواظ إنها تساوي خمسة آلاف، وسيأتي من يدفع لي ستة آلاف. ولكنَّ إلحاحك ياصديقي يجعلني أستسلم في سبيل استمرار صداقتنا. ها.. ماذا قلت؟!
عيواظ : قلت إن كركوز لو عمل لصاً فلن يستطيع جمع ألف ليرة ذهبية.
حنبوج : سأكون كريماً معك، سأمهله سنة واحدة تبدأ من اليوم.
(يقترب كركوز حذراً)
عيواظ : ولكنّ هذا المبلغ يحتاج إلى سنوات طويلة، وربما يقضي كركوز العمر كلّه دون أنْ يجني مئة ليرة.
حنبوج : ياصديقي عيواظ، حيرتني في أمرك، ماذنبي أنا إذا كان كركوز فقيراً. لماذا لا يتزوج فتاةً من طينته وعجينته، تأخذه على مركوبه الجديد فقط!!
عيواظ : يا أخي حنبوج لاتجبرني على التقليب في الدفاتر القديمة!
حنبوج : وماذا تعني تلك الدفاتر بعد أنْ صرنا أغنياء.
عيواظ : أهل المدينة يعرفون كيف بدأت حياتك، ماذا كنت تبيع، وكيف جنيت ثروتك، وأظنُّ أنك لم تكن أفضل حالاً من كركوز!!
حنبوج : لا ياصديقي عيواظ. لا. هذا كثير. الزواج وقبلنا به، فماذا عليّ بعد؟! لماذا هذا النبش في الماضي!؟
عيواظ : يجب أنْ نتذكر الماضي حتى نعيش الحاضر والمستقبل باطمئنان!!
حنبوج : دعك من الماضي الآن. وأرجو أنْ تُخفض صوتك. فنحن أبناء اليوم. وعلينا أنْ ننظر إلى الغد، إلى المستقبل! ها... مارأيك الآن!!
عيواظ : رأيي أنْ تعطي كركوز مهلة مفتوحة ليجمع هذا المهر.
حنبوج : يا صديقي عيواظ هل تريد أن تحطّم مستقبل ابنتي. كيف أربط مصيرها بمصير كركوز المجهول؟
عيواظ : حسناً يا أخي حنبوج أريدك أن تحترم هذا الاتفاق. فلا تخذل كركوز حين عودته.
حنبوج (يضحك): أنا واثق أنه لن يعود. وإذا عاد فلن يحمل معه ليرة ذهبية واحدة. أهبل طمس الفقر على عقله وقلبه. حمار. يلاحق الجزرة المربوطة بالعصا.!
عيواظ : حنبوج، كأنك تبعده عن ست الحسن بهذه الحيلة.
حنبوج : اطمئن يا صديقي عيواظ فأنا سأفي بوعدي. ولكني أثرثر كما تعهدني... ولا أكتمك أنني واثق من فشله. ولابد أن ابنتي ست الحسن ستغير رأيها مع طول غيابه. وعندها لن يلومني أحد.
عيواظ : الحب الحقيقي لايموت باختفاء من نحب. بل إنّ نار الحب والشوق تشتد في الصدور حين الفراق.
حنبوج : عظيم. والأيام القادمة كفيلة بتصحيح أفكارنا. أو إثبات صوابها.
عيواظ : تعال ياكركوز... اقترب... اشكر عمك حنبوج. لقد وافق على زواجك من ست الحسن، ومَنَّ اللّه عليك بالفرج.
كركوز : آه ياعمي حنبوج. أنا لا أصدق! لكم أنا سعيد الآن!. هات يدك أقبلها.. وأنت يا عمي عيواظ، ياصديقي المخلص، لاأعرف ماذا أقدم لك!! (يعانق عيواظ طويلاً).
حنبوج (وحده): آه أيّها الفقير الأهبل!! سامحيني يا ابنتي ست الحسن فقد تنازلت عن حقوقك بسهولة. وفرطت بها...
كركوز : اعذرني يا عمي حنبوج، فقد سمعت كل حديثك مع صديقي عيواظ، ماذا أفعل؟ أذني قفزت ووقفت بينكما... واللّه ماقصدت ذلك...
عيواظ : إذاً، ماعليك إلا أن تستعد للرحيل، فالهجرة وحدها كفيلة بتحقيق حلمك في جمع مهر محبوبتك بسرعة!! لأن مدينتنا لن تعطيك ماتريد. ولا تحقق أحلامك.
كركوز : كم المهر؟؟
حنبوج : ألف ليرة ذهبية!!
كركوز : (يقفز من الفرح) لن أتأخر يا عمي حنبوج عن جمع المهر. سأعمل ليل نهار. لن أدع دقيقة واحدة تمر من حياتي دون أن أعصرها لأستخرج منها الذهب. ألف ليرة ذهبية ثروة كبيرة. ولكنها من أجل ست الحسن مبلغٌ تافه!!
حنبوج : وعليك ألاّ تتأخر يا كركوز في إحضارها. أنا أقول أمام صديقي عيواظ، إذا كنت تُحبُّ ست الحسن حقاً فيجب أنْ تعود سريعاً. المال ياكركوز لايأتي إليك. أنت الذي تسعى وراءه. والصيّاد الماهر لايخيبُ سهمُه أبداً.
كركوز : نعم. يقولون ياعمي حنبوج السماء لاتمطر ذهباً.
عيواظ : إذاً، اجعل هجرتك من أجل المال، ولاشيء سواه.
حنبوج : إياك أن تترك الخوف يدخل إلى قلبك. عندها لن تنجح في الصيد.
كركوز : لو أنني ملكت كنوز الدنيا لما بخلت بها على حبيبتي "ست الحسن".
حنبوج : (وحده) وأنا على يقين من أنك لن تملكها.
كركوز : (متابعاً) ولو أنني كنت ملكاً لتخلّيتُ عن عرشي مهراً لست الحسن.
عيواظ : كفاك أحلاماً ياكركوز. فكّر فيما تفعله الآن، ودع الخيال جانباً لأنه آفة الأحلام.
حنبوج : أرأيت ياصديقي عيواظ كيف يفكر!؟ يلبس ثوباً مرقعاً ويقول لو كنت ملكاً لتخليت عن عرشي! واللّه لن تجني ليرة واحدة مادمت على هذه البلاهة!!
عيواظ : ياكركوز أنت أمام امتحان صعب!
كركوز : فهمت يا صديقي عيواظ. سأحصل على المال وأثبت لأهل المدينة أنني جدير بست الحسن بنت التاجر الكبير "حنبوج".
حنبوج : عظيم. وعليك منذ الآن أنْ تفكر في هدفك كي تعود سريعاً ومعك المهر.. والآن ياصديقي عيواظ أنا ذاهب إلى الميناء فهناك مركبٌ سيصلني من الهند محمّلاً بالتوابل والحرير. الناس في هذا العصر لايهتمون إلاّ ببطونهم ومظهرهم ومن لايحضر ولادة عنزته يأته جرو (يضحك).
كركوز : مهلاً ياعمي حنبوج. أرجوك أنْ تنتظرني، ولا تفرّط بست الحسن فقلبها مثلُ جناح العصفور لايحتمل مسَّ النسيم.
حنبوج : ماعليك إلا أنْ تهتمّ بنفسك ياكركوز، ودع ست الحسن لأبيها.. طاب مساؤك يا صديقي عيواظ، ورافقتك السلامة ياكركوز.
(يخرج حنبوج مسرعاً)
عيواظ : كركوز، يجب أنْ تعدّ نفسك منذ الآن.
كركوز : وأنا مستعد للرحيل حالاً.
عيواظ : وهذه خمس ليرات ذهبية يمكنك الاستعانةُ بها وقت الضيق. خذْ ياكركوز لا تخجل من صديقك عيواظ!!
كركوز : لن أنسى لك مافعلته من أجلي في هذا اليوم.. ولكنني يا صديقي خائف..
عيواظ : خائف!!
كركوز : صارحني ياصديقي هل عمي حنبوج صادق في وعده.. أخشى أنْ أعود بعد سنوات فأرى ست الحسن قد طارت من قفصي.. قلبي مقبوض ياصديقي العزيز.
عيواظ : أنت اخترت هذا الطريق، وعليك تقع مسؤولية ماتريد. ولا أكتمك ياكركوز أنني أشك في صدق حنبوج، وهو يراهن على فشلك.. ولكن الأيام هي وحدها التي تفضح أسرارنا وخفايا الصدور. عليك الآن أنْ تذهب وتعد كيس أمتعتك، وتودّع أمك، واترك الوساوس عنك الآن.
كركوز : لولا حبي ياعيواظ مافكرت لحظة واحدة أنْ أترك أمي وحيدة بلا معيل. آه يا أمي! إنّ قلبي لم يعد ملكاً لي. لقد سرقت ست الحسن كل الحياة منه.
عيواظ : احذر ياكركوز أن تطول هجرتك. وأخشى يوماً تعود فيه إلى مدينتك تحمل الذهب، لترى أمك قد غادرت الدنيا.
كركوز : آه ياعيواظ! لقد طعنت صدري بخنجر مسموم.. ولكنْ عليّ أنْ أودع ست الحسن.. إنها تنتظرني...
عيواظ : توقف ياكركوز توقف..
(يخرجان)
الفصل التاني
المشهد الثاني
(في الطريق أمام بيت ست الحسن).
(تدخل الغناجة من اليمين، يلاحقها "المدلل")
الغناجة : طلبت منك أن تكفّ عن مطاردتي. أينما اتجهت أراك تقف أمامي كإبليس..!
المدلل : أحبك يا "غناجة" فلماذا لاتصدقينني!؟
الغناجة : وأنا لاأحبك. لأن الحب لايكون قسراً!
المدلل : وأنا رجوتك يا (غناجة) أن ترحميني فأنا أسير عينيك، فلماذا تُعذبينني وأنت تعرفين أنني أريدك زوجة لي؟
الغناجة : واللّه لوخلا هذا الكوكب من الرجال، ولم يبق فيه إلاك لرفضتك زوجاً لي.! أنا الغناجة التي تطيح بقلوب الرجال تحت قدميها تتزوج من المدلل صبي المطحنة أجير عيواظ!!
المدلل : ولكنني سأدفع لك المهر الذي تريدين.
الغناجة : وهل أنت قادر على مهري أيها المدلل؟!
المدلل : كم تريدين؟؟
الغناجة : اسمع يامدلل.. يكفيك ما أعطيك في الليل، دعني وشأني، وإياك أن تعترض طريقي ثانية!
المدلل : والحب الذي في صدري يا (غناجة). إنه يكبر يوماً بعد يوم.. كما تنمو الأعشاب في الربيع.. كما يكبر القمر في السماء.
الغناجة : ولكن القمر الذي يكبر لابد أن يتقلص بعد منتصف الشهر. هيا ابتعد عن طريقي أيها المخادع.
المدلل : طريقك هو طريقي ياغناجة!
الغناجة : المرأة يامدلل تحب الرجل من أجل ماله أو خصاله. وأنت لاتملك إلا سوء السمعة. أم تظن أنني لا أعرف ماذا يقول عنك الرجال.
المدلل : كفى ياغناجة.. فكلانا من طينة واحدة. كل رجل يتمنى أن يكون طيّب النسب، كثير المال، صاحب سلطة وسلطان.. ولكني لا أعرف لي أباً، وليس بيدي إلا أن أكون الصبي المدلل، المدلل الأجير.. نعم أجير طحان!
الغناجة : وعليك أن تفهم الآن أنّ امرأة في مثل جمالي لاتقبل أن تتزوج أجيراً في مطحنة. لماذا لاأتزوج من رجل وسيم وغني مثل سيدك عيواظ صاحب المطحنة!!
المدلل : ولكن سيدي عيواظ متزوج وهو رجل شريف!
الغناجة : وفّر كلامك الآن، ودعني. لأنك لاتعرف شيئاً بعد عن لعبة الحياة والأزواج المخلصين!
(يدخل بكري متنكراً في هيئة رجل عجوز)
بكري : ها! هاهوذا الغرام الشيطاني يتجلى في بهاء الليل. رجل وامرأة تحت مظلة الظلام يتناجيان (يضحك) من المدلل؟؟ الصبي العاشق الواهم، والغناجة المرأة اللعوب!! عجيب اجتماع الضدين!
(يقترب فيحاول المدلل الاختباء)
لن تهرب يامدلل من عيني.. فأنا أملك عينا سحرية تخترق الجدران. تعال، اقترب، فقد سمعت حواركما من بدايته، وأنا أختبئ وراء الشجرة هناك.
المدلل : و.. ولكن من أنت أيها العجوز.. أنا لاأعرفك!!
الغناجة : أرأيت يامدلل كيف تخاف من رجل عجوز؟!
المدلل : أنا لم أخف.. بل.. بل..
بكري : بل ماذا أيها الصبي الجبان؟
المدلل : من؟ بكري؟! ولكن لم تتختفّى بهذه الثياب؟!
بكري (يمسك بالمدلل): نصحتك مرات ومرات أن تكف عن ملاحقة الغناجة. وعندما يقول بكري كلمته فيجب أن يطاع.. أسمعت؟!
المدلل : أنا.. كبرت. ويحق لي أن أحب من أحب..
بكري : إذاً، أنت لاتريد سماع نصيحتي يا مدلل.. مارأيك أن أربطك من قدميك وأعلقك في شجرة السنديان..
المدلل : ولكني لم أفعل شيئاً..
بكري : كف عن ملاحقة الغناجة..
الغناجة : دعه يابكري.. دع رقبته النحيلة ستنكسر كعود الشعير.
بكري : اسمع يا مدلل. من أجل عيني الغناجة الجميلتين أترك الدنيا وما فيها.. (يصفعه) هيا.. لاأريد أن أرى وجهك أسبوعاً كاملاً.. وإياك أن تحدث أحداً أنك رأيتني متخفياً..
الغناجة : (تضحك) قسوت عليه كثيراً يابكري. فهو لايزال صغيراً، وهو يحبني كما ترى.. أنا لا أصدق أن الغيرة تدخل إلى قلبك لأن حب المال هو الذي يغذيه. وأنت تقول دوماً: جيوبنا قلوبنا.
بكري : صدقت ياغناجة. المال هو الساحر العجيب الذي نسعى إليه كلانا. كل منا له طريقته الخاصة. ولكننا نلتقي في النهاية على هدف واحد. حب كبير لايفنى في قلب الإنسان.
الغناجة : إذاً لماذا لانقطع طريقنا معاً؟!
بكري : لم يحن الوقت بعد ياغناجة.. في رأسي أحلام كثيرة لابد أنْ أحققها. يجب أنْ أكون ثرياً أولاً..
الغناجة : إذاً، المال أغلى لك مني!!
بكري : يجب أنْ أصبح ثرياً..
الغناجة : أؤكد يابكري أنك ذاهبٌ الآن لسرقة قصر أو متجر.. وإلاّ لما تنكرت في هيئة شيخ عجوز... وهذه الحبال حول خصرك تفضح أمرك..
بكري : يجب أنْ أملك المال.. عندها لن يذكر أحد ماضي بكري. سيضعني مالي في القمة. وأتزوج من أحب.
الغناجة : أنت لاتحب إلا نفسك.
بكري : لا أنكر ياغناجة. أجملُ حب هو حبُ النفس. حبٌ لايموت. اسمعي ياغناجة ألا تريدين الصعود معي إلى القمة؟
الغناجة : أحلام يابكري تُعلّل بها النفس الحزينة.
بكري : إذا فعلت ماأريد ستحققين ماتريدين..
الغناجة : أوهام! فلن ينتشلنا من عمل الليل إلا معجزة.
بكري : المال.. المال يا غناجة هو المعجزة.
الغناجة : دعك من الأحلام ولينصرف كلٌ منا إلى عمله قبل أنْ يداهمنا العسس.
بكري : العسس ياجبانة! متى تُطهرين قلبك من الخوف؟! هيّا دعيني الآن وانصرفي. واحذري أنْ يعرف أحدٌ ما أفعل.. هيّا فسوف يكون وجهك فألاً حسناً الليلة!
الغناجة : إذاً سأنتظرك بعد إتمام عملك الليلة، إلى اللقاء.
(تضحك، تنصرف بدلال وبطء).
بكري : (وحده) سأظل أمتصُّ دمك مثل العلقة ياملعونة. ولتكن هذه آخر ليلة أودع فيها الفقر. وسأحتفل معك ياغناجة بانتصاري. المال والمرأة.. لا أستطيع أنْ أستغني عن أحدهما. فلتخرج روحي من هذا الجسد إذا لم أحقق ماأريد..
(يدخل كركوز، فيفاجأ به بكري).
بكري : (وحده) منْ هذا القادم الذي يريد أنْ يفسد عليّ خطتي! كركوز!
كركوز : (وحده) آه.. يالحظي العاثر. رجل يقف تحت النافذة؟! أية مصادفة هذه! لن أستطيع وداع ست الحسن في هذه الليلة الحاسمة، ها. إنه رجل عجوز (يقترب) أنت! أيها الرجل العجوز، لماذا تقف هنا في هذا الطقس البارد؟!
أتنتظر أحداً؟ والليل المظلم يطمس كل شيء!!
بكري : آه يابني! أضعت طريقي، وأرجو أن تدلني عليه.
كركوز : وأي طريق تريد أن تسلكه ياعمي الشيخ؟. أم أنت تفضل أنْ تنتظر ليمر بيتك من هنا؟!
بكري : (يضحك) يا اللّه. ما أشد لطفك وما أكثر ظرفك! يبدو لي يابني- واللّه أعلم- أنك شاب شهم من أسرة طيبة وقد بعثك اللّه إليّ لتدلني على بيت صديقي (حنبوج).
كركوز : (مذهولاً) حنبوج! (وحده) يا إلهي سيوقظ البيت كله، ولن أستطيع بعدها أن أناجي ست الحسن، وهذا لقاؤنا الأخير قبل الرحيل. لا أصدق أنّ اللّه تعالى بعثه إليّ في هذه الليلة!.
بكري : ها.. ماذا قلت يابني! ألست من أهل هذه المدينة أيها الشاب الطيب؟ صديقي حنبوج سيرحب بك ويشكرك على معروفك.آ... ربما لم تعرفه بعد... إنه التاجر حنبوج والد ست الحسن..
كركوز : يا إلهي! أي اسم جميل يعلنه هذا العجوز القادم من الموت.
بكري : من تحدث يابني؟. هل هناك أحد معنا؟! قل لي يابني. أذهب من هنا أم من هنا؟!
كركوز : بل قف مكانك ولاتتحرك.
بكري : ولماذا تصرخ هكذا يابني؟. هل أغضبتك في شيء أيها الشاب الطيب؟ لقد تعبت حتى وصلت إلى هنا. وأنا كما ترى شيخ قهرته الأيام. اطمئن يابني فأنا صديق قديم لحنبوج. مضى زمن ولم نلتق (يخرج من جيبه قطعة نقدية) خذ. هذه مكافأة لك ودلني على بيت صديقي الحبيب.
كركوز : (وحده) ماأشد غبائي! هل يمكن أن يكون لحنبوج الأعور صديق مخلص مثل هذا؟! مهما يكن الأمر فلن أفوّت فرصة وداع ست الحسن.
بكري : خذ. هذه ليرة أخرى... ولكن أرجوك دلني على البيت واختر لي مدخلاً سرياً لايراني منه أحد. سأجعلها مفاجأة لصديقي حنبوج. لقد حدثني كثيراً في آخر مرة عن مدخله السري!.
كركوز : (وحده) حقاً إنه صديق لحنبوج، ولولا ذلك لما عرف المدخل السري.
بكري : ها.. ماذا قلت يابني؟.
كركوز : ما أطيب قلبك أيها الشيخ العجوز! تقطع المسافات الطويلة وأنت في هذا العمر لرؤية صديق! حقاً. إنّ هذه الدنيا لاتزال بألف خير.
بكري : إذاً لاتجعلني أيها الشاب الطيّب أقف في هذا الجو البارد.
كركوز : آه..يا لغبائي!! اتبعني يا عمي الشيخ. فأنت قادم من بلاد بعيدة وقد هدّك التعب.. ولكن اعلم ياعمي الشيخ أنّه ليس سهلاً أنْ يفشي المرء أسرار الآخرين، فقد كنت أظن نفسي الرجل الوحيد في هذه المدينة مَنْ يعرف المدخل السري.
بكري : آه.. أيها الشاب الطيب المخلص، لولا أنني أعلم أنه لا ولد لصديقي حنبوج غير ست الحسن لقلت إنك ابن صديقي الحبيب.. ولكن قلْ لي من أنت يابنيّ. فالفضول أثار مشاعري؟
كركوز : أنا كركوز ياعمي الشيخ...
بكري : كركوز! يا للمفاجأة العجيبة! ما أكرم السماء التي أرسلتك إليّ!.
كركوز : وهل تعرفني ياعمي الشيخ؟!
بكري : كركوز اسم جميل، سمعته كثيراً من لسان صديقي حنبوج!. لكم هو معجب بك وبأخلاقك وشهامتك ورجولتك.! وليسامحني اللّه على زلة اللسان.. إنه معجب بهذا الحب لابنته ست الحسن..
كركوز : عمي حنبوج قال كل هذا!! ماأسعدني! أنا لاأصدق!.
بكري : صدّق يابنيّ.. لم يكن بيننا موعد لأفضي إليك بما سمعت عنك.
كركوز : هات يدك ياعمي الشيخ سأقودك إلى المدخل السري.
بكري : ولكن عاهدني يا بنيّ ألا تبوح بسري الآن. أرجوك. كم ستكون فرحتي عظيمة حين تقع عيناي على وجه ابنته ست الحسن. أنا لم أرها منذ عشر سنوات.. لابد أنها أصبحت شابة فارعة الطول، ساحرة العينين، لها جديلتان تنتهيان بالشرائط الملونة. وجه ملائكي!
يتبع
(في الطريق أمام بيت ست الحسن).
(تدخل الغناجة من اليمين، يلاحقها "المدلل")
الغناجة : طلبت منك أن تكفّ عن مطاردتي. أينما اتجهت أراك تقف أمامي كإبليس..!
المدلل : أحبك يا "غناجة" فلماذا لاتصدقينني!؟
الغناجة : وأنا لاأحبك. لأن الحب لايكون قسراً!
المدلل : وأنا رجوتك يا (غناجة) أن ترحميني فأنا أسير عينيك، فلماذا تُعذبينني وأنت تعرفين أنني أريدك زوجة لي؟
الغناجة : واللّه لوخلا هذا الكوكب من الرجال، ولم يبق فيه إلاك لرفضتك زوجاً لي.! أنا الغناجة التي تطيح بقلوب الرجال تحت قدميها تتزوج من المدلل صبي المطحنة أجير عيواظ!!
المدلل : ولكنني سأدفع لك المهر الذي تريدين.
الغناجة : وهل أنت قادر على مهري أيها المدلل؟!
المدلل : كم تريدين؟؟
الغناجة : اسمع يامدلل.. يكفيك ما أعطيك في الليل، دعني وشأني، وإياك أن تعترض طريقي ثانية!
المدلل : والحب الذي في صدري يا (غناجة). إنه يكبر يوماً بعد يوم.. كما تنمو الأعشاب في الربيع.. كما يكبر القمر في السماء.
الغناجة : ولكن القمر الذي يكبر لابد أن يتقلص بعد منتصف الشهر. هيا ابتعد عن طريقي أيها المخادع.
المدلل : طريقك هو طريقي ياغناجة!
الغناجة : المرأة يامدلل تحب الرجل من أجل ماله أو خصاله. وأنت لاتملك إلا سوء السمعة. أم تظن أنني لا أعرف ماذا يقول عنك الرجال.
المدلل : كفى ياغناجة.. فكلانا من طينة واحدة. كل رجل يتمنى أن يكون طيّب النسب، كثير المال، صاحب سلطة وسلطان.. ولكني لا أعرف لي أباً، وليس بيدي إلا أن أكون الصبي المدلل، المدلل الأجير.. نعم أجير طحان!
الغناجة : وعليك أن تفهم الآن أنّ امرأة في مثل جمالي لاتقبل أن تتزوج أجيراً في مطحنة. لماذا لاأتزوج من رجل وسيم وغني مثل سيدك عيواظ صاحب المطحنة!!
المدلل : ولكن سيدي عيواظ متزوج وهو رجل شريف!
الغناجة : وفّر كلامك الآن، ودعني. لأنك لاتعرف شيئاً بعد عن لعبة الحياة والأزواج المخلصين!
(يدخل بكري متنكراً في هيئة رجل عجوز)
بكري : ها! هاهوذا الغرام الشيطاني يتجلى في بهاء الليل. رجل وامرأة تحت مظلة الظلام يتناجيان (يضحك) من المدلل؟؟ الصبي العاشق الواهم، والغناجة المرأة اللعوب!! عجيب اجتماع الضدين!
(يقترب فيحاول المدلل الاختباء)
لن تهرب يامدلل من عيني.. فأنا أملك عينا سحرية تخترق الجدران. تعال، اقترب، فقد سمعت حواركما من بدايته، وأنا أختبئ وراء الشجرة هناك.
المدلل : و.. ولكن من أنت أيها العجوز.. أنا لاأعرفك!!
الغناجة : أرأيت يامدلل كيف تخاف من رجل عجوز؟!
المدلل : أنا لم أخف.. بل.. بل..
بكري : بل ماذا أيها الصبي الجبان؟
المدلل : من؟ بكري؟! ولكن لم تتختفّى بهذه الثياب؟!
بكري (يمسك بالمدلل): نصحتك مرات ومرات أن تكف عن ملاحقة الغناجة. وعندما يقول بكري كلمته فيجب أن يطاع.. أسمعت؟!
المدلل : أنا.. كبرت. ويحق لي أن أحب من أحب..
بكري : إذاً، أنت لاتريد سماع نصيحتي يا مدلل.. مارأيك أن أربطك من قدميك وأعلقك في شجرة السنديان..
المدلل : ولكني لم أفعل شيئاً..
بكري : كف عن ملاحقة الغناجة..
الغناجة : دعه يابكري.. دع رقبته النحيلة ستنكسر كعود الشعير.
بكري : اسمع يا مدلل. من أجل عيني الغناجة الجميلتين أترك الدنيا وما فيها.. (يصفعه) هيا.. لاأريد أن أرى وجهك أسبوعاً كاملاً.. وإياك أن تحدث أحداً أنك رأيتني متخفياً..
الغناجة : (تضحك) قسوت عليه كثيراً يابكري. فهو لايزال صغيراً، وهو يحبني كما ترى.. أنا لا أصدق أن الغيرة تدخل إلى قلبك لأن حب المال هو الذي يغذيه. وأنت تقول دوماً: جيوبنا قلوبنا.
بكري : صدقت ياغناجة. المال هو الساحر العجيب الذي نسعى إليه كلانا. كل منا له طريقته الخاصة. ولكننا نلتقي في النهاية على هدف واحد. حب كبير لايفنى في قلب الإنسان.
الغناجة : إذاً لماذا لانقطع طريقنا معاً؟!
بكري : لم يحن الوقت بعد ياغناجة.. في رأسي أحلام كثيرة لابد أنْ أحققها. يجب أنْ أكون ثرياً أولاً..
الغناجة : إذاً، المال أغلى لك مني!!
بكري : يجب أنْ أصبح ثرياً..
الغناجة : أؤكد يابكري أنك ذاهبٌ الآن لسرقة قصر أو متجر.. وإلاّ لما تنكرت في هيئة شيخ عجوز... وهذه الحبال حول خصرك تفضح أمرك..
بكري : يجب أنْ أملك المال.. عندها لن يذكر أحد ماضي بكري. سيضعني مالي في القمة. وأتزوج من أحب.
الغناجة : أنت لاتحب إلا نفسك.
بكري : لا أنكر ياغناجة. أجملُ حب هو حبُ النفس. حبٌ لايموت. اسمعي ياغناجة ألا تريدين الصعود معي إلى القمة؟
الغناجة : أحلام يابكري تُعلّل بها النفس الحزينة.
بكري : إذا فعلت ماأريد ستحققين ماتريدين..
الغناجة : أوهام! فلن ينتشلنا من عمل الليل إلا معجزة.
بكري : المال.. المال يا غناجة هو المعجزة.
الغناجة : دعك من الأحلام ولينصرف كلٌ منا إلى عمله قبل أنْ يداهمنا العسس.
بكري : العسس ياجبانة! متى تُطهرين قلبك من الخوف؟! هيّا دعيني الآن وانصرفي. واحذري أنْ يعرف أحدٌ ما أفعل.. هيّا فسوف يكون وجهك فألاً حسناً الليلة!
الغناجة : إذاً سأنتظرك بعد إتمام عملك الليلة، إلى اللقاء.
(تضحك، تنصرف بدلال وبطء).
بكري : (وحده) سأظل أمتصُّ دمك مثل العلقة ياملعونة. ولتكن هذه آخر ليلة أودع فيها الفقر. وسأحتفل معك ياغناجة بانتصاري. المال والمرأة.. لا أستطيع أنْ أستغني عن أحدهما. فلتخرج روحي من هذا الجسد إذا لم أحقق ماأريد..
(يدخل كركوز، فيفاجأ به بكري).
بكري : (وحده) منْ هذا القادم الذي يريد أنْ يفسد عليّ خطتي! كركوز!
كركوز : (وحده) آه.. يالحظي العاثر. رجل يقف تحت النافذة؟! أية مصادفة هذه! لن أستطيع وداع ست الحسن في هذه الليلة الحاسمة، ها. إنه رجل عجوز (يقترب) أنت! أيها الرجل العجوز، لماذا تقف هنا في هذا الطقس البارد؟!
أتنتظر أحداً؟ والليل المظلم يطمس كل شيء!!
بكري : آه يابني! أضعت طريقي، وأرجو أن تدلني عليه.
كركوز : وأي طريق تريد أن تسلكه ياعمي الشيخ؟. أم أنت تفضل أنْ تنتظر ليمر بيتك من هنا؟!
بكري : (يضحك) يا اللّه. ما أشد لطفك وما أكثر ظرفك! يبدو لي يابني- واللّه أعلم- أنك شاب شهم من أسرة طيبة وقد بعثك اللّه إليّ لتدلني على بيت صديقي (حنبوج).
كركوز : (مذهولاً) حنبوج! (وحده) يا إلهي سيوقظ البيت كله، ولن أستطيع بعدها أن أناجي ست الحسن، وهذا لقاؤنا الأخير قبل الرحيل. لا أصدق أنّ اللّه تعالى بعثه إليّ في هذه الليلة!.
بكري : ها.. ماذا قلت يابني! ألست من أهل هذه المدينة أيها الشاب الطيب؟ صديقي حنبوج سيرحب بك ويشكرك على معروفك.آ... ربما لم تعرفه بعد... إنه التاجر حنبوج والد ست الحسن..
كركوز : يا إلهي! أي اسم جميل يعلنه هذا العجوز القادم من الموت.
بكري : من تحدث يابني؟. هل هناك أحد معنا؟! قل لي يابني. أذهب من هنا أم من هنا؟!
كركوز : بل قف مكانك ولاتتحرك.
بكري : ولماذا تصرخ هكذا يابني؟. هل أغضبتك في شيء أيها الشاب الطيب؟ لقد تعبت حتى وصلت إلى هنا. وأنا كما ترى شيخ قهرته الأيام. اطمئن يابني فأنا صديق قديم لحنبوج. مضى زمن ولم نلتق (يخرج من جيبه قطعة نقدية) خذ. هذه مكافأة لك ودلني على بيت صديقي الحبيب.
كركوز : (وحده) ماأشد غبائي! هل يمكن أن يكون لحنبوج الأعور صديق مخلص مثل هذا؟! مهما يكن الأمر فلن أفوّت فرصة وداع ست الحسن.
بكري : خذ. هذه ليرة أخرى... ولكن أرجوك دلني على البيت واختر لي مدخلاً سرياً لايراني منه أحد. سأجعلها مفاجأة لصديقي حنبوج. لقد حدثني كثيراً في آخر مرة عن مدخله السري!.
كركوز : (وحده) حقاً إنه صديق لحنبوج، ولولا ذلك لما عرف المدخل السري.
بكري : ها.. ماذا قلت يابني؟.
كركوز : ما أطيب قلبك أيها الشيخ العجوز! تقطع المسافات الطويلة وأنت في هذا العمر لرؤية صديق! حقاً. إنّ هذه الدنيا لاتزال بألف خير.
بكري : إذاً لاتجعلني أيها الشاب الطيّب أقف في هذا الجو البارد.
كركوز : آه..يا لغبائي!! اتبعني يا عمي الشيخ. فأنت قادم من بلاد بعيدة وقد هدّك التعب.. ولكن اعلم ياعمي الشيخ أنّه ليس سهلاً أنْ يفشي المرء أسرار الآخرين، فقد كنت أظن نفسي الرجل الوحيد في هذه المدينة مَنْ يعرف المدخل السري.
بكري : آه.. أيها الشاب الطيب المخلص، لولا أنني أعلم أنه لا ولد لصديقي حنبوج غير ست الحسن لقلت إنك ابن صديقي الحبيب.. ولكن قلْ لي من أنت يابنيّ. فالفضول أثار مشاعري؟
كركوز : أنا كركوز ياعمي الشيخ...
بكري : كركوز! يا للمفاجأة العجيبة! ما أكرم السماء التي أرسلتك إليّ!.
كركوز : وهل تعرفني ياعمي الشيخ؟!
بكري : كركوز اسم جميل، سمعته كثيراً من لسان صديقي حنبوج!. لكم هو معجب بك وبأخلاقك وشهامتك ورجولتك.! وليسامحني اللّه على زلة اللسان.. إنه معجب بهذا الحب لابنته ست الحسن..
كركوز : عمي حنبوج قال كل هذا!! ماأسعدني! أنا لاأصدق!.
بكري : صدّق يابنيّ.. لم يكن بيننا موعد لأفضي إليك بما سمعت عنك.
كركوز : هات يدك ياعمي الشيخ سأقودك إلى المدخل السري.
بكري : ولكن عاهدني يا بنيّ ألا تبوح بسري الآن. أرجوك. كم ستكون فرحتي عظيمة حين تقع عيناي على وجه ابنته ست الحسن. أنا لم أرها منذ عشر سنوات.. لابد أنها أصبحت شابة فارعة الطول، ساحرة العينين، لها جديلتان تنتهيان بالشرائط الملونة. وجه ملائكي!
يتبع
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
كركوز : تماماً. هي كما تقول، وأكثر جمالاً. بل هي ملكة الجمال في هذه المدينة.
بكري : وقد سمعت أنّ شاباً وسيماً طيباً خطبها.. قلت في نفسي لن يكون هذا الشاب غير كركوز الذي امتدحه حنبوج أمامي. شاب طيب لشابة طيبة!
كركوز : إذاً، أنت تعرف كل شيء ياعمي الشيخ. نعم، أنا خطبت ست الحسن و سعادتي اليوم لاتُقدّر..
بكري : وأنا سعادتي أكبر لأن المصادفات السعيدة جمعتني بك.. سأبوح لك بسر يا كركوز الطيب.. حنبوج يحبك، ولكنه يتظاهر بغير ذلك حتى لايشتد طمعك في ثروته.. قال لي.. كركوز أجمل شباب المدينة وأقواهم ولو تقدم إلى خطبة ابنتي الوحيدة لما ترددت لحظة واحدة.
كركوز : يا اللّه! أنت تعرف كل صغيرة وكبيرة عني!
بكري : الأقدار يا بني ساقتك إليّ لأتم ماعزمت عليه قبل أنْ ترحل من أجل المهر. ماأكثر حنانك يا حنبوج! ألف ليرة ذهبية فقط تدفعها مهراً لست الحسن، وهي تساوي مئات الألوف!!
كركوز : بل قلْ كنوز الدنيا ياعمي الشيخ..
بكري : والآن يابني، وقد ارتوى قلبي من السعادة، ساعدني على الوصول إلى بيت حنبوج ومدخله السري! امسك يدي جيداً، أكاد لاأرى طريقي فأنت تعلم أنّ الإنسان مخلوق ضعيف، وها هوذا بصري يضعف يوماً بعد يوم.. سُنّةُ الحياة يا كركوز الطيب! هل البيت بعيدٌ يابني!
كركوز : هاهوذا أمامنا ياعمي الشيخ!!
بكري : إذاً كنا نقف أمام قصر حنبوج وأنا لاأدري! آه ماأكثر حرصك. وماأشدّ أمانتك ياكركوز.!
كركوز : هيّا ياعمي الشيخ سأقودك إلى المدخل السري..
(يدخلان. تُفتح النافذة المرتفعة في الوسط و تظهر ست الحسن مضطربة).
ست الحسن : آه يا كركوز! تُرى ما الذي أخرك عني في هذه الليلة. هكذا تفعل بي يا كركوز. تتركني حائرة لا أعرف شعري من قدمي؟! ربما هو حزين الآن لا يدري ماذا يفعل كعادته. آه.. كم أحبك يا كركوز.! وكم سأفتقدك بعد رحيلك!..
(يعود كركوز مسرعاً).
كركوز : (دون أن ينظر إلى النافذة) سامحيني يا حبيبتي (ست الحسن) فما فعلته الآن قد لايرضيك. ولكنني كما يقولون شاب طيب، أهبل، كلمة تهزّه، وكلمة تقتله. ماذا أفعل إذا كان اللّه خلق لي قلباً لايعرف غير لغة الحب.. الأُذين والبطين فيهما دم الحب. سامحيني ياحبيبتي.. ولكن ماذا يعني الأُذين والبُطين!
ست الحسن : سامحتك ياكركوز الحبيب.
كركوز : (يُفاجأ) سامحيني!! أقسم إنني مافعلت ذلك إلا رغماً عني.. وسترين أنني لم أُسئ لك أو لعمي حنبوج.
ست الحسن : حسبتك قد غيّرت رأيك وأقلعت عن السفر.
كركوز : لابد من الرحيل ياحبيبتي. من أجلك ياست الحسن أجوب الدنيا. أسافر إلى القمر. وأصارع ذلك الثور الذي يحمل الأرض على قرنيه.. أنت تعلمين يا ست الحسن الحبيبة أنّ مافي صدري من حب لك أقوى من مطحنة صديقي عيواظ.
ست الحسن : لم أكن أعتقد أنك تحبني مثل هذا الحب.
كركوز : انظري.. لقد حصلت الآن على ليرتين ذهبيتين.. بقي من الألف تسعمئة و ثمان وتسعون.. ولكني ياحبيبتي خائف.
ست الحسن : مم تخالف ياكركوز؟ لقد أعطاك والدي وعداً، وشهد عليه عمي عيواظ.
كركوز : أخشى أن أعود لأجدك زوجة رجل غيري. وعندها سأقتل نفسي.
ست الحسن : اطمئن ياحبيبي كركوز. سأرفض كل عرض مهما كان مغرياً.
كركوز : عاهديني يا ست الحسن. قولي أحبك ياكركوز كما تحبني. عندها سأطير إلى جزيرة القرود سعيداً بغربتي التي ستعطيني مهر ست الحسن. وعندما أعود، سأحسد نفسي لأنني أتزوج من أجمل جميلات مدينة الأعاجيب.
ست الحسن : وأنا أخشى ياكركوز أنْ تغيّرك الغربة فتجد هناك فتاةً أجمل مني تحبها وتحبك.. عاهدني أنك ستعود.
كركوز : آه ياحبيبة القلب! ليس بين مخلوقات الأرض من يحب مثل حبي لك. ولو طلب مني والدك رأسي مهراً لقدمته دون إبطاء
ست الحسن تضحك) ومانفعك ياكركوز عندما يُقطع رأسك!
كركوز : أناملكٌ لك فافعلي بي ماتشائين. ولتشهد هذه الليلة الباردة أنّ حبي أكثرُ حرارةً من البركان.. ولكنني حزين يا ست الحسن حين أتخيل كم سيطول فراقنا، وأدعو اللّه أن تبقى روحانا متعانقتين إلى الأبد كعناق السماء للبحر عند الأفق.!
ست الحسن : آه ياكركوز! لقد قطّعت بكلماتك الساحرة نياط القلب.. ولكنني خائفة مثلك.
كركوز : قولي سأنتظرك ياكركوز..
ست الحسن : أنت تعلم أنني أشعر بالخجل والضعف أمام والدي..
كركوز : حين أحصل على ألف ليرة ذهبية سأطير على ظهر السحاب. بيني وبين الذهب عداوة.. ولكنني سأحبه لأنني سأخبئه في عبّي. هنا قريباً من القلب. سأصبح التاجر كركوز صهر التاجر حنبوج، وسيكون لنا أولاد. وأهل المدينة يقولون هؤلاء هم أولاد التاجر كركوز..
ست الحسن : آه ياكركوز! ما أجمل أحلامك! ولو كان الأمر بيدي لفضلت أنْ تكون بجانبي على الرحيل من أجل المهر! ها.. اسمع من بعيد أصواتاً..
كركوز : إذاً، الوداع ياحبيبتي. فمع خيوط الصباح يكون المركب قد غادر الميناء ولكنني يا ست الحسن أيتها الحبيبة. سأدع قلبي عندك رهينة..
(يدخل سكران يترنح وهو ينشد ويغني..)
سكران : قفْ.. عندك.. أيها الرجل.. لاتتحرك! أنا سكران. لاتخف.. سأسألك كم الساعة الآن.. (يمسك كركوز) هذا وجه أعرفه.. يشبه وجه أهبل مدينتنا.. كركوز! (يضحك) أنت لاتعرفه.. أمّا أنا فأعرفه..
كركوز : دعني ياسكران.. ابتعد عني.. رائحتك نتنة..
سكران : نسيت أن أضع الطيب على لحيتي.. ولكنّ الحاكم هو السبب.
كركوز : قلت لك دعني.. لاتشدّني هكذا.
سكران : يا اللّه! الوجه وجه كركوز، والصوت صوت كركوز.. فمن أنت؟!
كركوز : أنا كركوز ياسكران.. دعني الآن.
سكران : خذ. اشرب من هذا النبيذ المغشوش.. العشاق يحتاجون إلى الخمر كي تقوى قلوبهم ويمسحوا الخجل عن جباهم، ياكركوز الأهبل!
كركوز : ومادخلي أنا بما تقول؟!
سكران : أنت بحاجة إلى برميل من الخمر كي تنسى حبك لست الحسن..
كركوز : (مضطرباً) وما دخلك أنت.. ثم إنك تبدو ثملاً، ولكنك... تبدو واعياً لما تقول.
سكران : صدقت يا كركوز الأهبل..
كركوز : كفّ عن إهانتي..
سكران : أهبل.. نعم.. وأحمق.. ضحك عليك اللعين حنبوج.. حنبوج من أعوان إبليس.. هذا النبيذ له لسعة الدبّور.. ولكنني أشربه.. لا أجد غيره أمامي..
كركوز : وكيف عرفت قصتي.. أنا..
سكران : قلْ لي ياكركوز الأهبل.. الطريق إلى الميناء من هنا.. أم من هنا؟! سأهاجر إلى بلاد يُوزعون فيها الخمر مجاناً.. لايُعقل أنْ أتسوّل ثمن النبيذ طوال حياتي..
كركوز : أعوذ باللّه منك؟ اتركني بحالي وانصرف عني الآن..
سكران : معك حق.. لاتريدني أن أهاجر معك.. سأنتظر مركباً آخر.. ولكن تعال أعانقك فقد لاتعود.. الدنيا فيها الموت والحياة.. لاتحزن إذا متَّ قبل أنْ تتزوج ست الحسن.. ولكنك ميت منذ الآن.. مثلي.. (يضحك).
كركوز : قلت لك دعني الآن.. أرجوك يا سكران اخفض صوتك.
سكران : سيقبض عليّ الآن الحراس وأنت أيضاً يجب أنْ يقبضوا عليك بتهمة الحماقة.. وسيقول لك القاضي غداً الحماقة مثل السكر ويحكم عليك بالسجن.. أيها الحراس! أيها الأحمق! أنا سكران ألا تقبضون عليّ.. ماذا حدث لكم. هل أنتم سكارى مثلي.. أم أنكم نيام.. أين أنام الليلة إذا لم تقبضوا عليّ!؟
(يخرج سكران وهو يغني).
كركوز : كابوس.. كنت أريد ياست الحسن أنْ يكون وجهك آخر ماتقع عليه عيناي قبل الرحيل.. لقد عكر سكران لحظات الوداع وأفسدها.
ست الحسن : الوداع ياكركوز.. رافقتك السلامة. الوداع.
(تغلق النافذة- يظل كركوز واقفاً جامداً- يدخل عيواظ..)
عيواظ : كركوز! ما الذي تفعله هنا في مثل هذه الساعة. كنت أظنك في البيت تودع أمك؟!
كركوز : صدقني ياعيواظ أنا لا أقدر على وداعها لأنها لم تكف عن النحيب منذ علمت بسفري.
عيواظ : ماأقسى قلوب الأبناء حين يكبرون!
كركوز : أقسم إنني حين أعود سأعوضها عن دموعها ذهباً. أرجوك ياصديقي عيواظ أن ترعاها في غيابي.
عيواظ : وأنا أستحلفك باللّه ألاّ تدع أحزانها تشتد في هذه الليلة السوداء!
كركوز : لاأستطيع. لا أستطيع..
عيواظ : حسناً، وأنا أعاهدك أنْ أعطيها كل أسبوع مبلغاً يساعدها على العيش.
كركوز : وأنا مدين لك بحياتي أيها الصديق المخلص.
عيواظ : إذاً ماعليك إلاّ أنْ تتوجه الآن إلى الميناء قبل أنْ يبحر المركب. ولاتنسَ أنْ تُخبرني عن مكانك في جزيرة القرود.
كركوز : إلى اللقاء ياصديقي عيواظ.
عيواظ : (يعانقه) يجب أنْ تعود سريعاً ياكركوز فكلنا في انتظارك.
(يفترقان. يخرج عيواظ. ثم يدخل الحكيم (أبو فانوس) فيلتقي بكركوز عند الطرف الأيمن من الطريق..).
كركوز : مرحباً بشيخي الحكيم (أبو فانوس).. لكم تمنيت أنْ ألقاك قبل الرحيل.
أبو فانوس : هذا أنت ياكركوز المسكين. بحثت عنك في كل مكان، وعرفت أنني سأجدك هنا. فقصر حنبوج أصبح عسلاً مسموماً يجتذب إليه الفراشات.
كركوز : كنت سأحزن كثيراً لو أنني رحلت دون وداعك!
أبو فانوس : وسيكون حزني أكبر لو أنك رحلت.
كركوز : ولكنني عزمت ياشيخي الحكيم!
أبو فانوس : تترك بلدك وأمك الوحيدة من أجل ألف ليرة ذهبية!؟
كركوز : ليس في المدينة كلها من يقرضني هذا المبلغ.
أبو فانوس : وليس أقسى من ذلك إلا غربةً دون أصدقاء.
كركوز : وهذا الحب الذي يسري في عروقي؟!
أبو فانوس : وهم كبير. أيُّ حب هذا الذي يُشرّدك في الأرض؟! أيُّ حب يجعلك تهجر أمك وأهلك؟ لم يعد الحب في هذه الأيام سوى وهم يتعلق به الأغبياء أمثالك. وسيأتي رجل فاسق يحمل الليرات الذهبية ويختطف منك ست الحسن قبل أن تعود.
كركوز : ولكنك ياشيخي لو ملكت العينين اللتين أرى بهما ست الحسن لعذرتني.
أبو فانوس : أتعيّرني ياولد لأنني لا أبصر؟! أعلم ياكركوز أن عمى البصيرة هو المصيبة. و إياك أن تعتقد أن البصر وحده هو الذي يريك الحقيقة.
كركوز : هل تريد مني ياشيخ أن أتراجع في اللحظة الأخيرة؟
أبو فانوس : من نعم اللّه عليّ أنني لا أبصر. ولكني أحسّ وأعرف وأدرك ماسيقع. أعرف حقيقة حنبوج ومايريد أن يفعل بك.
كركوز : ولكن عمي حنبوج عاهدني أمام عيواظ على أن ينتظر عودتي!
أبو فانوس : حنبوج رجل منافق. ولن تنفعك ليراتك حين تعود. ستخسر كثيراً. ستخسر نفسك قبل كل شيء. لن تجد طريقاً للسعادة بعدها.
كركوز : سامحني ياشيخي الحكيم. لقد عزمت على الرحيل، ولن يثنيني عن عزمي إلا الموت.
أبو فانوس : لو كنت أملك من القوة مايمكنني من منعك من الرحيل لفعلت ذلك. وأنا أحس بالطمأنينة لأنني أنقذ شاباً طيباً من مصيدة المال. ولكن الحب جعلك ذليلاً ضعيف الإرادة.
كركوز : لذة الحب ياشيخي الحكيم أن نشعر بالضعف.
أبو فانوس : هيا انصرف عني دون كلمة. فلن أحتمل سماع كلمة أخرى من أحمق باع نفسه للهلاك. هيا انصرف قبل أن أحطم هذا الفانوس على رأسك. هيا أيها الطائش. فلن تجني من بحثك عن المال غير الألم والشقاء!
(يتوجه كركوز مسرعاً إلى الطرف الأيسر من الطريق. ثم يختفي..)
أبو فانوس : (وحده) رافقتك السلامة ياكركوز الطيب.. ستنتهي حياتك مع أول قرش تكتنزه.. مسكين لقد أوقعك حنبوج في شباكه..
(يختفي أبو فانوس...)
بكري : وقد سمعت أنّ شاباً وسيماً طيباً خطبها.. قلت في نفسي لن يكون هذا الشاب غير كركوز الذي امتدحه حنبوج أمامي. شاب طيب لشابة طيبة!
كركوز : إذاً، أنت تعرف كل شيء ياعمي الشيخ. نعم، أنا خطبت ست الحسن و سعادتي اليوم لاتُقدّر..
بكري : وأنا سعادتي أكبر لأن المصادفات السعيدة جمعتني بك.. سأبوح لك بسر يا كركوز الطيب.. حنبوج يحبك، ولكنه يتظاهر بغير ذلك حتى لايشتد طمعك في ثروته.. قال لي.. كركوز أجمل شباب المدينة وأقواهم ولو تقدم إلى خطبة ابنتي الوحيدة لما ترددت لحظة واحدة.
كركوز : يا اللّه! أنت تعرف كل صغيرة وكبيرة عني!
بكري : الأقدار يا بني ساقتك إليّ لأتم ماعزمت عليه قبل أنْ ترحل من أجل المهر. ماأكثر حنانك يا حنبوج! ألف ليرة ذهبية فقط تدفعها مهراً لست الحسن، وهي تساوي مئات الألوف!!
كركوز : بل قلْ كنوز الدنيا ياعمي الشيخ..
بكري : والآن يابني، وقد ارتوى قلبي من السعادة، ساعدني على الوصول إلى بيت حنبوج ومدخله السري! امسك يدي جيداً، أكاد لاأرى طريقي فأنت تعلم أنّ الإنسان مخلوق ضعيف، وها هوذا بصري يضعف يوماً بعد يوم.. سُنّةُ الحياة يا كركوز الطيب! هل البيت بعيدٌ يابني!
كركوز : هاهوذا أمامنا ياعمي الشيخ!!
بكري : إذاً كنا نقف أمام قصر حنبوج وأنا لاأدري! آه ماأكثر حرصك. وماأشدّ أمانتك ياكركوز.!
كركوز : هيّا ياعمي الشيخ سأقودك إلى المدخل السري..
(يدخلان. تُفتح النافذة المرتفعة في الوسط و تظهر ست الحسن مضطربة).
ست الحسن : آه يا كركوز! تُرى ما الذي أخرك عني في هذه الليلة. هكذا تفعل بي يا كركوز. تتركني حائرة لا أعرف شعري من قدمي؟! ربما هو حزين الآن لا يدري ماذا يفعل كعادته. آه.. كم أحبك يا كركوز.! وكم سأفتقدك بعد رحيلك!..
(يعود كركوز مسرعاً).
كركوز : (دون أن ينظر إلى النافذة) سامحيني يا حبيبتي (ست الحسن) فما فعلته الآن قد لايرضيك. ولكنني كما يقولون شاب طيب، أهبل، كلمة تهزّه، وكلمة تقتله. ماذا أفعل إذا كان اللّه خلق لي قلباً لايعرف غير لغة الحب.. الأُذين والبطين فيهما دم الحب. سامحيني ياحبيبتي.. ولكن ماذا يعني الأُذين والبُطين!
ست الحسن : سامحتك ياكركوز الحبيب.
كركوز : (يُفاجأ) سامحيني!! أقسم إنني مافعلت ذلك إلا رغماً عني.. وسترين أنني لم أُسئ لك أو لعمي حنبوج.
ست الحسن : حسبتك قد غيّرت رأيك وأقلعت عن السفر.
كركوز : لابد من الرحيل ياحبيبتي. من أجلك ياست الحسن أجوب الدنيا. أسافر إلى القمر. وأصارع ذلك الثور الذي يحمل الأرض على قرنيه.. أنت تعلمين يا ست الحسن الحبيبة أنّ مافي صدري من حب لك أقوى من مطحنة صديقي عيواظ.
ست الحسن : لم أكن أعتقد أنك تحبني مثل هذا الحب.
كركوز : انظري.. لقد حصلت الآن على ليرتين ذهبيتين.. بقي من الألف تسعمئة و ثمان وتسعون.. ولكني ياحبيبتي خائف.
ست الحسن : مم تخالف ياكركوز؟ لقد أعطاك والدي وعداً، وشهد عليه عمي عيواظ.
كركوز : أخشى أن أعود لأجدك زوجة رجل غيري. وعندها سأقتل نفسي.
ست الحسن : اطمئن ياحبيبي كركوز. سأرفض كل عرض مهما كان مغرياً.
كركوز : عاهديني يا ست الحسن. قولي أحبك ياكركوز كما تحبني. عندها سأطير إلى جزيرة القرود سعيداً بغربتي التي ستعطيني مهر ست الحسن. وعندما أعود، سأحسد نفسي لأنني أتزوج من أجمل جميلات مدينة الأعاجيب.
ست الحسن : وأنا أخشى ياكركوز أنْ تغيّرك الغربة فتجد هناك فتاةً أجمل مني تحبها وتحبك.. عاهدني أنك ستعود.
كركوز : آه ياحبيبة القلب! ليس بين مخلوقات الأرض من يحب مثل حبي لك. ولو طلب مني والدك رأسي مهراً لقدمته دون إبطاء
ست الحسن تضحك) ومانفعك ياكركوز عندما يُقطع رأسك!
كركوز : أناملكٌ لك فافعلي بي ماتشائين. ولتشهد هذه الليلة الباردة أنّ حبي أكثرُ حرارةً من البركان.. ولكنني حزين يا ست الحسن حين أتخيل كم سيطول فراقنا، وأدعو اللّه أن تبقى روحانا متعانقتين إلى الأبد كعناق السماء للبحر عند الأفق.!
ست الحسن : آه ياكركوز! لقد قطّعت بكلماتك الساحرة نياط القلب.. ولكنني خائفة مثلك.
كركوز : قولي سأنتظرك ياكركوز..
ست الحسن : أنت تعلم أنني أشعر بالخجل والضعف أمام والدي..
كركوز : حين أحصل على ألف ليرة ذهبية سأطير على ظهر السحاب. بيني وبين الذهب عداوة.. ولكنني سأحبه لأنني سأخبئه في عبّي. هنا قريباً من القلب. سأصبح التاجر كركوز صهر التاجر حنبوج، وسيكون لنا أولاد. وأهل المدينة يقولون هؤلاء هم أولاد التاجر كركوز..
ست الحسن : آه ياكركوز! ما أجمل أحلامك! ولو كان الأمر بيدي لفضلت أنْ تكون بجانبي على الرحيل من أجل المهر! ها.. اسمع من بعيد أصواتاً..
كركوز : إذاً، الوداع ياحبيبتي. فمع خيوط الصباح يكون المركب قد غادر الميناء ولكنني يا ست الحسن أيتها الحبيبة. سأدع قلبي عندك رهينة..
(يدخل سكران يترنح وهو ينشد ويغني..)
سكران : قفْ.. عندك.. أيها الرجل.. لاتتحرك! أنا سكران. لاتخف.. سأسألك كم الساعة الآن.. (يمسك كركوز) هذا وجه أعرفه.. يشبه وجه أهبل مدينتنا.. كركوز! (يضحك) أنت لاتعرفه.. أمّا أنا فأعرفه..
كركوز : دعني ياسكران.. ابتعد عني.. رائحتك نتنة..
سكران : نسيت أن أضع الطيب على لحيتي.. ولكنّ الحاكم هو السبب.
كركوز : قلت لك دعني.. لاتشدّني هكذا.
سكران : يا اللّه! الوجه وجه كركوز، والصوت صوت كركوز.. فمن أنت؟!
كركوز : أنا كركوز ياسكران.. دعني الآن.
سكران : خذ. اشرب من هذا النبيذ المغشوش.. العشاق يحتاجون إلى الخمر كي تقوى قلوبهم ويمسحوا الخجل عن جباهم، ياكركوز الأهبل!
كركوز : ومادخلي أنا بما تقول؟!
سكران : أنت بحاجة إلى برميل من الخمر كي تنسى حبك لست الحسن..
كركوز : (مضطرباً) وما دخلك أنت.. ثم إنك تبدو ثملاً، ولكنك... تبدو واعياً لما تقول.
سكران : صدقت يا كركوز الأهبل..
كركوز : كفّ عن إهانتي..
سكران : أهبل.. نعم.. وأحمق.. ضحك عليك اللعين حنبوج.. حنبوج من أعوان إبليس.. هذا النبيذ له لسعة الدبّور.. ولكنني أشربه.. لا أجد غيره أمامي..
كركوز : وكيف عرفت قصتي.. أنا..
سكران : قلْ لي ياكركوز الأهبل.. الطريق إلى الميناء من هنا.. أم من هنا؟! سأهاجر إلى بلاد يُوزعون فيها الخمر مجاناً.. لايُعقل أنْ أتسوّل ثمن النبيذ طوال حياتي..
كركوز : أعوذ باللّه منك؟ اتركني بحالي وانصرف عني الآن..
سكران : معك حق.. لاتريدني أن أهاجر معك.. سأنتظر مركباً آخر.. ولكن تعال أعانقك فقد لاتعود.. الدنيا فيها الموت والحياة.. لاتحزن إذا متَّ قبل أنْ تتزوج ست الحسن.. ولكنك ميت منذ الآن.. مثلي.. (يضحك).
كركوز : قلت لك دعني الآن.. أرجوك يا سكران اخفض صوتك.
سكران : سيقبض عليّ الآن الحراس وأنت أيضاً يجب أنْ يقبضوا عليك بتهمة الحماقة.. وسيقول لك القاضي غداً الحماقة مثل السكر ويحكم عليك بالسجن.. أيها الحراس! أيها الأحمق! أنا سكران ألا تقبضون عليّ.. ماذا حدث لكم. هل أنتم سكارى مثلي.. أم أنكم نيام.. أين أنام الليلة إذا لم تقبضوا عليّ!؟
(يخرج سكران وهو يغني).
كركوز : كابوس.. كنت أريد ياست الحسن أنْ يكون وجهك آخر ماتقع عليه عيناي قبل الرحيل.. لقد عكر سكران لحظات الوداع وأفسدها.
ست الحسن : الوداع ياكركوز.. رافقتك السلامة. الوداع.
(تغلق النافذة- يظل كركوز واقفاً جامداً- يدخل عيواظ..)
عيواظ : كركوز! ما الذي تفعله هنا في مثل هذه الساعة. كنت أظنك في البيت تودع أمك؟!
كركوز : صدقني ياعيواظ أنا لا أقدر على وداعها لأنها لم تكف عن النحيب منذ علمت بسفري.
عيواظ : ماأقسى قلوب الأبناء حين يكبرون!
كركوز : أقسم إنني حين أعود سأعوضها عن دموعها ذهباً. أرجوك ياصديقي عيواظ أن ترعاها في غيابي.
عيواظ : وأنا أستحلفك باللّه ألاّ تدع أحزانها تشتد في هذه الليلة السوداء!
كركوز : لاأستطيع. لا أستطيع..
عيواظ : حسناً، وأنا أعاهدك أنْ أعطيها كل أسبوع مبلغاً يساعدها على العيش.
كركوز : وأنا مدين لك بحياتي أيها الصديق المخلص.
عيواظ : إذاً ماعليك إلاّ أنْ تتوجه الآن إلى الميناء قبل أنْ يبحر المركب. ولاتنسَ أنْ تُخبرني عن مكانك في جزيرة القرود.
كركوز : إلى اللقاء ياصديقي عيواظ.
عيواظ : (يعانقه) يجب أنْ تعود سريعاً ياكركوز فكلنا في انتظارك.
(يفترقان. يخرج عيواظ. ثم يدخل الحكيم (أبو فانوس) فيلتقي بكركوز عند الطرف الأيمن من الطريق..).
كركوز : مرحباً بشيخي الحكيم (أبو فانوس).. لكم تمنيت أنْ ألقاك قبل الرحيل.
أبو فانوس : هذا أنت ياكركوز المسكين. بحثت عنك في كل مكان، وعرفت أنني سأجدك هنا. فقصر حنبوج أصبح عسلاً مسموماً يجتذب إليه الفراشات.
كركوز : كنت سأحزن كثيراً لو أنني رحلت دون وداعك!
أبو فانوس : وسيكون حزني أكبر لو أنك رحلت.
كركوز : ولكنني عزمت ياشيخي الحكيم!
أبو فانوس : تترك بلدك وأمك الوحيدة من أجل ألف ليرة ذهبية!؟
كركوز : ليس في المدينة كلها من يقرضني هذا المبلغ.
أبو فانوس : وليس أقسى من ذلك إلا غربةً دون أصدقاء.
كركوز : وهذا الحب الذي يسري في عروقي؟!
أبو فانوس : وهم كبير. أيُّ حب هذا الذي يُشرّدك في الأرض؟! أيُّ حب يجعلك تهجر أمك وأهلك؟ لم يعد الحب في هذه الأيام سوى وهم يتعلق به الأغبياء أمثالك. وسيأتي رجل فاسق يحمل الليرات الذهبية ويختطف منك ست الحسن قبل أن تعود.
كركوز : ولكنك ياشيخي لو ملكت العينين اللتين أرى بهما ست الحسن لعذرتني.
أبو فانوس : أتعيّرني ياولد لأنني لا أبصر؟! أعلم ياكركوز أن عمى البصيرة هو المصيبة. و إياك أن تعتقد أن البصر وحده هو الذي يريك الحقيقة.
كركوز : هل تريد مني ياشيخ أن أتراجع في اللحظة الأخيرة؟
أبو فانوس : من نعم اللّه عليّ أنني لا أبصر. ولكني أحسّ وأعرف وأدرك ماسيقع. أعرف حقيقة حنبوج ومايريد أن يفعل بك.
كركوز : ولكن عمي حنبوج عاهدني أمام عيواظ على أن ينتظر عودتي!
أبو فانوس : حنبوج رجل منافق. ولن تنفعك ليراتك حين تعود. ستخسر كثيراً. ستخسر نفسك قبل كل شيء. لن تجد طريقاً للسعادة بعدها.
كركوز : سامحني ياشيخي الحكيم. لقد عزمت على الرحيل، ولن يثنيني عن عزمي إلا الموت.
أبو فانوس : لو كنت أملك من القوة مايمكنني من منعك من الرحيل لفعلت ذلك. وأنا أحس بالطمأنينة لأنني أنقذ شاباً طيباً من مصيدة المال. ولكن الحب جعلك ذليلاً ضعيف الإرادة.
كركوز : لذة الحب ياشيخي الحكيم أن نشعر بالضعف.
أبو فانوس : هيا انصرف عني دون كلمة. فلن أحتمل سماع كلمة أخرى من أحمق باع نفسه للهلاك. هيا انصرف قبل أن أحطم هذا الفانوس على رأسك. هيا أيها الطائش. فلن تجني من بحثك عن المال غير الألم والشقاء!
(يتوجه كركوز مسرعاً إلى الطرف الأيسر من الطريق. ثم يختفي..)
أبو فانوس : (وحده) رافقتك السلامة ياكركوز الطيب.. ستنتهي حياتك مع أول قرش تكتنزه.. مسكين لقد أوقعك حنبوج في شباكه..
(يختفي أبو فانوس...)
الفصل الثالث
المشــــــهد الثالث
( الطريق ذاته -يعود حنبوج ومعه تابعه مصرّم..)
حنبوج : اسمع يا مصرّم، عليك أنْ تختبئ في مكان لايراك فيه أحد، وإذا حضر كركوز للقاء ست الحسن. أخبرني حالاً.. افتح عينيك وأذنيك.. إياك أنْ تنام.
مصرّم : سأحسبُ أنفاس الطيور الغافية ودقات قلوبها. لن أدع أحداً يقترب من القصر.
حنبوج : يجب أنْ أمنع لقاء كركوز بابتني. فمن عادته أنْ يحضر في مثل هذه الساعة ليحشو رأس ابنتي بكلماته المعسولة.. والآن، هيا اختبئ..
(يدخل حنبوج إلى قصره، ويختبئ مصرّم قريباً من الباب..)
مصرّم : واللّه سأكون سعيداً لو أنّ كركوز ودع ست الحسن. أي قلب أسود تحمله يا حنبوج؟! وأيّ قلب أبيض تحمله ياكركوز! ولكنني متأكد من أنّ كركوز ودع محبوبته وانتهى الأمر..
(يخرج بكري متخفّياً من باب القصر، وهو يحمل صندوقاً بين يديه، ثم يقطع الطريق مسرعاً).
مصرّم : منْ هذا الشبح الذي مرّ كالسهم القاتل من أمامي؟! أيعقلُ أنْ يكون كركوز قد تخفّى في ثياب رجل عجوز؟ آه.. لا. فكركوز لايعرف مثل هذه الألاعيب.. آه.. ما أكثر أسرار الليل!..
(تفتح ست الحسن النافذة مضطربة ثم تغلقها)
وهاهي ذي ست الحسن تستعد للقاء حبيبها كركوز. ولكنها تبدو مضطربة. لماذا تفتح النافذة وتغلقها. لابد أنّ في الأمر شيئاً. حسناً.. وأنا لم أر شيئاً..
(صوت حنبوج من الداخل: النجدة. النجدة امسكوا اللص.. سرق خزانتي.. سرق صندوقي يا ويلي..)
مصرّم : يا إلهي! أيةُ ليلة هذه! هذا صوت سيدي حنبوج! أحدهم سرق صندوقه. هل يعقل أنْ يكون كركوز هو السارق. لا. لابد أنه ذاك الرجل المتخفيّ الذي طار أمام عيني.. نعم هو السارق.. لكنني.. لم أرَ أحداً. نعم لم أرَ أحداً. هذا أفضل!.
حنبوج : (يفتح النافذة) أيها الناس. يامصرّم. النجدة. سرقوا الصندوق من داخل الخزانة. سرقوا ذهبي.. ياويلي. ياويلي!
مصرّم : أيها الحراس.. أيها الحراس.. ياحراس الليل! هلموا..
حنبوج : سرقوا ذهبي.. أنت يامصرّم.. افعل شيئاً. طار الصندوق من خزانتي الحديدية وأنت واقف تتفرج!
مصرّم : أنا أًصرخ ياسيدي مثلك.. أيها الحراس.. أيها الحراس!
(يدخل إلى المسرح الحراس وبعض الرجال. ثم يظهر حنبوج لدى الباب)
مصرّم : من هنا هرب اللص..
الحارس : ماذا يرتدي؟
مصرّم : ثياب رجل عجوز، وله لحية بيضاء..
الحارس : وماذا يحمل بيديه..
مصرّم : صندوقاً صغيراً فيه ذهب سيدي حنبوج.
حنبوج : ولماذا لم تمسك به أيها المغفّل.. أنت لصّ مثله.
الحارس : وفي أي اتجاه ذهب؟.
مصرّم : (حائراً) من هنا.. أو من هنا.. لا أدري. فالظلام شديد.
حنبوج : سرقوا مالي وأنتم تتفرجون.
الحارس : سنلحق به..
(يخرج حارسان كلٌ منهما في اتجاه).
حنبوج : لا أدري كيف عرف السارق الطريق إلى الغرفة.
مصرّم : ولكنك ياسيدي تملك وحدك مفاتيحها.
حنبوج : هناك ممر سري لايعرفه غيري، وابنتي ست الحسن، ابنتي لا يُعقل أنْ تفشي هذا السر، لايمكن أنْ تخون والدها، أنت يامصرّم.. أيها اللعين.. ألم تكن تعلم بالممر السريّ!
مصرّم : أقسم ياسيدي إنني لم أسمع به إلا الآن! ثم إنني كنت معك في الميناء.. وحضرت معك إلى هنا. وجلست هنا أنتظر قدوم كركوز..
حنبوج : لعين.. ومراوغ.. لابد أنك تعرف اللص.
مصرّم : تذكرت ياسيدي حنبوج شيئاً. كركوز ياسيدي كان يعلم بالممر السريّ. نعم هذا مؤكد.
حنبوج : ولكنك أقسمت إنك لم تسمع به قبل الآن. أنت اللص!
مصرّم : اعذرني ياسيدي، وسامحيني ياست الحسن. فقد كان كركوز يدخل منه للقاء ست الحسن في غيابك أوسفرك!.
حنبوج : كركوز يعرف الممر السري!! كركوز يدخل بيتي في غيابي يا للفضيحة! كركوز هو اللص. لابد أنْ يكون قد خطط لهذه الجريمة. كركوز الأهبل يضحك علينا جميعاً! أنا المغفل أنا..
مصرّم : (وحده) سامحني ياصديقي كركوز.. سامحني على زلة اللسان!
(يدخل إلى المسرح بكري في هيئته وثيابه)
بكري : سمعت أصواتاً، ولغطاً. ماذا حدث يا أخي حنبوج؟ لم هذه الضجة في هذا الفجر؟!
حنبوج : سرقني الكلب، سرق صندوقي.. ويلٌ له..
(يدخل إلى المسرح عيواظ مسرعاً)
عيواظ : أصحيح ماسمعته يا أخي حنبوج!
حنبوج : نعم. سرق صندوقي.. كركوز الأهبل. اللعين. سرق صندوقي! هل تصدّق يا عيواظ؟!
عيواظ : اهدأ ياحنبوج ولاتتسرع. كركوز لن يُقدم على فعل هذا. أنا أقرب الناس إليه. واللّه لو رأيته بعيني لكذّبتها. كركوز رجل شريف أمين ومخلص.
بكري : وما علاقة كركوز بالسرقة يا أخي حنبوج؟
حنبوج : هو وحده يعرف الممر السري في القصر. ابنتي اللعينة فضحت السر.. وهو استغلّ طيبتها، استغل طيبتنا جميعاً وسرق الصندوق.
بكري : عجيب ما أسمعه منك!
عيواظ : دعه وشأنه يابكري ولاتزدْ الطين بلّة!
بكري : (لحنبوج) هل صندوقك أحمر يا أخي حنبوج؟!
حنبوج : نعم.. أحمر.. صندوقي أحمر ياناس!
بكري : وغطاؤه مزين بالفضة؟!
حنبوج : نعم. صحيح. وغطاؤه مزين بالفضة!
بكري : وقفله بمفتاحين؟
حنبوج : نعم. صحيح. وقفله بمفتاحين! انتظر كيف عرفت ذلك؟ متى رأيت صندوقي أخبرني.
بكري : ماذا أقول لك يا أخي حنبوج؟.. شيء لايصدق! لا.. لا.. هذا مستحيل. كركوز يفعل ذلك!.
عيواظ : ابتعد عن ألاعيبك يابكري. فكركوز الآن على ظهر مركبه في طريقه البعيد إلى جزيرة القرود.
حنبوج : قل يابكري ماذا رأيت؟!
بكري : كنت عند الشاطئ أشم هواء الليل النقي، رغم برودته. ورأيت كركوز في الظلام مسرعاً يحمل الصندوق. استوقفته، سألته عنه.. فقال لي ضاحكاً هذا مهر ست الحسن. سأعود بعد أيام قليلة لأدفع لحنبوج مهر ابنته من ماله.. ثم صعد المركب المبحر.
عيواظ : أنت تكذب يابكري.. تكذب.. لاتصدقه يا أخي حنبوج.
حنبوج : أرأيت ياعيواظ صديقك الطيب الشهم ماذا فعل بي؟!
عيواظ : بكري يكذب ياحنبوج.. كلنا نعرف أخلاق بكري وسلوكه.
بكري : عيب ياعيواظ. هذا عيب. أنا أشهد بما رأيت، وإذا كانت شهادة الحق تؤلمك لأنّ كركوز صديقك قد سرق صديقك حنبوج فأنا لايهمني من الأمر سوى أن أرضي ضميري وأقول الحقيقة أمام الناس.
عيواظ : ومتى كنت تحمل ضميراً حياً يابكري؟! متى صدقت؟! ومتى حصلت على مال حلال؟ ولم لا تكون أنت السارق. طالما أنك دقّقت في الصندوق وعرفت لونه وزخرفته والليل مظلم وكركوز مسرع! كيف عرفت أنّ الصندوق بمفتاحين. هيا قل..
بكري : هيا الحقوا بكركوز قبل أن تتهم الشرفاء!
حنبوج : واللّه لألحقن به إلى آخر الدنيا. ولن تنال ياكركوز الكلب ظفراً من ست الحسن..
عيواظ : اهدأ يا أخي حنبوج.
مصرّم : هيا نلحق بالمركب قبل الإقلاع.. أو نلحق به على مركب آخر.
عيواظ : اعقلوا يارجال. لقد غادر المركب الميناء منذ ساعة. وهو الآن في عرض البحر. والظلام شديد.. ولن يستطيع أحد أن يلحق به.
حنبوج : ومالي ياعيواظ؟ وصندوقي؟!
عيواظ : أنا على يقين من أنّ السارق لايزال في المدينة..
حنبوج : ياويلي.. وياويلي... ضاع ذهبي.. ضاع مالي.
(يبكي بينما الستار ينسدل)
( الطريق ذاته -يعود حنبوج ومعه تابعه مصرّم..)
حنبوج : اسمع يا مصرّم، عليك أنْ تختبئ في مكان لايراك فيه أحد، وإذا حضر كركوز للقاء ست الحسن. أخبرني حالاً.. افتح عينيك وأذنيك.. إياك أنْ تنام.
مصرّم : سأحسبُ أنفاس الطيور الغافية ودقات قلوبها. لن أدع أحداً يقترب من القصر.
حنبوج : يجب أنْ أمنع لقاء كركوز بابتني. فمن عادته أنْ يحضر في مثل هذه الساعة ليحشو رأس ابنتي بكلماته المعسولة.. والآن، هيا اختبئ..
(يدخل حنبوج إلى قصره، ويختبئ مصرّم قريباً من الباب..)
مصرّم : واللّه سأكون سعيداً لو أنّ كركوز ودع ست الحسن. أي قلب أسود تحمله يا حنبوج؟! وأيّ قلب أبيض تحمله ياكركوز! ولكنني متأكد من أنّ كركوز ودع محبوبته وانتهى الأمر..
(يخرج بكري متخفّياً من باب القصر، وهو يحمل صندوقاً بين يديه، ثم يقطع الطريق مسرعاً).
مصرّم : منْ هذا الشبح الذي مرّ كالسهم القاتل من أمامي؟! أيعقلُ أنْ يكون كركوز قد تخفّى في ثياب رجل عجوز؟ آه.. لا. فكركوز لايعرف مثل هذه الألاعيب.. آه.. ما أكثر أسرار الليل!..
(تفتح ست الحسن النافذة مضطربة ثم تغلقها)
وهاهي ذي ست الحسن تستعد للقاء حبيبها كركوز. ولكنها تبدو مضطربة. لماذا تفتح النافذة وتغلقها. لابد أنّ في الأمر شيئاً. حسناً.. وأنا لم أر شيئاً..
(صوت حنبوج من الداخل: النجدة. النجدة امسكوا اللص.. سرق خزانتي.. سرق صندوقي يا ويلي..)
مصرّم : يا إلهي! أيةُ ليلة هذه! هذا صوت سيدي حنبوج! أحدهم سرق صندوقه. هل يعقل أنْ يكون كركوز هو السارق. لا. لابد أنه ذاك الرجل المتخفيّ الذي طار أمام عيني.. نعم هو السارق.. لكنني.. لم أرَ أحداً. نعم لم أرَ أحداً. هذا أفضل!.
حنبوج : (يفتح النافذة) أيها الناس. يامصرّم. النجدة. سرقوا الصندوق من داخل الخزانة. سرقوا ذهبي.. ياويلي. ياويلي!
مصرّم : أيها الحراس.. أيها الحراس.. ياحراس الليل! هلموا..
حنبوج : سرقوا ذهبي.. أنت يامصرّم.. افعل شيئاً. طار الصندوق من خزانتي الحديدية وأنت واقف تتفرج!
مصرّم : أنا أًصرخ ياسيدي مثلك.. أيها الحراس.. أيها الحراس!
(يدخل إلى المسرح الحراس وبعض الرجال. ثم يظهر حنبوج لدى الباب)
مصرّم : من هنا هرب اللص..
الحارس : ماذا يرتدي؟
مصرّم : ثياب رجل عجوز، وله لحية بيضاء..
الحارس : وماذا يحمل بيديه..
مصرّم : صندوقاً صغيراً فيه ذهب سيدي حنبوج.
حنبوج : ولماذا لم تمسك به أيها المغفّل.. أنت لصّ مثله.
الحارس : وفي أي اتجاه ذهب؟.
مصرّم : (حائراً) من هنا.. أو من هنا.. لا أدري. فالظلام شديد.
حنبوج : سرقوا مالي وأنتم تتفرجون.
الحارس : سنلحق به..
(يخرج حارسان كلٌ منهما في اتجاه).
حنبوج : لا أدري كيف عرف السارق الطريق إلى الغرفة.
مصرّم : ولكنك ياسيدي تملك وحدك مفاتيحها.
حنبوج : هناك ممر سري لايعرفه غيري، وابنتي ست الحسن، ابنتي لا يُعقل أنْ تفشي هذا السر، لايمكن أنْ تخون والدها، أنت يامصرّم.. أيها اللعين.. ألم تكن تعلم بالممر السريّ!
مصرّم : أقسم ياسيدي إنني لم أسمع به إلا الآن! ثم إنني كنت معك في الميناء.. وحضرت معك إلى هنا. وجلست هنا أنتظر قدوم كركوز..
حنبوج : لعين.. ومراوغ.. لابد أنك تعرف اللص.
مصرّم : تذكرت ياسيدي حنبوج شيئاً. كركوز ياسيدي كان يعلم بالممر السريّ. نعم هذا مؤكد.
حنبوج : ولكنك أقسمت إنك لم تسمع به قبل الآن. أنت اللص!
مصرّم : اعذرني ياسيدي، وسامحيني ياست الحسن. فقد كان كركوز يدخل منه للقاء ست الحسن في غيابك أوسفرك!.
حنبوج : كركوز يعرف الممر السري!! كركوز يدخل بيتي في غيابي يا للفضيحة! كركوز هو اللص. لابد أنْ يكون قد خطط لهذه الجريمة. كركوز الأهبل يضحك علينا جميعاً! أنا المغفل أنا..
مصرّم : (وحده) سامحني ياصديقي كركوز.. سامحني على زلة اللسان!
(يدخل إلى المسرح بكري في هيئته وثيابه)
بكري : سمعت أصواتاً، ولغطاً. ماذا حدث يا أخي حنبوج؟ لم هذه الضجة في هذا الفجر؟!
حنبوج : سرقني الكلب، سرق صندوقي.. ويلٌ له..
(يدخل إلى المسرح عيواظ مسرعاً)
عيواظ : أصحيح ماسمعته يا أخي حنبوج!
حنبوج : نعم. سرق صندوقي.. كركوز الأهبل. اللعين. سرق صندوقي! هل تصدّق يا عيواظ؟!
عيواظ : اهدأ ياحنبوج ولاتتسرع. كركوز لن يُقدم على فعل هذا. أنا أقرب الناس إليه. واللّه لو رأيته بعيني لكذّبتها. كركوز رجل شريف أمين ومخلص.
بكري : وما علاقة كركوز بالسرقة يا أخي حنبوج؟
حنبوج : هو وحده يعرف الممر السري في القصر. ابنتي اللعينة فضحت السر.. وهو استغلّ طيبتها، استغل طيبتنا جميعاً وسرق الصندوق.
بكري : عجيب ما أسمعه منك!
عيواظ : دعه وشأنه يابكري ولاتزدْ الطين بلّة!
بكري : (لحنبوج) هل صندوقك أحمر يا أخي حنبوج؟!
حنبوج : نعم.. أحمر.. صندوقي أحمر ياناس!
بكري : وغطاؤه مزين بالفضة؟!
حنبوج : نعم. صحيح. وغطاؤه مزين بالفضة!
بكري : وقفله بمفتاحين؟
حنبوج : نعم. صحيح. وقفله بمفتاحين! انتظر كيف عرفت ذلك؟ متى رأيت صندوقي أخبرني.
بكري : ماذا أقول لك يا أخي حنبوج؟.. شيء لايصدق! لا.. لا.. هذا مستحيل. كركوز يفعل ذلك!.
عيواظ : ابتعد عن ألاعيبك يابكري. فكركوز الآن على ظهر مركبه في طريقه البعيد إلى جزيرة القرود.
حنبوج : قل يابكري ماذا رأيت؟!
بكري : كنت عند الشاطئ أشم هواء الليل النقي، رغم برودته. ورأيت كركوز في الظلام مسرعاً يحمل الصندوق. استوقفته، سألته عنه.. فقال لي ضاحكاً هذا مهر ست الحسن. سأعود بعد أيام قليلة لأدفع لحنبوج مهر ابنته من ماله.. ثم صعد المركب المبحر.
عيواظ : أنت تكذب يابكري.. تكذب.. لاتصدقه يا أخي حنبوج.
حنبوج : أرأيت ياعيواظ صديقك الطيب الشهم ماذا فعل بي؟!
عيواظ : بكري يكذب ياحنبوج.. كلنا نعرف أخلاق بكري وسلوكه.
بكري : عيب ياعيواظ. هذا عيب. أنا أشهد بما رأيت، وإذا كانت شهادة الحق تؤلمك لأنّ كركوز صديقك قد سرق صديقك حنبوج فأنا لايهمني من الأمر سوى أن أرضي ضميري وأقول الحقيقة أمام الناس.
عيواظ : ومتى كنت تحمل ضميراً حياً يابكري؟! متى صدقت؟! ومتى حصلت على مال حلال؟ ولم لا تكون أنت السارق. طالما أنك دقّقت في الصندوق وعرفت لونه وزخرفته والليل مظلم وكركوز مسرع! كيف عرفت أنّ الصندوق بمفتاحين. هيا قل..
بكري : هيا الحقوا بكركوز قبل أن تتهم الشرفاء!
حنبوج : واللّه لألحقن به إلى آخر الدنيا. ولن تنال ياكركوز الكلب ظفراً من ست الحسن..
عيواظ : اهدأ يا أخي حنبوج.
مصرّم : هيا نلحق بالمركب قبل الإقلاع.. أو نلحق به على مركب آخر.
عيواظ : اعقلوا يارجال. لقد غادر المركب الميناء منذ ساعة. وهو الآن في عرض البحر. والظلام شديد.. ولن يستطيع أحد أن يلحق به.
حنبوج : ومالي ياعيواظ؟ وصندوقي؟!
عيواظ : أنا على يقين من أنّ السارق لايزال في المدينة..
حنبوج : ياويلي.. وياويلي... ضاع ذهبي.. ضاع مالي.
(يبكي بينما الستار ينسدل)
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
الفصل الثاني
"العودة من جزيرة القرود"
المشهد الأول
(طريق في مدينة الأعاجيب. يبدو كركوز في هيئة حسنة ومعه تابعه "سراج")
كركوز : نعم هذا هو الحي الذي نشأت فيه حتى صرت شاباً ولي شاربان. آه! ما أطيب هذا الهواء، وما أرقه. أجمل هواء تنشقته في حياتي. إن شهقة واحدة تنسيني آلام عشر سنوات من الكد والغربة..
سراج : ولكنك ياسيدي كنت في بلادنا معززاً وكأنك في وطنك.
كركوز : لا أنكر ذلك يا"سراج". فحاكمكم رجل مخلص.. وعادل، وأهل الجزيرة طيبون.. ولكنني كنت بينكم غريباً في وجهي ولساني.
سراج : لو كنت غريباً ياسيدي كركوز لما عرض عليك حاكمنا أنْ يزوجك من ابنته الصغرى..
كركوز : لاتذكّرني ياسراج فتلك محنة قاسية..
سراج : لم ينقذك منها إلا حسن عملك وطيب قلبك. وإلاّ من يرفض ابنة الحاكم زوجة له إلا الأبله!!
كركوز : صدقت ياسراج.. صدقت.. كان امتحاناً صعباً لحبي.
سراج : ولولا أن حاكم جزيرتنا رجل عاقل لقطع رقبتك قبل أن يطلع عليك الصباح، فتلك إهانة في تقاليدنا عقابها الموت..
كركوز : وأنا لاأصدق أنني نجوت ياسراج.. والفضل لك..
سراج : بل الفضل لهذا الاختراع الذي قدمته للجزيرة.. الطاحونة الحجريّة الكبيرة.. أنسيت ياسيدي كركوز!؟
كركوز : كنتم تطحنون بالرحى.. فعلمتكم أن تستفيدوا من مجرى الماء.. كما نفعل هنا..
سراج : كم كانت فرحة أهل الجزيرة عظيمة حين دارت الطاحونة الكبيرة فوق النهر.
كركوز : لاأكتمك ياسراج أنّ ابنة الحاكم رائعة الجمال، رقيقة الكلام، ولكنْ ماذا أفعل بهذا القلب المصلوب أمام عيني ست الحسن.. إيه، وأخيراً عدت يا كركوز إلى المدينة التي تضم بين أسوارها قلبك الرهينة عند أجمل فتيات الدنيا. ماأسعدني وأنا أعود إليك يامدينتي المحبوبة!. (مذهولاً) قف ياسراج.. إنْ لم أكن مخطئاً فقد كان بيتي هنا.. نعم. أكاد لاأصدق. لا يمكن أنْ أخطئ.. واللّه لو كنت معصوب العينين لعرفت كيف أصل إلى مسقط رأسي.
سراج : ولكنْ ياسيدي كركوز قد تتشابه الطرق والبيوت في المدينة الواحدة.
كركوز : قد أخطئ في كل شيء إلاّ في معرفة البيت الذي ولدت فيه نعم. لن أخطئ. الناس تقول إن صاحب الرأس الصغير يكون أبله. ترى ما الذي حدث؟! أملك في صدري إحساساً حزيناً. نعم هذه أرضي وبيتي.. تركت فيه أمي تنسج لي الثياب وهي لاتعلم متى أعود..
سراج : ولكننا ياسيدي نقف أمام قصر عظيم يشبه قصر حاكم جزيرتنا!
كركوز : اسكت ياسراج، اسكت. لايمكن للمرء أنْ ينسى وطنه وبيته مهما ابتعد عنهما. واللّه لو بقي في صدري نفس واحد لعرفت قبل أنْ أموت أنها أرضي. الأرض ياسراج مثل الدم الذي يجري في العروق. ولكن ما الذي حدث؟!
سراج : مارأيك ياسيدي أنْ نسأل بعض المارة..
كركوز : هاهو ذا رجل قادم إلينا.. هيه أنت أيها الرجل الطيب، لو سمحت، توقف قليلاً. أحمالك كما أرى ثقيلة على ظهرك أعانك اللّه ياعم.. قلْ لي لمن هذا القصر العظيم؟
الحمّال : لاشك أنك غريبٌ عن المدينة.
كركوز : بل أنا منها ياعم. ولكنني كنت مهاجراً إلى جزيرة بعيدة. وها أنا ذا أعود لأراها مدينة أخرى.. قلْ لي ألم يكن مكان هذا القصر بيت تسكن فيه امرأة؟!
الحمّال : آه.. إنها قصة طويلة يابني.. وأنت كما ترى أحمل على ظهري الأحمال.. أوقف غيري ليقص عليك الحكاية.
كركوز : أنزل أحمالك (يساعده) وقصَّ علي. خذ هذه القطعة الفضية.
الحمّال : قطعة فضية من أجل حكاية.. لابد أنّ في الأمر سراً يابني أو أنك تحب الفضول فتبعثر دراهمك على سماع الحكايا. خذ قطعتك الفضية يابني لا أريدها..
كركوز : أرجوك أخبرني ماذا تعرف.
الحمّال : ومن يضمن لي ألاّ تكون من أعوان قائد الشرطة وتريد أنْ تجرني في الحديث إلى مايغضبه، ثم ترميني في السجن!..
كركوز : أعوذ بالله ياعم.. لماذا تدخل السجن وأنت لاتفعل شيئاً مخالفاً لقانون المدينة.
الحمّال : بيني وبينك، لم يعد أحد يثق بأحد في مديتنا. نصف أهل المدينة يتجسسون على النصف الآخر. ساعدني يابني على حمل أحمالي. فأنا أكدّ على عيالي فلا أحصّل لهم غير الخبز.
كركوز : وهذه قطعة فضية أخرى فما رأيك؟!
الحمّال : لعن اللّه هذا اللسان الذي أخبئه في فمي سيقودني يوماً ما إلى السجن أو القبر.
كركوز : ثق بي ياعم فأنا لست من أعوان أحد.
سراج : سيدي لم يمض عليه أكثر من ساعة في هذه المدينة.
الحمّال : دعني وشأني يابني.
كركوز : اطمئن ياعم فأنا صديق عيواظ صاحب المطحنة المائية في الطرف الشرقي من المدينة.
الحمّال : (يرفع أحماله) وتقول لي لست من أعوان أحد. تضحك على رجل فقير عجوز. سترك يارب. في وجه من كان صباحي! إنه وجه زوجتي المنحوس وشعرها المنكوش مثل القنفذ.
(يسرع الحمّال بالابتعاد)
كركوز : أنا لاأفهم شيئاً. كأنني لسعته بالسوط حين ذكرت له اسم صديقي عيواظ. هل فهمت شيئاً ياسراج؟!
سراج : أنا غريب عن المدينة، ولا أعرف طباع أهلها. ولكن الرجل كان خائفاً. ولعل في الأمر سراً ياسيدي كركوز.
كركوز : هاهوذا رجل آخر قادم نحونا. لن أدعه قبل أن يخبّرني بما يعرف.. ولكن ألا ترى معي ياسراج أن أهل المدينة يضعون على رؤوسهم غطاء متشابهاً؟، بل هو غطاء واحد.
سراج : إنه متسول ياسيدي.. ويبدو متعباً، وهو أعمى أيضاً.
كركوز : قف أنت يا أخي..
مصرّم : أعطني مما أعطاك اللّه.
كركوز : لقد أعطاني اللّه أكثر مما أريد.
مصرّم : تصدق ياأخي. الحسنة بعشرة أمثالها.
كركوز : خذ ياأخي هذه قطعة فضية.
مصرّم : لا أذلك اللّه يابني. وليكن لك قصر في الجنة..
كركوز : كنت سأسألك يا أخي عن صاحب هذا القصر.. عذراً، فأنت لاترى كما أرى. ولكن توقف قليلاً وجهك هذا ليس غريباً عني. بل إن هذه الملامح تذكرني برجل أعرفه!
مصرّم : لاتسخر مني ياسيدي.. كيف لرجل سيد مثلك أن يعرف متسولاً مثلي!
كركوز : لايمكن أن أخطئ رغم غيابي عن المدينة عشر سنوات.
مصرّم : كأن هذا الصوت الرقيق قد سمعته قبل الآن.. نعم إنه يذكرني بصديق قديم.. آه سيدي فالذاكرة الضعيفة عبء على الإنسان.
كركوز : من أعرفه كان مبصراً. عيناه براقتان. كان قوياً يستطيع أن يدفع حجر الطاحون وحده.. كان شاباً يفيض الشباب من وجهه كما يفيض النبع العذب. ظهره مستقيم.. ولكنك تشبهه تماماً.
مصرّم : آه.. ماأقسى الزمان! كل شيء فيه يتبدل.
كركوز : صدقت يا أخي، وأرجو اللّه أن تكون حبيبتي ست الحسن باقية على عهدها.
مصرّم : ماذا تقول ياسيدي؟! ست الحسن حبيبتك.. يا إلهي.!
كركوز : نعم يا أخي وأية غرابة في ذلك. ست الحسن بنت التاجر حنبوج هي خطيبتي وحبيبتي.
مصرّم : يا إلهي!
كركوز : مابك يا رجل كأن أفعى سامة دخلت إلى صدرك!
مصرّم : أية مفاجأة أمامي! غير معقول! أنت كركوز. عرفت أنك كركوز الأهبل. أنا مصرّم ياكركوز أتذكرني؟!
كركوز : مصرّم! صديقي الحبيب! من فعل بك كل هذا؟ أية مأساة جعلت مصرّم بائساً حزيناً متسولاً أعمى!! هذا حلم عابر.. لايمكن أن أصدقه..
مصرّم : (يبكي) ذهب زمن الحب والوفاء والإخلاص. يا للحسرة!!
كركوز : أخبرني ماذا حدث؟! أكاد أجن!! قل ياصديقي القديم ما الذي جعلك متسولاً. لماذا فقدت بصرك. أخبرني يامصرّم!
مصرّم : آه.. ياصديقي كركوز.. لم تبق لنا إلا الذكريات.
كركوز : أراهن أنك تتنكر في هذا الزي. قل يامصرّم هل وصلتكم عادة الاحتفال التنكري كما يجري في المدن المجاورة.
مصرّم : أي تنكر ياكركوز.. هذه الحقيقة!
كركوز : ماذا حدث لبيتي؟ قصر من هذا؟! وأين أمي الآن؟!
مصرّم : أنا في حلم. هذا أمر مؤكد. فأهل المدينة يعرفون أنّ كركوز غرقت به السفينة وهو عائد إلى المدينة..
كركوز : أنا غرقت؟! أنا غرقت ياسراج ولم أسمع بهذا الخبر إلا الآن.
مصرّم : لذلك أرجوك ياأخي كركوز.. أن تقترب لأتأكد من شخصيتك الصوت صوت كركوز. الطيبة طيبة كركوز. الطول (يلمس وجهه) ولكن كركوز لم تكن له لحية.. الأنف! أنف كركوز..
كركوز : أنا لم أغرق يامصرّم. أنا حي، وهذا هو سراج شاهد على ذلك.
مصرّم : حقاً. أنت كركوز.. ولكن لماذا قالوا إنك غرقت وشبعت موتاً؟
كركوز : أنا أسألك يامصرّم ما الذي حدث لك.. ماذا حدث لأمي!
مصرّم : الحمد للّه على سلامتك يا أخي كركوز.. ولكن لن أدع الفرح بلقائك وعودك سالماً ينسيني حبي لك وخوفي عليك. أنصحك ياصديقي ويا أخي كركوز أن تغادر المدينة وتعود من حيث أتيت أو دعْ أهل المدينة يعتقدون أنك غرقت وأكلك الحوت..
كركوز : أي كلام أسمع من أخي مصرّم؟! لابد أن أحداً خلع عقلك وركّبه في قدميك.
مصرّم : تأكد أنني عاقل، ورغم أنني أعمى فأنا أعرف تماماً الجهات الأربع.
كركوز : أنا عدت بعد غياب عشر سنوات لأبقى يامصرّم. وأنت تعرف القصة من بدايتها.
مصرّم : وأنت لاتعرف ماذا حدث بعد رحيلك. اسمع نصيحة أخيك مصرّم، فأنا أحبك وأخشى عليك من الغدر.. أرجوك أن تغادر المدينة.
كركوز : أنت مجنون يامصرّم. مجنون! أنا عدت حاملاً مهر ست الحسن، وأكثر منه. مهر كلفني الخوف والجوع ورأيت الموت يتبعني، ينام معي.. انتظرت لحظة العودة كما ينتظر الرضيع ثدي أمه بعد جوع طويل.. كانت عودتي حلماً..
مصرّم : الذين قالوا إنك غرقت.. لايريدون أن تعود.. ستخسر مالك ونفسك.
لن يدعوك تعود إلى الحياة.
كركوز : من هم يا مصرّم. قل الحقيقة أريد أن أعرف كل شيء!
مصرّم : آه، ياأخي كركوز ماأقسى الحقيقة؟! سأقولها لك بعد أن تهدأ وتفتح أذنيك.
كركوز : وهل تراني أسد أذني بأصابعي؟!
مصرّم : حسن. ذنبك على جنبك... هذا القصر الذي تراه أمامك أقامه صاحبه فوق خراب بيتك..
كركوز : سأهدّ السقف على رأسه..
مصرّم : إنه حنبوج ياكركوز.. حنبوج والد ست الحسن!
كركوز : عمي حنبوج! لم أكن أتصور أنه رجل شهم. لاشك أن حبيبة القلب ست الحسن طلبت من والدها حنبوج أن تعيش أمي معها في هذا القصر. أعرف أنها تحبني وتحب كل مايخصني.
مصرّم : كف عن أحلامك وخيالك.. الغربة لم تغير من أمرك شيئاً. كما أنت! كثير الأحلام طيب القلب.
كركوز : لو أني هنا لما فرطت بهذا البيت.. بيت فيه الذكريات. هنا ولدت يامصرّم!
مصرّم : ما أعجبك ياكركوز! تريد أن تعرف الحقيقة ولاتريد.
كركوز : ولكنها حقيقة حلوة..
مصرّم : بيتك يا أخي كركوز صادره القاضي.. منحه لحنبوج تعويضاً له فأقام عليه هذا القصر.
كركوز : ولكنه كان يملك قصراً مثل قصر السلطان. أنا لا أفهم شيئاً.!
مصرّم : ولن تفهم شيئاً مادام قلبك يقودك نحو حتفك!
كركوز : سراج، اقرصني ياسراج! مصرّم لماذا لاتختصر الحديث وتوضح الحقيقة؟
مصرّم : القاضي أمر بمصادرة بيتك وأعطاه لعمك حنبوج تعويضاً عن السرقة.
كركوز : ومادخل القاضي ببيتي؟
مصرّم : آه.. آه!! يالسوء طالعي، تغيب عشر سنوات وأكون أنا بومة الشر.. افتح عقلك يا أخي كركوز. هناك أشياء لاتقال ولكنّ الإنسان يدركها بعقله.
كركوز : لاتدعني أفقد عقلي يامصرّم. سراج، اضربني على رأسي لعلي أفهم مايقوله الفيلسوف مصرّم.
سراج : هدئ من روعك ياسيدي كركوز.
مصرّم : ها أنت ذا ياكركوز صرت سيداً ولك تابع. فلماذا لاتصغي إليّ وتفهم ما أقول؟؟
سراج : سيدي يفهم كل شيء ولكنك لاتفصّل الحقائق.!
كركوز : قل يامصرّم، ماذا حدث لأمي؟ أين هي الآن؟!
مصرّم : طردها حنبوج من البيت، وراحت تتنقل من بيت إلى آخر..
كركوز : حنبوج يفعل ذلك؟!
مصرّم : نعم.. نعم فعل ذلك. ألا تصدقني؟! بعد أن عرف الناس أنك سرقت صندوقه حكم الـ...
كركوز : (مقاطعاً) أيّ صندوق يامصرّم؟!
مصرّم : صندوق حنبوج الذي أخذته من بيته يوم سفرك!
كركوز : وماذا أفعل بصندوق حنبوج؟؟
مصرّم : اتهموك بالسرقة. وحكم عليك القاضي بالسجن ومصادرة أموالك. ولأنك لاتملك إلا بيت أمك..
كركوز : ولكني كركوز الأمين.. مستحيل. هذا مستحيل. أنت تمزح. قل شيئاً غير ذلك.
مصرّم : هذه هي الحقيقة التي تريد معرفتها.. والآن مارأيك؟!
كركوز : وأين أمي الآن؟
"العودة من جزيرة القرود"
المشهد الأول
(طريق في مدينة الأعاجيب. يبدو كركوز في هيئة حسنة ومعه تابعه "سراج")
كركوز : نعم هذا هو الحي الذي نشأت فيه حتى صرت شاباً ولي شاربان. آه! ما أطيب هذا الهواء، وما أرقه. أجمل هواء تنشقته في حياتي. إن شهقة واحدة تنسيني آلام عشر سنوات من الكد والغربة..
سراج : ولكنك ياسيدي كنت في بلادنا معززاً وكأنك في وطنك.
كركوز : لا أنكر ذلك يا"سراج". فحاكمكم رجل مخلص.. وعادل، وأهل الجزيرة طيبون.. ولكنني كنت بينكم غريباً في وجهي ولساني.
سراج : لو كنت غريباً ياسيدي كركوز لما عرض عليك حاكمنا أنْ يزوجك من ابنته الصغرى..
كركوز : لاتذكّرني ياسراج فتلك محنة قاسية..
سراج : لم ينقذك منها إلا حسن عملك وطيب قلبك. وإلاّ من يرفض ابنة الحاكم زوجة له إلا الأبله!!
كركوز : صدقت ياسراج.. صدقت.. كان امتحاناً صعباً لحبي.
سراج : ولولا أن حاكم جزيرتنا رجل عاقل لقطع رقبتك قبل أن يطلع عليك الصباح، فتلك إهانة في تقاليدنا عقابها الموت..
كركوز : وأنا لاأصدق أنني نجوت ياسراج.. والفضل لك..
سراج : بل الفضل لهذا الاختراع الذي قدمته للجزيرة.. الطاحونة الحجريّة الكبيرة.. أنسيت ياسيدي كركوز!؟
كركوز : كنتم تطحنون بالرحى.. فعلمتكم أن تستفيدوا من مجرى الماء.. كما نفعل هنا..
سراج : كم كانت فرحة أهل الجزيرة عظيمة حين دارت الطاحونة الكبيرة فوق النهر.
كركوز : لاأكتمك ياسراج أنّ ابنة الحاكم رائعة الجمال، رقيقة الكلام، ولكنْ ماذا أفعل بهذا القلب المصلوب أمام عيني ست الحسن.. إيه، وأخيراً عدت يا كركوز إلى المدينة التي تضم بين أسوارها قلبك الرهينة عند أجمل فتيات الدنيا. ماأسعدني وأنا أعود إليك يامدينتي المحبوبة!. (مذهولاً) قف ياسراج.. إنْ لم أكن مخطئاً فقد كان بيتي هنا.. نعم. أكاد لاأصدق. لا يمكن أنْ أخطئ.. واللّه لو كنت معصوب العينين لعرفت كيف أصل إلى مسقط رأسي.
سراج : ولكنْ ياسيدي كركوز قد تتشابه الطرق والبيوت في المدينة الواحدة.
كركوز : قد أخطئ في كل شيء إلاّ في معرفة البيت الذي ولدت فيه نعم. لن أخطئ. الناس تقول إن صاحب الرأس الصغير يكون أبله. ترى ما الذي حدث؟! أملك في صدري إحساساً حزيناً. نعم هذه أرضي وبيتي.. تركت فيه أمي تنسج لي الثياب وهي لاتعلم متى أعود..
سراج : ولكننا ياسيدي نقف أمام قصر عظيم يشبه قصر حاكم جزيرتنا!
كركوز : اسكت ياسراج، اسكت. لايمكن للمرء أنْ ينسى وطنه وبيته مهما ابتعد عنهما. واللّه لو بقي في صدري نفس واحد لعرفت قبل أنْ أموت أنها أرضي. الأرض ياسراج مثل الدم الذي يجري في العروق. ولكن ما الذي حدث؟!
سراج : مارأيك ياسيدي أنْ نسأل بعض المارة..
كركوز : هاهو ذا رجل قادم إلينا.. هيه أنت أيها الرجل الطيب، لو سمحت، توقف قليلاً. أحمالك كما أرى ثقيلة على ظهرك أعانك اللّه ياعم.. قلْ لي لمن هذا القصر العظيم؟
الحمّال : لاشك أنك غريبٌ عن المدينة.
كركوز : بل أنا منها ياعم. ولكنني كنت مهاجراً إلى جزيرة بعيدة. وها أنا ذا أعود لأراها مدينة أخرى.. قلْ لي ألم يكن مكان هذا القصر بيت تسكن فيه امرأة؟!
الحمّال : آه.. إنها قصة طويلة يابني.. وأنت كما ترى أحمل على ظهري الأحمال.. أوقف غيري ليقص عليك الحكاية.
كركوز : أنزل أحمالك (يساعده) وقصَّ علي. خذ هذه القطعة الفضية.
الحمّال : قطعة فضية من أجل حكاية.. لابد أنّ في الأمر سراً يابني أو أنك تحب الفضول فتبعثر دراهمك على سماع الحكايا. خذ قطعتك الفضية يابني لا أريدها..
كركوز : أرجوك أخبرني ماذا تعرف.
الحمّال : ومن يضمن لي ألاّ تكون من أعوان قائد الشرطة وتريد أنْ تجرني في الحديث إلى مايغضبه، ثم ترميني في السجن!..
كركوز : أعوذ بالله ياعم.. لماذا تدخل السجن وأنت لاتفعل شيئاً مخالفاً لقانون المدينة.
الحمّال : بيني وبينك، لم يعد أحد يثق بأحد في مديتنا. نصف أهل المدينة يتجسسون على النصف الآخر. ساعدني يابني على حمل أحمالي. فأنا أكدّ على عيالي فلا أحصّل لهم غير الخبز.
كركوز : وهذه قطعة فضية أخرى فما رأيك؟!
الحمّال : لعن اللّه هذا اللسان الذي أخبئه في فمي سيقودني يوماً ما إلى السجن أو القبر.
كركوز : ثق بي ياعم فأنا لست من أعوان أحد.
سراج : سيدي لم يمض عليه أكثر من ساعة في هذه المدينة.
الحمّال : دعني وشأني يابني.
كركوز : اطمئن ياعم فأنا صديق عيواظ صاحب المطحنة المائية في الطرف الشرقي من المدينة.
الحمّال : (يرفع أحماله) وتقول لي لست من أعوان أحد. تضحك على رجل فقير عجوز. سترك يارب. في وجه من كان صباحي! إنه وجه زوجتي المنحوس وشعرها المنكوش مثل القنفذ.
(يسرع الحمّال بالابتعاد)
كركوز : أنا لاأفهم شيئاً. كأنني لسعته بالسوط حين ذكرت له اسم صديقي عيواظ. هل فهمت شيئاً ياسراج؟!
سراج : أنا غريب عن المدينة، ولا أعرف طباع أهلها. ولكن الرجل كان خائفاً. ولعل في الأمر سراً ياسيدي كركوز.
كركوز : هاهوذا رجل آخر قادم نحونا. لن أدعه قبل أن يخبّرني بما يعرف.. ولكن ألا ترى معي ياسراج أن أهل المدينة يضعون على رؤوسهم غطاء متشابهاً؟، بل هو غطاء واحد.
سراج : إنه متسول ياسيدي.. ويبدو متعباً، وهو أعمى أيضاً.
كركوز : قف أنت يا أخي..
مصرّم : أعطني مما أعطاك اللّه.
كركوز : لقد أعطاني اللّه أكثر مما أريد.
مصرّم : تصدق ياأخي. الحسنة بعشرة أمثالها.
كركوز : خذ ياأخي هذه قطعة فضية.
مصرّم : لا أذلك اللّه يابني. وليكن لك قصر في الجنة..
كركوز : كنت سأسألك يا أخي عن صاحب هذا القصر.. عذراً، فأنت لاترى كما أرى. ولكن توقف قليلاً وجهك هذا ليس غريباً عني. بل إن هذه الملامح تذكرني برجل أعرفه!
مصرّم : لاتسخر مني ياسيدي.. كيف لرجل سيد مثلك أن يعرف متسولاً مثلي!
كركوز : لايمكن أن أخطئ رغم غيابي عن المدينة عشر سنوات.
مصرّم : كأن هذا الصوت الرقيق قد سمعته قبل الآن.. نعم إنه يذكرني بصديق قديم.. آه سيدي فالذاكرة الضعيفة عبء على الإنسان.
كركوز : من أعرفه كان مبصراً. عيناه براقتان. كان قوياً يستطيع أن يدفع حجر الطاحون وحده.. كان شاباً يفيض الشباب من وجهه كما يفيض النبع العذب. ظهره مستقيم.. ولكنك تشبهه تماماً.
مصرّم : آه.. ماأقسى الزمان! كل شيء فيه يتبدل.
كركوز : صدقت يا أخي، وأرجو اللّه أن تكون حبيبتي ست الحسن باقية على عهدها.
مصرّم : ماذا تقول ياسيدي؟! ست الحسن حبيبتك.. يا إلهي.!
كركوز : نعم يا أخي وأية غرابة في ذلك. ست الحسن بنت التاجر حنبوج هي خطيبتي وحبيبتي.
مصرّم : يا إلهي!
كركوز : مابك يا رجل كأن أفعى سامة دخلت إلى صدرك!
مصرّم : أية مفاجأة أمامي! غير معقول! أنت كركوز. عرفت أنك كركوز الأهبل. أنا مصرّم ياكركوز أتذكرني؟!
كركوز : مصرّم! صديقي الحبيب! من فعل بك كل هذا؟ أية مأساة جعلت مصرّم بائساً حزيناً متسولاً أعمى!! هذا حلم عابر.. لايمكن أن أصدقه..
مصرّم : (يبكي) ذهب زمن الحب والوفاء والإخلاص. يا للحسرة!!
كركوز : أخبرني ماذا حدث؟! أكاد أجن!! قل ياصديقي القديم ما الذي جعلك متسولاً. لماذا فقدت بصرك. أخبرني يامصرّم!
مصرّم : آه.. ياصديقي كركوز.. لم تبق لنا إلا الذكريات.
كركوز : أراهن أنك تتنكر في هذا الزي. قل يامصرّم هل وصلتكم عادة الاحتفال التنكري كما يجري في المدن المجاورة.
مصرّم : أي تنكر ياكركوز.. هذه الحقيقة!
كركوز : ماذا حدث لبيتي؟ قصر من هذا؟! وأين أمي الآن؟!
مصرّم : أنا في حلم. هذا أمر مؤكد. فأهل المدينة يعرفون أنّ كركوز غرقت به السفينة وهو عائد إلى المدينة..
كركوز : أنا غرقت؟! أنا غرقت ياسراج ولم أسمع بهذا الخبر إلا الآن.
مصرّم : لذلك أرجوك ياأخي كركوز.. أن تقترب لأتأكد من شخصيتك الصوت صوت كركوز. الطيبة طيبة كركوز. الطول (يلمس وجهه) ولكن كركوز لم تكن له لحية.. الأنف! أنف كركوز..
كركوز : أنا لم أغرق يامصرّم. أنا حي، وهذا هو سراج شاهد على ذلك.
مصرّم : حقاً. أنت كركوز.. ولكن لماذا قالوا إنك غرقت وشبعت موتاً؟
كركوز : أنا أسألك يامصرّم ما الذي حدث لك.. ماذا حدث لأمي!
مصرّم : الحمد للّه على سلامتك يا أخي كركوز.. ولكن لن أدع الفرح بلقائك وعودك سالماً ينسيني حبي لك وخوفي عليك. أنصحك ياصديقي ويا أخي كركوز أن تغادر المدينة وتعود من حيث أتيت أو دعْ أهل المدينة يعتقدون أنك غرقت وأكلك الحوت..
كركوز : أي كلام أسمع من أخي مصرّم؟! لابد أن أحداً خلع عقلك وركّبه في قدميك.
مصرّم : تأكد أنني عاقل، ورغم أنني أعمى فأنا أعرف تماماً الجهات الأربع.
كركوز : أنا عدت بعد غياب عشر سنوات لأبقى يامصرّم. وأنت تعرف القصة من بدايتها.
مصرّم : وأنت لاتعرف ماذا حدث بعد رحيلك. اسمع نصيحة أخيك مصرّم، فأنا أحبك وأخشى عليك من الغدر.. أرجوك أن تغادر المدينة.
كركوز : أنت مجنون يامصرّم. مجنون! أنا عدت حاملاً مهر ست الحسن، وأكثر منه. مهر كلفني الخوف والجوع ورأيت الموت يتبعني، ينام معي.. انتظرت لحظة العودة كما ينتظر الرضيع ثدي أمه بعد جوع طويل.. كانت عودتي حلماً..
مصرّم : الذين قالوا إنك غرقت.. لايريدون أن تعود.. ستخسر مالك ونفسك.
لن يدعوك تعود إلى الحياة.
كركوز : من هم يا مصرّم. قل الحقيقة أريد أن أعرف كل شيء!
مصرّم : آه، ياأخي كركوز ماأقسى الحقيقة؟! سأقولها لك بعد أن تهدأ وتفتح أذنيك.
كركوز : وهل تراني أسد أذني بأصابعي؟!
مصرّم : حسن. ذنبك على جنبك... هذا القصر الذي تراه أمامك أقامه صاحبه فوق خراب بيتك..
كركوز : سأهدّ السقف على رأسه..
مصرّم : إنه حنبوج ياكركوز.. حنبوج والد ست الحسن!
كركوز : عمي حنبوج! لم أكن أتصور أنه رجل شهم. لاشك أن حبيبة القلب ست الحسن طلبت من والدها حنبوج أن تعيش أمي معها في هذا القصر. أعرف أنها تحبني وتحب كل مايخصني.
مصرّم : كف عن أحلامك وخيالك.. الغربة لم تغير من أمرك شيئاً. كما أنت! كثير الأحلام طيب القلب.
كركوز : لو أني هنا لما فرطت بهذا البيت.. بيت فيه الذكريات. هنا ولدت يامصرّم!
مصرّم : ما أعجبك ياكركوز! تريد أن تعرف الحقيقة ولاتريد.
كركوز : ولكنها حقيقة حلوة..
مصرّم : بيتك يا أخي كركوز صادره القاضي.. منحه لحنبوج تعويضاً له فأقام عليه هذا القصر.
كركوز : ولكنه كان يملك قصراً مثل قصر السلطان. أنا لا أفهم شيئاً.!
مصرّم : ولن تفهم شيئاً مادام قلبك يقودك نحو حتفك!
كركوز : سراج، اقرصني ياسراج! مصرّم لماذا لاتختصر الحديث وتوضح الحقيقة؟
مصرّم : القاضي أمر بمصادرة بيتك وأعطاه لعمك حنبوج تعويضاً عن السرقة.
كركوز : ومادخل القاضي ببيتي؟
مصرّم : آه.. آه!! يالسوء طالعي، تغيب عشر سنوات وأكون أنا بومة الشر.. افتح عقلك يا أخي كركوز. هناك أشياء لاتقال ولكنّ الإنسان يدركها بعقله.
كركوز : لاتدعني أفقد عقلي يامصرّم. سراج، اضربني على رأسي لعلي أفهم مايقوله الفيلسوف مصرّم.
سراج : هدئ من روعك ياسيدي كركوز.
مصرّم : ها أنت ذا ياكركوز صرت سيداً ولك تابع. فلماذا لاتصغي إليّ وتفهم ما أقول؟؟
سراج : سيدي يفهم كل شيء ولكنك لاتفصّل الحقائق.!
كركوز : قل يامصرّم، ماذا حدث لأمي؟ أين هي الآن؟!
مصرّم : طردها حنبوج من البيت، وراحت تتنقل من بيت إلى آخر..
كركوز : حنبوج يفعل ذلك؟!
مصرّم : نعم.. نعم فعل ذلك. ألا تصدقني؟! بعد أن عرف الناس أنك سرقت صندوقه حكم الـ...
كركوز : (مقاطعاً) أيّ صندوق يامصرّم؟!
مصرّم : صندوق حنبوج الذي أخذته من بيته يوم سفرك!
كركوز : وماذا أفعل بصندوق حنبوج؟؟
مصرّم : اتهموك بالسرقة. وحكم عليك القاضي بالسجن ومصادرة أموالك. ولأنك لاتملك إلا بيت أمك..
كركوز : ولكني كركوز الأمين.. مستحيل. هذا مستحيل. أنت تمزح. قل شيئاً غير ذلك.
مصرّم : هذه هي الحقيقة التي تريد معرفتها.. والآن مارأيك؟!
كركوز : وأين أمي الآن؟
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
مصرّم : كان الناس يرونها يوماً وتختفي أياماً.. إلى أن غابت، ولم يعثر أحد عليها بعدها. بعض الناس قال إنها دفنت نفسها حية في المقبرة القديمة.
كركوز : ياللعار! ياللعار! أيتها المسكينة الشقية! يا للفضيحة! أمي تدفن نفسها حية!!
مصرّم : نامت في أحد القبور.. ولم تظهر بعد ذلك.. لاتبك يا أخي كركوز. فالبكاء لن يعيد الأموات.
كركوز : هذا أول ثمن أدفعه لحصولي على الذهب.. راحت الأرض!. راحت الأم!
مصرّم : والذهب في يديك لن ينفعك لأنك عدت متأخراً!
كركوز : ما الذي ينفعني في هذه المدينة. كأنني أرى مدينة غريبة عني. ماذا أفعل الآن؟!
مصرّم : اهرب ياكركوز.. اخرج من المدينة قبل أن تكتمل المأساة!
كركوز : ولكن لماذا لم يفعل صديقي عيواظ شيئاً من أجل أمي؟!
مصرّم : لأن عيواظ صار صديقاً عزيزاً لحنبوج.
كركوز : أية مفاجآت تتوالى! لم أعد أحتمل يامصرّم. كفى باللّه عليك! خرجت من المدينة وقلبي مطمئن. كنت واثقاً من أن صديقي عيواظ سيقف إلى جانب أمي. آخ ياعيواظ! تخون الصداقة والعشرة الطيبة وتتآمر مع حنبوج!
مصرّم : كل شيء تبدل في المدينة. ماحدث فيها يشبه الأساطير! أو حكايا ألف ليلة وليلة!
كركوز : سأدفن أحزاني الآن في صدري، وأدخل قصر حنبوج، فأقدم مهر ست الحسن ألفي ليرة ذهبية. سأتظاهر بالسعادة. وإن كان هذا صعباً.. وعندما يرى حنبوج الليرات الذهبية ستكون ضحكته إلى أذنيه. ويقبلني. ويدعوني إلى العشاء. ويقدمني إلى أصدقائه التجار صهراً غالياً غنياً!
مصرّم : مسكين! أنت مسكين يا أخي كركوز، وتستحق أن أرثي حالك. فالحب الذي تبحث عنه انتهى ورحل معك في المركب!
كركوز : ماذا تقول أيها المخادع! أتغار مني لأنك لاتملك آلاف الليرات الذهبية مثلي؟! افتح الكيس ياسراج واترك أخي مصرّم يمتع عينيه بالذهب البراق!
مصرّم : ولكنني يا أخي كركوز أعمى كما ترى!
كركوز : إذاً مدّ يدك إلى الكيس وتلّمس نعومة الليرات. اسمع صوت قرقعتها.. إنّه أجمل من صوت البلابل!
مصرّم : لاتغضب مني يا أخي كركوز، لأنك لو عرفت الحقيقة كلّها ستعضُّ أصابعك ندماً.
كركوز : بل سأعضّ أذنيك، وأقضم لسانك..
مصرّم : لا يا أخي كركوز، لايمكن أنْ تكون فظاً مع أخيك مصرّم الذي فقد بصره من أجلك..
كركوز : وماعلاقة بصرك بحبي وغربتي.
مصرّم : من أجلك يا أخي كركوز صرت أعمى.. نعم.. ألا تصدقني؟!
كركوز : من أجلي أنا؟!
مصرّم : نعم.. لأنني دافعت عنك.. أحببت فيك الطيبة والحب الصافي. وكنت أتمنى أنْ أملك مثل هذا الحب، وهذه الروح المتفانية.. والآن أرى نهاية المأساة أمامي..
كركوز : ماهذه الألغاز يامصرّم؟! فأنا لازلت أهيم بذكر ست الحسن، وفي صدري حبٌ يساوي أضعافاً مضاعفةً لما كنت عليه يوم سفري.
مصرّم : بلْ حبك مات ودفن ليلة سفرك.. بعد عام من رحيلك تزّوج بكري مصطفى "ست الحسن"..
كركوز : أنت تكذب.. لابد أنك أصبت بالجنون.. ست الحسن زوجة بكري قاطع الطريق والنصاب والقوّاد.. يا إلهي!! ست الحسن لاتفعل ذلك. اقرصني يا سراج لم أعد احتمل. هيّا أخرج مسّلةً وانخزني بها (يصرخ) ست الحسن زوجة اللص بكري مصطفى.. ماذا حدث في هذه الأرض!
مصرّم : اخفض صوتك.. ولا تصرخ كالمسعور، فقد يسمعك واحدٌ من رجاله.
كركوز : لتسمع الدنيا كلها.. وليرتفع صوتي إلى الشمس.. أنا لا أخاف أحداً..
مصرّم : ستُهلك نفسك يا أخي كركوز.. فيد بكري اليوم قوية وطويلة.. إنه قائد شرطة المدينة.
كركوز : اصمتْ يامصرّم.. اصمتْ، حتى لايظنك الناس هارباً من البيمارستان.. أنت فقدت بصرك وفقدك عقلك.. مسكين يا أخي مصرم، ماذا فعلت بك الأيام؟! (يلمس رأس مصرّم) آه! يا أخي مصرّم، أنت محموم! هل معك يا سراج مسحوق الكينا.. هذا دواء شافٍ يا أخي مصرّم يستعملونه في جزيرة القرود.. يصنعون منه شراباً عجيباً.
مصرّم : لايا أخي كركوز.. أنا بخير.. أنا لست محموماً، أنا عاقل، وعقلك يا أخي كركوز لايقبل الحقائق.
كركوز : (يمسك بمصرّم) قلْ لي كيف تزوج بكري ست الحسن. قلْ إنك تكذب وسأسامحك.. قلْ أرجوك..
مصرّم : شهد الله أنني أقول الحق.. ولولا إلحاحك لما أخبرتك شيئاً.. اسمع أصوات طبول الحرس السلطاني!.. إنهم قادمون إلينا!
كركوز : أنت تحكم عليّ بالموت.. تخرج روحي من صدري!
(يظهر سكران في الطرف الأيسر وهو يغني).
مصرّم : في ليلة رحيلك، دخل بكري إلى قصر حنبوج من الممر السري، وسرق صندوق ذهبه، وهرب. وعاد بعدها واتهمك بالسرقة وشهد بأنك حملت معك الصندوق وركبت المركب.. الناس كلهم صدقوا الحكاية.. وشاع في المدينة بعد مدة أنك غرقت في البحر! وصدق الناس الحكاية. ثم قدّم بكري المال المسروق مهراً لست الحسن. ثلاثة آلاف ليرة ذهبية.. وأخذها حنبوج سعيداً.. أفهمت الآن. أم تريد أن أعيد!
كركوز : ما أتعسني! ما أتعسني وما أغباني! الرجل الذي استغل معرفتي لبيت حنبوج كان لصاً. ادعّى أنه صديق قديم يريد أنْ يفاجئ صديقه. أنا صدّقته. أنا لا أستطيع إلاّ أن أصدق ماأسمع.. هذا عيبي. هذه فضيلتي، لا أدري!
مصرّم : بكري أعطى أوصافاً دقيقةً للصندوق فصدّقه الناس، وأنا أيضاً شهدت يا أخي كركوز. وليسامحني اللّه. شهدت بأنك تعرف الممر السري..
كركوز : حتى أنت يامصرّم!
مصرّم : وست الحسن شهدت أنك قلت لها ليلة وداعها! إنَّ مفاجأة كبيرة تنتظر والدها حنبوج في الداخل..
كركوز : وست الحسن شهدت ضدي!
مصرّم : لم تشهد ضدك، ولكنها اعترفت بأنها كانت تُدخلك إلى القصر من الممر السري لتقابلها في غياب والدها!
كركوز : يا رأسي.. يارأسي! اضربني ياسراج.. اضربني بقوة..
سراج : كان اللّه في عونك ياسيدي.. أنت الآن في امتحان صعب!
(يقترب سكران وهو يغني).
سكران : ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار.. (يضحك) كل شيء مفهوم.. أم عمرو لم ترجع.! ولكن المتقف المسكين لم يرجع إلى الآن! لماذا؟!
كركوز : يجب أنْ تعرف ست الحسن الحقيقة. رحلتُ إلى أقاصي الدنيا من أجلها، و حين أعود أراها زوجةً لأسوأ رجل في المدينة!!
سكران : ماذا تفعل هنا يا مصرّم.. عجيب! قبل قليل رأيتك في الشارع المجاور.. عجيب! ولكن الذي رأيته هناك كان مبصراً.. لعنة اللّه على السكر.. يريك الرجل رجلين.. ولكنني لا أرى الدرهم درهمين في يدي.. (يضحك).
مصرّم : اتركني ياسكران.. أنا لاأستطيع التفاهم مع العقلاء.. فكيف مع السكارى!
سكران : لا.. لا.. يامصرّم! سأغضب منك وأشكوك للمصرّم الذي رأيته هناك.. أيُّ حظ لي! أراك مرتين.. وأنت لاتراني..
كركوز : هيا يا أخي اتركنا مع همّنا.
سركان : (يضحك) عجيب! وهل أنا أمسك بك يارجل! الشارع لي ولك.. أنا أقف أمشي. أقف أمشي كما أريد وحين أريد النوم أقعد على الأرض وأتمدد.. و أنا.. ثم أجد نفسي صباحاً في السجن.. ستقول هذا رجل متشرد.
مصرّم : دعنا ياسكران..
سكران : لوكان معي طبل.. طبل كبير.. لوقفت مع جنود السلطان وطبّلت.. اسمع صوت الطبل من هنا.. أنا أحب الطبول دُمْ.. دُمْ.. دُمْ.. (يقع ويقوم).
كركوز : مامعنى أن يتغير كلّ شيء في المدينة.. ويبقى "سكران" يجوب شوارع المدينة!! قلْ يامصرّم!
مصرّم : فات أوان القول.. فست الحسن الآن زوجة قائد الشرطة وأنت تعلم ماذا يعني ذلك!
كركوز : قصة غير معقولة.. غير معقول.!
سكران : (من بعيد) دُمْ.. دُمْ.. دُمْ دُم.. يحيا السلطان. دُمْ دُمْ.. دُمْ دُم.. يحيا السلطان.
مصرّم : تنح عن الطريق ياكركوز، سيمرّ حراس السلطان.. وهم لايتورعون عن ضرب المارة بالسوط.
(تقترب أصوات الطبول.. ثم تدخل من الطرف الأيسر مجموعة من الحراس.. ويسير في وسطهم قائد الحرس السلطاني..)
كركوز : لماذا كلُ هذا الحذر.. فنحن نقف ملتصقين بالجدار.؟ فلماذا يضربوننا.؟
مصرّم : حتى نظل ملتصقين بالجدار.. حتى يبقى الخوف سارياً في عروقنا فترة أطول بعد مرور الموكب.. اصمت الآن واحنِ رأسك فقد يعرفك أحد الحراس..
(يحنون رؤوسهم حين مرور الموكب، ويقوم حارس بضرب سراج على قدميه..)
سراج : (بعد قليل) ماهذه المدينة العجيبة ياسيدي.. أنا لم أفعل شيئاً، ووقفت كالشجرة اليابسة فلماذا ضربني الحارس؟!
كركوز : كأنني رأيت وجه قائد الحرس قبل الآن! ولكن.. لا. غير معقول.. لابد أنني في حالة من الخبل.. هذا تفكير مضحك!
مصرّم : لاتضحك، ولاتسخر.. بل قل هو ذاته!!
كركوز : المدلل!!
سكران : (وهو يلحق بالحرس) دمْ دمْ دمْ دمْ عاش الس.. السل السجن.. دم.. دمْ دمْ دمْ عاش السّجان.. السلطان.
كركوز : يا إلهي! المدلل.. المدلل ذاته!!
مصرّم : المدلل صبي المطحنة المخنث.. الخليع.. عاشق الغناجة!
كركوز : ما حدث في هذه المدينة أكبر من رأسي.. المدلل، قائد الحرس السلطاني! أهون عليّ أنْ أصدق أنّ المتقف تعلّم القراءة والكتابة من أنْ أسمع أنّ "المدلل" من رجال السلطان!
مصرّم : ولو عرفت من هو السلطان لسقطت مغشياً عليك!
كركوز : ليكنْ مَنْ يكون.. لا بد أنه رجلٌ تافه مثل قائد حرسه!
مصرّم : بل هو صديقك المخلص عيواظ..
كركوز : آ..آ..آ.. (يدور حول نفسه)
مصرّم : صديقك الآن هو السلطان عيواظ
كركوز : (يدور) عيواظ.. يا عيواظ (كأنه يغني) يا سلطان ويا سلطان ويا عيواظ، ويا عيواظ.. يا سلطان السلاطين، يا عيواظ ويا مسكين (يقف ويصرخ) سراج.. سراج لماذا تقف جامداً.. هيّا اركلني بقدمك.. اقرصني.. أخرجْ سكيناً.. لا ساطوراً. واقطع اصبعي من يدي.. الابهام.. أكبر الأصابع.. اقطع الابهامين أهون عليّ أنْ أعيش بلا ابهامين من أنْ أعيش بلا عقل.
سراج : لا تفعل بنفسك هذا يا سيدي! فأنت أعقل العقلاء.
كركوز : من المؤكد أنني أعيش كابوساً.. نعم كابوسٌ مزدوج سينقضي. شيء رائع أن أعرف أنني نائم وأرى كابوساً (يضحك) عيواظ سلطان. وبكري رئيس الشرطة. ومدلل قائد الحرس!
مصرّم : ونسيت عمك حنبوج.
كركوز : مسكين عمي حنبوج..
مصرّم : مسكينٌ جداً، فقد عينّه السلطان عيواظ وزير المال
كركوز : هذا كابوس جديد!! اكتملت الحكاية!! كفى بالله عليك يا أخي مصرّم! تريد أنْ تختصر لي عشر سنوات في ربع ساعة، حرام عليك! حرام!
مصرّم : أنت طلبت مني أنْ أفصّل الحقائق!
كركوز : اللص صار شرطياً، والتاجر المحتكر وزير بيت المال، والصبي المخنث صار قائداً.. قائداً للحرس.. وعيواظ صاحب المطحنة. عيواظ الصديق الطيب الذي شهد العهد بيني وبين حنبوج.. صار سلطاناً.. ماذا أفعل الآن يا سراج؟! لا بد أنْ توقظني من النوم حتى يزول الكابوس!
مصرّم : نعم عليك أنْ تستيقظ يا كركوز.. غادر المدينة حالاً وانج بجلدك
كركوز : ولكن كيف حدث كل ذلك!! كيف تطورت الأمور حتى أصبح هؤلاء سادة المدينة؟!
مصرّم : ماذا ينفع أنْ تعرف أو لا تعرف.. كل شيء قد انتهى.. وليس بيد أحد أنْ يفعل شيئاً.. لقد مرّ كل شيء كالبرق الخاطف!
كركوز : ولكنني يجب أنْ أعرف ماذا حلّ بسلطاننا العادل والقاضي والوزير..
مصرّم : هيّا غادر المدينة.. قبل أنْ يكتشفوا أمرك.. وأخشى أنْ سكران قد عرفك.. فهو كما تعلم من نسل ابليس!
كركوز : أي نجاة للجسد، إذا بقيت روحي معذبة!
سراج : يا سيدي كركوز، اسمع نصيحة صديقك، وهيّا نغادر المدينة.. سنعود إلى جزيرتنا. تذكرْ يا سيدي كم أحبك الناس هناك، وكمْ أحببتهم. كنت لنا أخاً وكنا لك أهلاً!
كركوز : والله يا سراج لن تغنيني كنوز الدنيا عن مدينتي. هنا أهلي وأرضي وحبي. في كل حبة عرق بذلتها كنتُ أرى مدينتي تقترب مني أكثر.. ولكنني الآن أحسُّ بالغربة وأنا في مدينتي التي أعشقها!
مصرّم : ما عليك إلا أن تعود من حيث أتيت
كركوز : حتى لو قررت الرحيل فلن أغادر المدينة قبل أنْ يعرف الناس الحقيقة. أريدهم أنْ يعرفوا أنني ما زلت حياً وأنني أمين مخلص لا يمكن أنْ أكون لصاً.. يجب أنْ أثبت براءتي.
مصرّم : وهل تعتقد يا أخي كركوز أنّ بكري سيمهلك حتى تعرض الحقيقة على أهل المدينة؟ أنت واهم يا أخي.
كركوز : سيساعدني صديقي عيواظ.. أو عمي حنبوج.
مصرّم : بعد كل ذلك، وتقول عمي حنبوج! ما أعجبك يا أخي! وما أشدّ هذا الحب الذي يقبض على قلبك!
كركوز : يجب أنْ تعرف ست الحسن الحقيقة
مصرّم : اسمع يا اخي كركوز.. ست الحسن لا ترى أحداً ولا يراها أحد. حين أكتشفتُ أن بكري هو السارق انطلقت إلى معلمي حنبوج. قلت له: أنا رأيت صندوقك المسروق في قصر بكري. كان ذلك مصادفة. وذكرت لمعلمي أوصاف الصندوق بدقة، فماذا كانت النتيجة؟!
كركوز : ألم يصدقك عمي حنبوج؟
مصرّم : يا أخي، بكري قائد الشرطة وهو زوج ست الحسن وحنبوج هو وزير بيت المال، وبينهما من المصالح والأسرار أكثر مما في البحار المجهولة.
كركوز : لماذا لم تذهب إلى القاضي.. أو السلطان نفسه؟!
مصرّم : القاضي سمع القصة وهزّ راسه ولم يفعل شيئاً. وكان قد أصدر حكماً عليك وانتهى الأمر. وأخوك عيواظ لم يعد يهمه من الدنيا إلاّ إرضاء زوجته الغناجة، وهو لا يقابل أحداً إلاّ نادراً.
كركوز : الغناجة زوجة عيواظ! يا ويلي.. يا ويلي!! تقول الغناجة! هذه هي عجائب الدنيا السبع!
مصرّم : ألقوني في السجن بتهمة الاشتراك معك في السرقة ومساعدة اللص كركوز على دخول بيت حنبوج. التهمة واضحة
"يدخل إلى المسرح أطفال ورجال ونساء يحملون الأعلام والصناديق، وهم يغنون ويرقصون.
كركوز : هل اليوم عيد من أعياد المدينة
مصرّم : (يضحك) لا. يا صديقي. هم ذاهبون لتهنئة السلطانة الغناجة بعيد ميلادها
كركوز : وما دخل العامة بعيد ميلاد الغناجة، أقصد السلطانة!
مصرّم : يجب أنْ يباركوا لها يوم مولدها العظيم.. هل يحملون الهدايا معهم!
كركوز : يحملون صناديق صغيرة
مصرّم : السلطانة تحب الجواهر.. اللآلى الثمينة.. وهؤلاء اكثرهم صيادون.. وهم يضعون هداياهم في الصناديق
(يقوم الرجال بالرقص والغناء ثم يخرجون رويداً رويداً)
كركوز : شيء جميل.. ثياب جديدة وأعلام وغناء ورقص! لم تكن مدينتنا تعرف هذه المظاهر.. ولكن لماذ لا يحتفلون بعيد ميلاد ست الحسن. إنها أجمل وأصغر و..
مصرّم : دعك من هذا واسمعني.. افتح أذنيك.. سيكون مصيرك أسوأ من مصيري.. لقد تمنيت وأنا في السجن ألاّ أعيش أكثر.. حتى لا يطول عذابي تمنيت لو أنّ اللّه خلقني حشرة بل حيواناً صغيراً.. في السجن المعتم فقدت بصري.. وها أنت ترى أية حال وصلت إليها.
كركوز : آه يا صديقي المخلص! لقد تحملت من أجلي العذاب، وعليّ أن أعوض عن كل ما فاتك.. افتح الكيس يا سراج وأخرج صرة من الليرات لأخي مصرّم.
مصرّم : لا. لا. يا أخي كركوز.. لا أريد شيئاً سوى أن تنجو بنفسك، وهذا ما يريحني.. دع ليراتك في الكيس فأمامك أيام سوداء!
كركوز : ما أتعسني، وأنا أرى صديق العمر متسولاً" آه ليتني لم أسافر! ليتني سمعت نصيحة الحكيم (أبي فانوس). ولكن فورة الحب وطيش الشباب استحوذ على قلبي الملعون.
أقسم لك يا ست الحسن إن نار الشوق التي تشتعل في صدري وأنا في الغربة كانت سلوتي وعزائي. ولم أصدق نفسي وأنا أدخل المدينة أنني عائد إلى حبيبتي مزهواً بحبي وإخلاصي! يا إلهي! ماذا أفعل الآن
(يلطم خده) ماذا أفعل؟!
سراج : ارفق بنفسك يا سيدي كفاك لطما، فواللّه إن حالك تدمي قلبي.. ولكنني لا أعرف ماذا أفعل من أجلك.. لقد أحببتك يا سيدي، ويعلم اللّه أنني لا أبخل بروحي من أجل انقاذ نفسك من هذا العذاب. مرني يا سيدي ماذا أفعل لأساعدك. لا أستطيع أن أقف متفرجاً!
مصرّم : هنيئاً لك يا كركوز بهذا التابع المخلص.. في زمن خان فيه الصديق صديقه..
كركوز : هذا الشيخ القادم إلينا أعرفه؟ من؟
(يظهر الحكيم أبو فانوس يسير ببطء وهو يحمل فانوسه)
كركوز : يا اللّه هذا شيخي أبو فانوس! مرحباً بك يا شيخي جئت في الوقت المناسب.. أنا بحاجة إليك يا شيخي.. أنت كما أنت! لم تغيرك الأيام.. يا اللّه. إن فرحتي بلقائك لا تقدر! ألم تعرفني يا شيخي؟! أنا كركوز.. كركوز صديق عيواظ.. أنا سافرت إلى جزيرة القرود من أجل مهر ست الحسن،
لا يمكن أن تنساني!
مصرّم : شيخنا أبو فانوس لم يعد يتكلم.. إنه يطوف، ويطوف دون أن يقول حرفاً
كركوز : ولكنني بحاجة إليه يا أخي مصرّم.. مرحباً بشيخي العزيز، هات يدك لأقبلها.. لماذا ترفض أن تعطيني يدك؟! سامحني يا شيخي.. أنا مثلك لا أصدق كل ما حدث في هذه المدينة.. أنا ركبت رأسي ونفيت نفسي عشر سنوات لأعود فأرى كل شيء طار من يدي.. أنا خسرت كل شيء. أرشدني يا شيخي. ماذا أفعل الآن؟ قل كلمة واحدة أرجوك!
مصرّم : افعل ما قلته لك أكثر من مرة لتكون الرابح في النهاية.. غادر هذه المدينة حالاً
كركوز : اسكت يا مصرّم. وليتحدث هذا العقل الناضج. أعترف لك يا شيخي أنني أملك عقل عصفور بل إنني الآن فارغ الرأس. أحس وكأنني معلق من عرقوبي في الفضاء. في الأسفل بركة من الزيت المغلي.. وهناك من يشحذ السكين ليقطع الحبل. أرجوك يا شيخي تكلم.
سراج : سألتك باللّه يا سيدي كركوز أنْ تنجو بنفسك، ولنبدأ الآن رحلة العودة
مصرّم : أحسنت أيها التابع.
كركوز : تريدني أنْ أهرب؟
مصرّم : بل أريد لك النجاة.. النجاة من المصير الأسود
كركوز : لا أستطيع (يمسك يد أبو فانوس) أتوسل إليك يا شيخي دلني على الطريق هات أقبلْ يدك.. لست قادراً على المواجهة وحدي يا شيخي. نعم، أنا خيبت ظنك في الماضي. ولكنني قد أفلح في ما هو آت. أجبني يا شيخي، برأسك، بعينيك، بيديك، اكتب لي سطراً على الورق. أنت حكيمنا العاقل. لا أصدق أنك تتخلى عني وأنا في هذه المحنة!
(يتابع أبو فانوس طريقه هادئاً صامتاً، يهز فانوسه)
سراج : هيّا يا سيدي كركوز.. أصبح كلّ شيء واضحاً
كركوز : لا. لن أرحل. لن أهرب، وليكنْ ما يكون. ولن يكون أسوأ مما أنا فيه.. اسمع يا مصرّم.. قلْ لي إن كل ما حكيته لي مزاح. أو كذبة بيضاء..
مصرّم : أعانك اللّه يا أخي كركوز، وشفاك من هذا الحب
كركوز : كيف تريد مني أن أنسى حباً دام سنوات طويلة في لحظات سريعة. هكذا كما يغسل الإنسان يديه بالماء والصابون.
سراج : إنْ شئت يا سيدي كركوز أنْ تتابع الطريق إلى نهايته فأنا معك، ولن أتخلى عنك.
كركوز : هيّا بنا يا سراج.. سأثبت براءتي أمام أهل المدينة كلهم. وسأقابل ست الحسن وصديقي عيواظ..
مصرّم : إذاً، تعال معي يا أخي كركوز.. سأدلك على حارس موثوق يُدخلك إلى قصر بكري لتقابل ست الحسن.. واحذر. فالحراسة مشددة، والعيون مبثوثة وأتمنى أنْ يحالفك الحظ.. وإلاّ فنهايتك محزنة!!
كركوز : وأنا لن أنسى لك هذا الصنيع.. هيّا يا سراج
مصرّم : براءَتُك ستكلفك الكثير يا أخي كركوز.
(يخرجون من الطرف الأيمن)
كركوز : ياللعار! ياللعار! أيتها المسكينة الشقية! يا للفضيحة! أمي تدفن نفسها حية!!
مصرّم : نامت في أحد القبور.. ولم تظهر بعد ذلك.. لاتبك يا أخي كركوز. فالبكاء لن يعيد الأموات.
كركوز : هذا أول ثمن أدفعه لحصولي على الذهب.. راحت الأرض!. راحت الأم!
مصرّم : والذهب في يديك لن ينفعك لأنك عدت متأخراً!
كركوز : ما الذي ينفعني في هذه المدينة. كأنني أرى مدينة غريبة عني. ماذا أفعل الآن؟!
مصرّم : اهرب ياكركوز.. اخرج من المدينة قبل أن تكتمل المأساة!
كركوز : ولكن لماذا لم يفعل صديقي عيواظ شيئاً من أجل أمي؟!
مصرّم : لأن عيواظ صار صديقاً عزيزاً لحنبوج.
كركوز : أية مفاجآت تتوالى! لم أعد أحتمل يامصرّم. كفى باللّه عليك! خرجت من المدينة وقلبي مطمئن. كنت واثقاً من أن صديقي عيواظ سيقف إلى جانب أمي. آخ ياعيواظ! تخون الصداقة والعشرة الطيبة وتتآمر مع حنبوج!
مصرّم : كل شيء تبدل في المدينة. ماحدث فيها يشبه الأساطير! أو حكايا ألف ليلة وليلة!
كركوز : سأدفن أحزاني الآن في صدري، وأدخل قصر حنبوج، فأقدم مهر ست الحسن ألفي ليرة ذهبية. سأتظاهر بالسعادة. وإن كان هذا صعباً.. وعندما يرى حنبوج الليرات الذهبية ستكون ضحكته إلى أذنيه. ويقبلني. ويدعوني إلى العشاء. ويقدمني إلى أصدقائه التجار صهراً غالياً غنياً!
مصرّم : مسكين! أنت مسكين يا أخي كركوز، وتستحق أن أرثي حالك. فالحب الذي تبحث عنه انتهى ورحل معك في المركب!
كركوز : ماذا تقول أيها المخادع! أتغار مني لأنك لاتملك آلاف الليرات الذهبية مثلي؟! افتح الكيس ياسراج واترك أخي مصرّم يمتع عينيه بالذهب البراق!
مصرّم : ولكنني يا أخي كركوز أعمى كما ترى!
كركوز : إذاً مدّ يدك إلى الكيس وتلّمس نعومة الليرات. اسمع صوت قرقعتها.. إنّه أجمل من صوت البلابل!
مصرّم : لاتغضب مني يا أخي كركوز، لأنك لو عرفت الحقيقة كلّها ستعضُّ أصابعك ندماً.
كركوز : بل سأعضّ أذنيك، وأقضم لسانك..
مصرّم : لا يا أخي كركوز، لايمكن أنْ تكون فظاً مع أخيك مصرّم الذي فقد بصره من أجلك..
كركوز : وماعلاقة بصرك بحبي وغربتي.
مصرّم : من أجلك يا أخي كركوز صرت أعمى.. نعم.. ألا تصدقني؟!
كركوز : من أجلي أنا؟!
مصرّم : نعم.. لأنني دافعت عنك.. أحببت فيك الطيبة والحب الصافي. وكنت أتمنى أنْ أملك مثل هذا الحب، وهذه الروح المتفانية.. والآن أرى نهاية المأساة أمامي..
كركوز : ماهذه الألغاز يامصرّم؟! فأنا لازلت أهيم بذكر ست الحسن، وفي صدري حبٌ يساوي أضعافاً مضاعفةً لما كنت عليه يوم سفري.
مصرّم : بلْ حبك مات ودفن ليلة سفرك.. بعد عام من رحيلك تزّوج بكري مصطفى "ست الحسن"..
كركوز : أنت تكذب.. لابد أنك أصبت بالجنون.. ست الحسن زوجة بكري قاطع الطريق والنصاب والقوّاد.. يا إلهي!! ست الحسن لاتفعل ذلك. اقرصني يا سراج لم أعد احتمل. هيّا أخرج مسّلةً وانخزني بها (يصرخ) ست الحسن زوجة اللص بكري مصطفى.. ماذا حدث في هذه الأرض!
مصرّم : اخفض صوتك.. ولا تصرخ كالمسعور، فقد يسمعك واحدٌ من رجاله.
كركوز : لتسمع الدنيا كلها.. وليرتفع صوتي إلى الشمس.. أنا لا أخاف أحداً..
مصرّم : ستُهلك نفسك يا أخي كركوز.. فيد بكري اليوم قوية وطويلة.. إنه قائد شرطة المدينة.
كركوز : اصمتْ يامصرّم.. اصمتْ، حتى لايظنك الناس هارباً من البيمارستان.. أنت فقدت بصرك وفقدك عقلك.. مسكين يا أخي مصرم، ماذا فعلت بك الأيام؟! (يلمس رأس مصرّم) آه! يا أخي مصرّم، أنت محموم! هل معك يا سراج مسحوق الكينا.. هذا دواء شافٍ يا أخي مصرّم يستعملونه في جزيرة القرود.. يصنعون منه شراباً عجيباً.
مصرّم : لايا أخي كركوز.. أنا بخير.. أنا لست محموماً، أنا عاقل، وعقلك يا أخي كركوز لايقبل الحقائق.
كركوز : (يمسك بمصرّم) قلْ لي كيف تزوج بكري ست الحسن. قلْ إنك تكذب وسأسامحك.. قلْ أرجوك..
مصرّم : شهد الله أنني أقول الحق.. ولولا إلحاحك لما أخبرتك شيئاً.. اسمع أصوات طبول الحرس السلطاني!.. إنهم قادمون إلينا!
كركوز : أنت تحكم عليّ بالموت.. تخرج روحي من صدري!
(يظهر سكران في الطرف الأيسر وهو يغني).
مصرّم : في ليلة رحيلك، دخل بكري إلى قصر حنبوج من الممر السري، وسرق صندوق ذهبه، وهرب. وعاد بعدها واتهمك بالسرقة وشهد بأنك حملت معك الصندوق وركبت المركب.. الناس كلهم صدقوا الحكاية.. وشاع في المدينة بعد مدة أنك غرقت في البحر! وصدق الناس الحكاية. ثم قدّم بكري المال المسروق مهراً لست الحسن. ثلاثة آلاف ليرة ذهبية.. وأخذها حنبوج سعيداً.. أفهمت الآن. أم تريد أن أعيد!
كركوز : ما أتعسني! ما أتعسني وما أغباني! الرجل الذي استغل معرفتي لبيت حنبوج كان لصاً. ادعّى أنه صديق قديم يريد أنْ يفاجئ صديقه. أنا صدّقته. أنا لا أستطيع إلاّ أن أصدق ماأسمع.. هذا عيبي. هذه فضيلتي، لا أدري!
مصرّم : بكري أعطى أوصافاً دقيقةً للصندوق فصدّقه الناس، وأنا أيضاً شهدت يا أخي كركوز. وليسامحني اللّه. شهدت بأنك تعرف الممر السري..
كركوز : حتى أنت يامصرّم!
مصرّم : وست الحسن شهدت أنك قلت لها ليلة وداعها! إنَّ مفاجأة كبيرة تنتظر والدها حنبوج في الداخل..
كركوز : وست الحسن شهدت ضدي!
مصرّم : لم تشهد ضدك، ولكنها اعترفت بأنها كانت تُدخلك إلى القصر من الممر السري لتقابلها في غياب والدها!
كركوز : يا رأسي.. يارأسي! اضربني ياسراج.. اضربني بقوة..
سراج : كان اللّه في عونك ياسيدي.. أنت الآن في امتحان صعب!
(يقترب سكران وهو يغني).
سكران : ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار.. (يضحك) كل شيء مفهوم.. أم عمرو لم ترجع.! ولكن المتقف المسكين لم يرجع إلى الآن! لماذا؟!
كركوز : يجب أنْ تعرف ست الحسن الحقيقة. رحلتُ إلى أقاصي الدنيا من أجلها، و حين أعود أراها زوجةً لأسوأ رجل في المدينة!!
سكران : ماذا تفعل هنا يا مصرّم.. عجيب! قبل قليل رأيتك في الشارع المجاور.. عجيب! ولكن الذي رأيته هناك كان مبصراً.. لعنة اللّه على السكر.. يريك الرجل رجلين.. ولكنني لا أرى الدرهم درهمين في يدي.. (يضحك).
مصرّم : اتركني ياسكران.. أنا لاأستطيع التفاهم مع العقلاء.. فكيف مع السكارى!
سكران : لا.. لا.. يامصرّم! سأغضب منك وأشكوك للمصرّم الذي رأيته هناك.. أيُّ حظ لي! أراك مرتين.. وأنت لاتراني..
كركوز : هيا يا أخي اتركنا مع همّنا.
سركان : (يضحك) عجيب! وهل أنا أمسك بك يارجل! الشارع لي ولك.. أنا أقف أمشي. أقف أمشي كما أريد وحين أريد النوم أقعد على الأرض وأتمدد.. و أنا.. ثم أجد نفسي صباحاً في السجن.. ستقول هذا رجل متشرد.
مصرّم : دعنا ياسكران..
سكران : لوكان معي طبل.. طبل كبير.. لوقفت مع جنود السلطان وطبّلت.. اسمع صوت الطبل من هنا.. أنا أحب الطبول دُمْ.. دُمْ.. دُمْ.. (يقع ويقوم).
كركوز : مامعنى أن يتغير كلّ شيء في المدينة.. ويبقى "سكران" يجوب شوارع المدينة!! قلْ يامصرّم!
مصرّم : فات أوان القول.. فست الحسن الآن زوجة قائد الشرطة وأنت تعلم ماذا يعني ذلك!
كركوز : قصة غير معقولة.. غير معقول.!
سكران : (من بعيد) دُمْ.. دُمْ.. دُمْ دُم.. يحيا السلطان. دُمْ دُمْ.. دُمْ دُم.. يحيا السلطان.
مصرّم : تنح عن الطريق ياكركوز، سيمرّ حراس السلطان.. وهم لايتورعون عن ضرب المارة بالسوط.
(تقترب أصوات الطبول.. ثم تدخل من الطرف الأيسر مجموعة من الحراس.. ويسير في وسطهم قائد الحرس السلطاني..)
كركوز : لماذا كلُ هذا الحذر.. فنحن نقف ملتصقين بالجدار.؟ فلماذا يضربوننا.؟
مصرّم : حتى نظل ملتصقين بالجدار.. حتى يبقى الخوف سارياً في عروقنا فترة أطول بعد مرور الموكب.. اصمت الآن واحنِ رأسك فقد يعرفك أحد الحراس..
(يحنون رؤوسهم حين مرور الموكب، ويقوم حارس بضرب سراج على قدميه..)
سراج : (بعد قليل) ماهذه المدينة العجيبة ياسيدي.. أنا لم أفعل شيئاً، ووقفت كالشجرة اليابسة فلماذا ضربني الحارس؟!
كركوز : كأنني رأيت وجه قائد الحرس قبل الآن! ولكن.. لا. غير معقول.. لابد أنني في حالة من الخبل.. هذا تفكير مضحك!
مصرّم : لاتضحك، ولاتسخر.. بل قل هو ذاته!!
كركوز : المدلل!!
سكران : (وهو يلحق بالحرس) دمْ دمْ دمْ دمْ عاش الس.. السل السجن.. دم.. دمْ دمْ دمْ عاش السّجان.. السلطان.
كركوز : يا إلهي! المدلل.. المدلل ذاته!!
مصرّم : المدلل صبي المطحنة المخنث.. الخليع.. عاشق الغناجة!
كركوز : ما حدث في هذه المدينة أكبر من رأسي.. المدلل، قائد الحرس السلطاني! أهون عليّ أنْ أصدق أنّ المتقف تعلّم القراءة والكتابة من أنْ أسمع أنّ "المدلل" من رجال السلطان!
مصرّم : ولو عرفت من هو السلطان لسقطت مغشياً عليك!
كركوز : ليكنْ مَنْ يكون.. لا بد أنه رجلٌ تافه مثل قائد حرسه!
مصرّم : بل هو صديقك المخلص عيواظ..
كركوز : آ..آ..آ.. (يدور حول نفسه)
مصرّم : صديقك الآن هو السلطان عيواظ
كركوز : (يدور) عيواظ.. يا عيواظ (كأنه يغني) يا سلطان ويا سلطان ويا عيواظ، ويا عيواظ.. يا سلطان السلاطين، يا عيواظ ويا مسكين (يقف ويصرخ) سراج.. سراج لماذا تقف جامداً.. هيّا اركلني بقدمك.. اقرصني.. أخرجْ سكيناً.. لا ساطوراً. واقطع اصبعي من يدي.. الابهام.. أكبر الأصابع.. اقطع الابهامين أهون عليّ أنْ أعيش بلا ابهامين من أنْ أعيش بلا عقل.
سراج : لا تفعل بنفسك هذا يا سيدي! فأنت أعقل العقلاء.
كركوز : من المؤكد أنني أعيش كابوساً.. نعم كابوسٌ مزدوج سينقضي. شيء رائع أن أعرف أنني نائم وأرى كابوساً (يضحك) عيواظ سلطان. وبكري رئيس الشرطة. ومدلل قائد الحرس!
مصرّم : ونسيت عمك حنبوج.
كركوز : مسكين عمي حنبوج..
مصرّم : مسكينٌ جداً، فقد عينّه السلطان عيواظ وزير المال
كركوز : هذا كابوس جديد!! اكتملت الحكاية!! كفى بالله عليك يا أخي مصرّم! تريد أنْ تختصر لي عشر سنوات في ربع ساعة، حرام عليك! حرام!
مصرّم : أنت طلبت مني أنْ أفصّل الحقائق!
كركوز : اللص صار شرطياً، والتاجر المحتكر وزير بيت المال، والصبي المخنث صار قائداً.. قائداً للحرس.. وعيواظ صاحب المطحنة. عيواظ الصديق الطيب الذي شهد العهد بيني وبين حنبوج.. صار سلطاناً.. ماذا أفعل الآن يا سراج؟! لا بد أنْ توقظني من النوم حتى يزول الكابوس!
مصرّم : نعم عليك أنْ تستيقظ يا كركوز.. غادر المدينة حالاً وانج بجلدك
كركوز : ولكن كيف حدث كل ذلك!! كيف تطورت الأمور حتى أصبح هؤلاء سادة المدينة؟!
مصرّم : ماذا ينفع أنْ تعرف أو لا تعرف.. كل شيء قد انتهى.. وليس بيد أحد أنْ يفعل شيئاً.. لقد مرّ كل شيء كالبرق الخاطف!
كركوز : ولكنني يجب أنْ أعرف ماذا حلّ بسلطاننا العادل والقاضي والوزير..
مصرّم : هيّا غادر المدينة.. قبل أنْ يكتشفوا أمرك.. وأخشى أنْ سكران قد عرفك.. فهو كما تعلم من نسل ابليس!
كركوز : أي نجاة للجسد، إذا بقيت روحي معذبة!
سراج : يا سيدي كركوز، اسمع نصيحة صديقك، وهيّا نغادر المدينة.. سنعود إلى جزيرتنا. تذكرْ يا سيدي كم أحبك الناس هناك، وكمْ أحببتهم. كنت لنا أخاً وكنا لك أهلاً!
كركوز : والله يا سراج لن تغنيني كنوز الدنيا عن مدينتي. هنا أهلي وأرضي وحبي. في كل حبة عرق بذلتها كنتُ أرى مدينتي تقترب مني أكثر.. ولكنني الآن أحسُّ بالغربة وأنا في مدينتي التي أعشقها!
مصرّم : ما عليك إلا أن تعود من حيث أتيت
كركوز : حتى لو قررت الرحيل فلن أغادر المدينة قبل أنْ يعرف الناس الحقيقة. أريدهم أنْ يعرفوا أنني ما زلت حياً وأنني أمين مخلص لا يمكن أنْ أكون لصاً.. يجب أنْ أثبت براءتي.
مصرّم : وهل تعتقد يا أخي كركوز أنّ بكري سيمهلك حتى تعرض الحقيقة على أهل المدينة؟ أنت واهم يا أخي.
كركوز : سيساعدني صديقي عيواظ.. أو عمي حنبوج.
مصرّم : بعد كل ذلك، وتقول عمي حنبوج! ما أعجبك يا أخي! وما أشدّ هذا الحب الذي يقبض على قلبك!
كركوز : يجب أنْ تعرف ست الحسن الحقيقة
مصرّم : اسمع يا اخي كركوز.. ست الحسن لا ترى أحداً ولا يراها أحد. حين أكتشفتُ أن بكري هو السارق انطلقت إلى معلمي حنبوج. قلت له: أنا رأيت صندوقك المسروق في قصر بكري. كان ذلك مصادفة. وذكرت لمعلمي أوصاف الصندوق بدقة، فماذا كانت النتيجة؟!
كركوز : ألم يصدقك عمي حنبوج؟
مصرّم : يا أخي، بكري قائد الشرطة وهو زوج ست الحسن وحنبوج هو وزير بيت المال، وبينهما من المصالح والأسرار أكثر مما في البحار المجهولة.
كركوز : لماذا لم تذهب إلى القاضي.. أو السلطان نفسه؟!
مصرّم : القاضي سمع القصة وهزّ راسه ولم يفعل شيئاً. وكان قد أصدر حكماً عليك وانتهى الأمر. وأخوك عيواظ لم يعد يهمه من الدنيا إلاّ إرضاء زوجته الغناجة، وهو لا يقابل أحداً إلاّ نادراً.
كركوز : الغناجة زوجة عيواظ! يا ويلي.. يا ويلي!! تقول الغناجة! هذه هي عجائب الدنيا السبع!
مصرّم : ألقوني في السجن بتهمة الاشتراك معك في السرقة ومساعدة اللص كركوز على دخول بيت حنبوج. التهمة واضحة
"يدخل إلى المسرح أطفال ورجال ونساء يحملون الأعلام والصناديق، وهم يغنون ويرقصون.
كركوز : هل اليوم عيد من أعياد المدينة
مصرّم : (يضحك) لا. يا صديقي. هم ذاهبون لتهنئة السلطانة الغناجة بعيد ميلادها
كركوز : وما دخل العامة بعيد ميلاد الغناجة، أقصد السلطانة!
مصرّم : يجب أنْ يباركوا لها يوم مولدها العظيم.. هل يحملون الهدايا معهم!
كركوز : يحملون صناديق صغيرة
مصرّم : السلطانة تحب الجواهر.. اللآلى الثمينة.. وهؤلاء اكثرهم صيادون.. وهم يضعون هداياهم في الصناديق
(يقوم الرجال بالرقص والغناء ثم يخرجون رويداً رويداً)
كركوز : شيء جميل.. ثياب جديدة وأعلام وغناء ورقص! لم تكن مدينتنا تعرف هذه المظاهر.. ولكن لماذ لا يحتفلون بعيد ميلاد ست الحسن. إنها أجمل وأصغر و..
مصرّم : دعك من هذا واسمعني.. افتح أذنيك.. سيكون مصيرك أسوأ من مصيري.. لقد تمنيت وأنا في السجن ألاّ أعيش أكثر.. حتى لا يطول عذابي تمنيت لو أنّ اللّه خلقني حشرة بل حيواناً صغيراً.. في السجن المعتم فقدت بصري.. وها أنت ترى أية حال وصلت إليها.
كركوز : آه يا صديقي المخلص! لقد تحملت من أجلي العذاب، وعليّ أن أعوض عن كل ما فاتك.. افتح الكيس يا سراج وأخرج صرة من الليرات لأخي مصرّم.
مصرّم : لا. لا. يا أخي كركوز.. لا أريد شيئاً سوى أن تنجو بنفسك، وهذا ما يريحني.. دع ليراتك في الكيس فأمامك أيام سوداء!
كركوز : ما أتعسني، وأنا أرى صديق العمر متسولاً" آه ليتني لم أسافر! ليتني سمعت نصيحة الحكيم (أبي فانوس). ولكن فورة الحب وطيش الشباب استحوذ على قلبي الملعون.
أقسم لك يا ست الحسن إن نار الشوق التي تشتعل في صدري وأنا في الغربة كانت سلوتي وعزائي. ولم أصدق نفسي وأنا أدخل المدينة أنني عائد إلى حبيبتي مزهواً بحبي وإخلاصي! يا إلهي! ماذا أفعل الآن
(يلطم خده) ماذا أفعل؟!
سراج : ارفق بنفسك يا سيدي كفاك لطما، فواللّه إن حالك تدمي قلبي.. ولكنني لا أعرف ماذا أفعل من أجلك.. لقد أحببتك يا سيدي، ويعلم اللّه أنني لا أبخل بروحي من أجل انقاذ نفسك من هذا العذاب. مرني يا سيدي ماذا أفعل لأساعدك. لا أستطيع أن أقف متفرجاً!
مصرّم : هنيئاً لك يا كركوز بهذا التابع المخلص.. في زمن خان فيه الصديق صديقه..
كركوز : هذا الشيخ القادم إلينا أعرفه؟ من؟
(يظهر الحكيم أبو فانوس يسير ببطء وهو يحمل فانوسه)
كركوز : يا اللّه هذا شيخي أبو فانوس! مرحباً بك يا شيخي جئت في الوقت المناسب.. أنا بحاجة إليك يا شيخي.. أنت كما أنت! لم تغيرك الأيام.. يا اللّه. إن فرحتي بلقائك لا تقدر! ألم تعرفني يا شيخي؟! أنا كركوز.. كركوز صديق عيواظ.. أنا سافرت إلى جزيرة القرود من أجل مهر ست الحسن،
لا يمكن أن تنساني!
مصرّم : شيخنا أبو فانوس لم يعد يتكلم.. إنه يطوف، ويطوف دون أن يقول حرفاً
كركوز : ولكنني بحاجة إليه يا أخي مصرّم.. مرحباً بشيخي العزيز، هات يدك لأقبلها.. لماذا ترفض أن تعطيني يدك؟! سامحني يا شيخي.. أنا مثلك لا أصدق كل ما حدث في هذه المدينة.. أنا ركبت رأسي ونفيت نفسي عشر سنوات لأعود فأرى كل شيء طار من يدي.. أنا خسرت كل شيء. أرشدني يا شيخي. ماذا أفعل الآن؟ قل كلمة واحدة أرجوك!
مصرّم : افعل ما قلته لك أكثر من مرة لتكون الرابح في النهاية.. غادر هذه المدينة حالاً
كركوز : اسكت يا مصرّم. وليتحدث هذا العقل الناضج. أعترف لك يا شيخي أنني أملك عقل عصفور بل إنني الآن فارغ الرأس. أحس وكأنني معلق من عرقوبي في الفضاء. في الأسفل بركة من الزيت المغلي.. وهناك من يشحذ السكين ليقطع الحبل. أرجوك يا شيخي تكلم.
سراج : سألتك باللّه يا سيدي كركوز أنْ تنجو بنفسك، ولنبدأ الآن رحلة العودة
مصرّم : أحسنت أيها التابع.
كركوز : تريدني أنْ أهرب؟
مصرّم : بل أريد لك النجاة.. النجاة من المصير الأسود
كركوز : لا أستطيع (يمسك يد أبو فانوس) أتوسل إليك يا شيخي دلني على الطريق هات أقبلْ يدك.. لست قادراً على المواجهة وحدي يا شيخي. نعم، أنا خيبت ظنك في الماضي. ولكنني قد أفلح في ما هو آت. أجبني يا شيخي، برأسك، بعينيك، بيديك، اكتب لي سطراً على الورق. أنت حكيمنا العاقل. لا أصدق أنك تتخلى عني وأنا في هذه المحنة!
(يتابع أبو فانوس طريقه هادئاً صامتاً، يهز فانوسه)
سراج : هيّا يا سيدي كركوز.. أصبح كلّ شيء واضحاً
كركوز : لا. لن أرحل. لن أهرب، وليكنْ ما يكون. ولن يكون أسوأ مما أنا فيه.. اسمع يا مصرّم.. قلْ لي إن كل ما حكيته لي مزاح. أو كذبة بيضاء..
مصرّم : أعانك اللّه يا أخي كركوز، وشفاك من هذا الحب
كركوز : كيف تريد مني أن أنسى حباً دام سنوات طويلة في لحظات سريعة. هكذا كما يغسل الإنسان يديه بالماء والصابون.
سراج : إنْ شئت يا سيدي كركوز أنْ تتابع الطريق إلى نهايته فأنا معك، ولن أتخلى عنك.
كركوز : هيّا بنا يا سراج.. سأثبت براءتي أمام أهل المدينة كلهم. وسأقابل ست الحسن وصديقي عيواظ..
مصرّم : إذاً، تعال معي يا أخي كركوز.. سأدلك على حارس موثوق يُدخلك إلى قصر بكري لتقابل ست الحسن.. واحذر. فالحراسة مشددة، والعيون مبثوثة وأتمنى أنْ يحالفك الحظ.. وإلاّ فنهايتك محزنة!!
كركوز : وأنا لن أنسى لك هذا الصنيع.. هيّا يا سراج
مصرّم : براءَتُك ستكلفك الكثير يا أخي كركوز.
(يخرجون من الطرف الأيمن)
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
المشهد الثاني
( السلطان في قصره مع بعض حاشيته )
الحاجب : مولاي السلطان، رجلٌ غريب يُلح على مقابلتك
السلطان : في مثل هذه الساعة من الليل؟!
الحاجب : إنّه يدّعي أنْ أمراً هاماً دفعه إلى طلب المقابلة
السلطان : دعه ينتظر حتى الصباح
الحاجب : أعلم يا مولاي أنّ السلطانة (الغناجة) تنتظرك منذ ساعة تقريباً، ولكنّ الرجل الغريب يدّعي أنه صديق قديم وأنّك ستسعد بلقائه
السلطان : صديق قديم.. عجيب! دعه يدخل (يهمس) صديق قديم أرجو ألاّ يصدق حدسي، ويصح الحلم الذي رأيته منذ يومين
(يختفي الحاجب ثم يعود مسرعاً وهو يقود خلفه كركوز)
الحاجب : قف هنا أيها الرجل، ولا تقترب أكثر من مولاي.. هيا انحنِ للسلطان.. انحنِ يا رجل.
كركوز : (ينقـضّ على رأس السلطان) صديقي عيواظ.. كم أنا في شوق إليك.. هات رأسك أقبله..
الحاجب : ابتعد عن مولاي، وخاطبه باحترام.. تأدّب أيها الغريب.
السلطان : (متجاهلاً) ماذا تريد أيها الرجل الغريب
كركوز : أنا كركوز يا عيواظ.. صديقك القديم.. لا يمكن أنْ تنساني
السلطان : ليس مهماً أنْ أتذكر من أنت، قلْ ماذا تريد.. وانصرف
كركوز : أنا كركوز الذي سافر إلى جزيرة القرود.. من أجل ألف ليرة ذهبية؟
السلطان : قلْ يا رجل هل اعتدى أحد على تجارتك؟
كركوز : أرجوك يا سيدي، أطلب أنْ نكون وحدنا، لا أستطيع أنْ أفتح فمي وهؤلاء الحراس أكفهم على مقابض السيوف!
السلطان : أيها الحاجب، دعنا وحدنا.. وليخرج كل الحراس.
(يخرجون)
كركوز : أكاد أجن، ماذا حدث لهذه المدينة؟!
السلطان : صديقي كركوز الطيب! (يتعانقان) تعال اجلس بجانبي.. كيف أنت ومتى وصلت؟!
كركوز : ولكنك تظاهرت قبل قليل بأنك لا تعرفني.. بيني وبين الجنون شعرة واحدة!
السلطان : لا تضيّع الوقت يا كركوز.. كنت أحسب لهذا اليوم ألف حساب سنواجه معاً محنة كبرى!
كركوز : أنا لا أفهم شيئاً.. الحمد للّه أنني أحضرت معي (سراج) ليقرصني بين حين وآخر.
السلطان : ومن سراج الذي يقرصك، ولماذا؟
كركوز : تابع أمين احضرته معي من جزيرة القرود.. مخلص.. ومنذ وصولي إلى المدينة.. وأنا أطلب منه أنْ ينخزني بالمسلة أو يضربني أو يقرصني كي أتأكد أنني لا أعيش حلماً.
السلطان : يا كركوز.. غبت عشر سنوات، وعدت كما أنت.. الدنيا تغيّرت والمدينة تغيّرت..
كركوز : صديقي عيواظ سلطان، بكري قائد الشرطة، المدلل قائد الحرس، الغناجة زوجة السلطان، حنبوج وزير المال. كل هذا وتريد مني ألاّ أصحب معي تابعاً يقرصني؟ ولكن كيف حدث ذلك؟ الحكواتي لا يستطيع أن يُؤلف مثل هذه القصة لأن السامعين سوف يتهمونه بالجنون.
السلطان : لا وقت لدي لأشرح لك في دقيقة ما حدث في عشر سنوات حتى لو فعلت فإنك لن تستوعب ما جرى..
كركوز : كيف يقفز صاحب المطحنة ليكون سلطاناً؟
السلطان : ولِمَ أنت ثائر هكذا؟!! إنْ لم أكن أنا السلطان فسيكون رجلٌ غيري سلطاناً بعد كارثة الطاعون التي حلت بالمدينة وأخذت أكثر أهلها.. ومن بينهم سلطاننا العادل وأسرته، وزعماء المدينة وشريفها.. خلت الساحة.. وتسابق الناس إلى الكراسي.. وقد نسوا كارثة الطاعون ومن دفنت معها..
كركوز : والآخرون؟ من اختار هذه الحثالة لتتزعم المدينة؟!
السلطان : كل واحد منهم صعد بطريقته واستغلّ ظروف المدينة الصحيّة الصعبة.. واستغّل المجاعة التي حدثت.. وحاجة الأهالي إلى المال والطعام.. وفي مثل هذه الحالة يصعد النصابون والمحتالون ويتربعون على الكراسي..
كركوز : وأنت!! كيف تقودهم وتحكمهم؟ وهم يملكون القوة والمال!
السلطان : دعك من هذا الآن، واسمعني جيداً..
كركوز : أقبل كل شيء إلاّ أنْ تتزوج (الغناجة)!! الغناجة!!
السلطان : قلت لك يا كركوز لا وقت لدينا الآن للعتاب واللوم.. المدينة كلها تعرف أنك سرقت صندوق (حنبوج)..
كركوز : كذب.. وأنت تعلم أنني لا أفعل ذلك!
السلطان : المشكلة، كيف تُقنع مدينة بأسرها أنك بريء.. وقد أدانتك منذ عشر سنوات!!
كركوز : بصراحة.. السلطنة تليق بك.. من إدارة مطحنة مائية إلى كرسي السلطنة..
السلطان : يا كركوز افهمني.. لن يرحمك أحد.. أنا أعلم أنك فوق كل شبهة.. ولكن لو وقعت بين يديّ بكري فلن يرحمك أبداً!
كركوز : عجيب.. عجيب.. عجيب!! سلطان الزمان يخشى من لص حقير! حين كنت صاحب مطحنة كان بكري يحسب لك ألف حساب، والآن وأنت سلطان المدينة تخشى من سارق نصاب!!
السلطان : أنت الآن في نظر الجميع، لص هارب.. ولن يقنع أحدٌ أنك شاب طيب.. هذا لا يعني أحداً..
كركوز : وأنا أريد أن أقول الحقيقة.. وعليك أن تساعدني!
السلطان : ليس أمامك إلاّ أن تغادر المدينة فوراً وتنجو بجلدك ومالك.. اسمع نصيحة صديق لا يزال يحبك.
كركوز : وحبي الذي بعت من أجله عشر سنوات من عمري!! أتظنني كنت ألهو مع الفتيات في جزيرة القرود!؟
السلطان : اختر أحد أمرين إما الهرب وإما الاختفاء حتى يقضي الله أمراً!
كركوز : ويْ، ويْ، ويْ. هذا ما تقدمه لي أيها الصديق، الهرب؟!
(يدخل الحاجب متلهفاً)
الحاجب : مولاي السلطان.. سيدتي السلطانة قادمة إلى هنا غاضبة!
السلطان : (بصوت خافت) هيّا انصرف يا كركوز ستكون مصيبة عظمى لو عرفتك
كركوز : ولكننا لم نتفق على حلٍ لمشكلتي.
السلطان : أرجوك انصرف الآن.. وسأرسل رسولاً إليك لنلتقي مرة أخرى
(تدخل الغناجة مسرعة قبل أن ينصرف كركوز)
السلطان : (متصنعاً الغضب) قلت لك انصرف أيها الغريب.. فرجال السلطنة سوف يقبضون على اللصوص الذين اعترضوا طريق قافلتك.
كركوز : أشكرك يا مولاي.. ولي رجاء واحد فقط هو أن تكشفوا اللص الحقيقي قريباً فإن هذا يجعلني أنام قرير العين، ولن أنسى لكم ذلك ما حييت.
الغناجة : ما خطبك يا رجل، تشغل سلطان البلاد في هذه الساعة المتأخرة من الليل..
كركوز : عفوك مولاتي.. سمعت عن عدلكم في هذه المدينة وحسن معاملة الغرباء.. أهنئكم يا مولاتي.. لقد جبت الدنيا وعبرت الممالك البعيدة والقريبة فلم أرَ مثل عدلكم.
الغنّاجة : ما نعرفه أيها الغريب.. أنّ من يزور السلطان يُقدم له الهدايا الثمينة.. فماذا أحضرت لسيدك السلطان ولي؟!
كركوز : آه! ما أشد غبائي! وما أكبر جهلي! عذراً يا مولاتي فالمرء يتعلم في كل يوم درساً جديداً.
الغناجة : قلْ لي أيها الغريب.. أنت تتقن لهجة مدينتنا.. ومن يتقن لهجتنا يجب أنْ يكون منّا.. وأنت كما تدعي غريب عنّا؟!
كركوز : (مرتبكاً).. لن تصدقي.. إنْ قلت لك.. إنني حضرت إلى المدينة مع والدي التاجر (سقعان) أكثر من مرة.. وأقمنا طويلاً.. ولكن أقول لكم الحقيقة المدينة الآن في أبهى حلتها.. عليها سلطان قوي، وسلطانة حسناء..
الغناجة : هيّا انصرف أيها المراوغ
(ينحني كركوز وينصرف)
الغناجة : هذا الوجه ليس غريباً، ثم إن حركاته وكلماته تذكرني برجل أعرفه
السلطان : إنه يدعي أنه من جزيرة القرود.. وتلك جزيرة في أقصى الأرض
الغناجة : أغرب أيها الحاجب.. (للسلطان) أرسلت في طلبك مرتين، وأنت لا تأبه بي لم تعد تنفذ ما أريد!
السلطان : غناجة!!
الغناجة : السلطانة غناجة!
السلطان : السلطانة غناجة تريدني سلطاناً "عاجزاً" أمام الحاشية.. خاتماً في إصبعها كما يهمسون.. وأنا أرفض أن أكون شرابة خرج!
الغناجة : عليّ أن أذكرك دوماً "أنني فعلت المستحيل لينصبوك سلطاناً".
السلطان : ولعن الله ذلك اليوم الذي قبلت فيه أن أجلس على هذا الكرسي لأكون خادماً لأهواء امرأة!
الغناجة : عيواظ!.. لا تدعني أغضب منك.. ستلقى مني ما لا تحب!
السلطان : وأنا لا يهمني بعد الآن غضبك أو رضاك.. ألا تفهمين؟
(يخرج السلطان. تلحق به الغناجة ببطء)
( السلطان في قصره مع بعض حاشيته )
الحاجب : مولاي السلطان، رجلٌ غريب يُلح على مقابلتك
السلطان : في مثل هذه الساعة من الليل؟!
الحاجب : إنّه يدّعي أنْ أمراً هاماً دفعه إلى طلب المقابلة
السلطان : دعه ينتظر حتى الصباح
الحاجب : أعلم يا مولاي أنّ السلطانة (الغناجة) تنتظرك منذ ساعة تقريباً، ولكنّ الرجل الغريب يدّعي أنه صديق قديم وأنّك ستسعد بلقائه
السلطان : صديق قديم.. عجيب! دعه يدخل (يهمس) صديق قديم أرجو ألاّ يصدق حدسي، ويصح الحلم الذي رأيته منذ يومين
(يختفي الحاجب ثم يعود مسرعاً وهو يقود خلفه كركوز)
الحاجب : قف هنا أيها الرجل، ولا تقترب أكثر من مولاي.. هيا انحنِ للسلطان.. انحنِ يا رجل.
كركوز : (ينقـضّ على رأس السلطان) صديقي عيواظ.. كم أنا في شوق إليك.. هات رأسك أقبله..
الحاجب : ابتعد عن مولاي، وخاطبه باحترام.. تأدّب أيها الغريب.
السلطان : (متجاهلاً) ماذا تريد أيها الرجل الغريب
كركوز : أنا كركوز يا عيواظ.. صديقك القديم.. لا يمكن أنْ تنساني
السلطان : ليس مهماً أنْ أتذكر من أنت، قلْ ماذا تريد.. وانصرف
كركوز : أنا كركوز الذي سافر إلى جزيرة القرود.. من أجل ألف ليرة ذهبية؟
السلطان : قلْ يا رجل هل اعتدى أحد على تجارتك؟
كركوز : أرجوك يا سيدي، أطلب أنْ نكون وحدنا، لا أستطيع أنْ أفتح فمي وهؤلاء الحراس أكفهم على مقابض السيوف!
السلطان : أيها الحاجب، دعنا وحدنا.. وليخرج كل الحراس.
(يخرجون)
كركوز : أكاد أجن، ماذا حدث لهذه المدينة؟!
السلطان : صديقي كركوز الطيب! (يتعانقان) تعال اجلس بجانبي.. كيف أنت ومتى وصلت؟!
كركوز : ولكنك تظاهرت قبل قليل بأنك لا تعرفني.. بيني وبين الجنون شعرة واحدة!
السلطان : لا تضيّع الوقت يا كركوز.. كنت أحسب لهذا اليوم ألف حساب سنواجه معاً محنة كبرى!
كركوز : أنا لا أفهم شيئاً.. الحمد للّه أنني أحضرت معي (سراج) ليقرصني بين حين وآخر.
السلطان : ومن سراج الذي يقرصك، ولماذا؟
كركوز : تابع أمين احضرته معي من جزيرة القرود.. مخلص.. ومنذ وصولي إلى المدينة.. وأنا أطلب منه أنْ ينخزني بالمسلة أو يضربني أو يقرصني كي أتأكد أنني لا أعيش حلماً.
السلطان : يا كركوز.. غبت عشر سنوات، وعدت كما أنت.. الدنيا تغيّرت والمدينة تغيّرت..
كركوز : صديقي عيواظ سلطان، بكري قائد الشرطة، المدلل قائد الحرس، الغناجة زوجة السلطان، حنبوج وزير المال. كل هذا وتريد مني ألاّ أصحب معي تابعاً يقرصني؟ ولكن كيف حدث ذلك؟ الحكواتي لا يستطيع أن يُؤلف مثل هذه القصة لأن السامعين سوف يتهمونه بالجنون.
السلطان : لا وقت لدي لأشرح لك في دقيقة ما حدث في عشر سنوات حتى لو فعلت فإنك لن تستوعب ما جرى..
كركوز : كيف يقفز صاحب المطحنة ليكون سلطاناً؟
السلطان : ولِمَ أنت ثائر هكذا؟!! إنْ لم أكن أنا السلطان فسيكون رجلٌ غيري سلطاناً بعد كارثة الطاعون التي حلت بالمدينة وأخذت أكثر أهلها.. ومن بينهم سلطاننا العادل وأسرته، وزعماء المدينة وشريفها.. خلت الساحة.. وتسابق الناس إلى الكراسي.. وقد نسوا كارثة الطاعون ومن دفنت معها..
كركوز : والآخرون؟ من اختار هذه الحثالة لتتزعم المدينة؟!
السلطان : كل واحد منهم صعد بطريقته واستغلّ ظروف المدينة الصحيّة الصعبة.. واستغّل المجاعة التي حدثت.. وحاجة الأهالي إلى المال والطعام.. وفي مثل هذه الحالة يصعد النصابون والمحتالون ويتربعون على الكراسي..
كركوز : وأنت!! كيف تقودهم وتحكمهم؟ وهم يملكون القوة والمال!
السلطان : دعك من هذا الآن، واسمعني جيداً..
كركوز : أقبل كل شيء إلاّ أنْ تتزوج (الغناجة)!! الغناجة!!
السلطان : قلت لك يا كركوز لا وقت لدينا الآن للعتاب واللوم.. المدينة كلها تعرف أنك سرقت صندوق (حنبوج)..
كركوز : كذب.. وأنت تعلم أنني لا أفعل ذلك!
السلطان : المشكلة، كيف تُقنع مدينة بأسرها أنك بريء.. وقد أدانتك منذ عشر سنوات!!
كركوز : بصراحة.. السلطنة تليق بك.. من إدارة مطحنة مائية إلى كرسي السلطنة..
السلطان : يا كركوز افهمني.. لن يرحمك أحد.. أنا أعلم أنك فوق كل شبهة.. ولكن لو وقعت بين يديّ بكري فلن يرحمك أبداً!
كركوز : عجيب.. عجيب.. عجيب!! سلطان الزمان يخشى من لص حقير! حين كنت صاحب مطحنة كان بكري يحسب لك ألف حساب، والآن وأنت سلطان المدينة تخشى من سارق نصاب!!
السلطان : أنت الآن في نظر الجميع، لص هارب.. ولن يقنع أحدٌ أنك شاب طيب.. هذا لا يعني أحداً..
كركوز : وأنا أريد أن أقول الحقيقة.. وعليك أن تساعدني!
السلطان : ليس أمامك إلاّ أن تغادر المدينة فوراً وتنجو بجلدك ومالك.. اسمع نصيحة صديق لا يزال يحبك.
كركوز : وحبي الذي بعت من أجله عشر سنوات من عمري!! أتظنني كنت ألهو مع الفتيات في جزيرة القرود!؟
السلطان : اختر أحد أمرين إما الهرب وإما الاختفاء حتى يقضي الله أمراً!
كركوز : ويْ، ويْ، ويْ. هذا ما تقدمه لي أيها الصديق، الهرب؟!
(يدخل الحاجب متلهفاً)
الحاجب : مولاي السلطان.. سيدتي السلطانة قادمة إلى هنا غاضبة!
السلطان : (بصوت خافت) هيّا انصرف يا كركوز ستكون مصيبة عظمى لو عرفتك
كركوز : ولكننا لم نتفق على حلٍ لمشكلتي.
السلطان : أرجوك انصرف الآن.. وسأرسل رسولاً إليك لنلتقي مرة أخرى
(تدخل الغناجة مسرعة قبل أن ينصرف كركوز)
السلطان : (متصنعاً الغضب) قلت لك انصرف أيها الغريب.. فرجال السلطنة سوف يقبضون على اللصوص الذين اعترضوا طريق قافلتك.
كركوز : أشكرك يا مولاي.. ولي رجاء واحد فقط هو أن تكشفوا اللص الحقيقي قريباً فإن هذا يجعلني أنام قرير العين، ولن أنسى لكم ذلك ما حييت.
الغناجة : ما خطبك يا رجل، تشغل سلطان البلاد في هذه الساعة المتأخرة من الليل..
كركوز : عفوك مولاتي.. سمعت عن عدلكم في هذه المدينة وحسن معاملة الغرباء.. أهنئكم يا مولاتي.. لقد جبت الدنيا وعبرت الممالك البعيدة والقريبة فلم أرَ مثل عدلكم.
الغنّاجة : ما نعرفه أيها الغريب.. أنّ من يزور السلطان يُقدم له الهدايا الثمينة.. فماذا أحضرت لسيدك السلطان ولي؟!
كركوز : آه! ما أشد غبائي! وما أكبر جهلي! عذراً يا مولاتي فالمرء يتعلم في كل يوم درساً جديداً.
الغناجة : قلْ لي أيها الغريب.. أنت تتقن لهجة مدينتنا.. ومن يتقن لهجتنا يجب أنْ يكون منّا.. وأنت كما تدعي غريب عنّا؟!
كركوز : (مرتبكاً).. لن تصدقي.. إنْ قلت لك.. إنني حضرت إلى المدينة مع والدي التاجر (سقعان) أكثر من مرة.. وأقمنا طويلاً.. ولكن أقول لكم الحقيقة المدينة الآن في أبهى حلتها.. عليها سلطان قوي، وسلطانة حسناء..
الغناجة : هيّا انصرف أيها المراوغ
(ينحني كركوز وينصرف)
الغناجة : هذا الوجه ليس غريباً، ثم إن حركاته وكلماته تذكرني برجل أعرفه
السلطان : إنه يدعي أنه من جزيرة القرود.. وتلك جزيرة في أقصى الأرض
الغناجة : أغرب أيها الحاجب.. (للسلطان) أرسلت في طلبك مرتين، وأنت لا تأبه بي لم تعد تنفذ ما أريد!
السلطان : غناجة!!
الغناجة : السلطانة غناجة!
السلطان : السلطانة غناجة تريدني سلطاناً "عاجزاً" أمام الحاشية.. خاتماً في إصبعها كما يهمسون.. وأنا أرفض أن أكون شرابة خرج!
الغناجة : عليّ أن أذكرك دوماً "أنني فعلت المستحيل لينصبوك سلطاناً".
السلطان : ولعن الله ذلك اليوم الذي قبلت فيه أن أجلس على هذا الكرسي لأكون خادماً لأهواء امرأة!
الغناجة : عيواظ!.. لا تدعني أغضب منك.. ستلقى مني ما لا تحب!
السلطان : وأنا لا يهمني بعد الآن غضبك أو رضاك.. ألا تفهمين؟
(يخرج السلطان. تلحق به الغناجة ببطء)
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
المشــــــهد الثالث
(في القصر، يدخل بكري يتبعه الحاجب)
بكري : وما الذي أخرّ السلطان في قصر الحريم؟
الحاجب : رجل غريب يا سيدي أصرّ على مقابلة السلطان منفرداً وادّعى أنه صديق قديم.
بكري : وهل قابله السلطان..؟
الحاجب : نعم يا سيدي.. واختلى به بعضاً من الوقت.. وأنا على ثقة أن السلطان يعرفه.. وسمعت اسماً غريباً". أعتقد أنه كركوز، اسم مضحك!
بكري : تقول كركوز أيها الأحمق؟!
الحاجب : فهمت أنّ أحداً سرق تجارته ويريد كشف اللص..
بكري : يا أحمق لا تخبر أحداً بما قلته لي!
الحاجب : أمرك يا سيدي سأقص لساني
(يخرج الحاجب بينما يدخل المدلل قائد الحرس)
بكري : ها.. قد جئت في الوقت المناسب يا مدلل..
المدلل : ما بك يا سيدي؟ أراك غاضباً!!
بكري : نحن نواجه مشكلة حقيقية.
المدلل : ومن يجرؤ على الوقوف في طريقك يا قائد الشرطة؟
بكري : اسمعني جيداً.. كركوز عاد إلى المدينة
المدلل : كركوز؟! بعد أكثر من عشر سنوات؟! وقد حسبناه ميتاً؟
بكري : لا يهمني من أية مقبرة جاء، وكم غاب عن المدينة. المشكلة أنه عائد يحمل المال. ولا بد أن ينبش الماضي.
المدلل : المدينة كلها تهابك. فمن كركوز هذا؟ أهبل لا يصدقه أحد.
بكري : كركوز قابل الليلة السلطان.. وهما صديقان، ويبدو أنهما اتفقا على شيء ما.
المدلل : لن أمهله حتى ينفذ أي شيء.
بكري : يا مدلل. لا تتسرع في حكمك.. كركوز طيب.. ولكنه ليس جباناً.. علينا أن نأخذه بالحيلة.
المدلل : ولكن علينا أن نحزم الأمر قبل أن يدور بلسانه بين الناس ويقصّ عليهم ما يريد.
بكري : الأمر لا يتعلق بكركوز وحده. لذلك يجب أن أفكر كثيراً قبل أن اتخذ أية خطوة!
(يدخل الحاجب ويعلن قدوم السلطانة- ثم تدخل الغناجة)
بكري : أهلاً "مولاتي.. ما الذي يجعلك ساهرة إلى آخر الليل؟
الغناجة : أتظن يا بكري أنّك الوحيد الذي تحب الليل. وتعشق السهر؟
بكري : تبدو سيدتي غاضبة..
الغناجة : السلطان يا بكري، لم يعد كما أريد!! لقد تمرّد على طاعتي.
بكري : وهل يُعجزك ترويضه يا سيدتي؟!
الغناجة : اخرج يا مدلل قليلاً...
[يخرج]
بكري : ما الأمر يا غناجة. لم أركِ في مثل هذا الاضطراب؟!
الغناجة : اسمع يا بكري.. عيواظ لم يعد يرضى أن يلعب دور الدمية. وهو يحتقرني في كل مناسبة ويستهزئ بي أمام الحاشية. يريد أن يثبت أنه سلطان حقيقي.. وهذا خطرٌ علينا..
بكري : ولكنْ ما الذي يجعله يتمرد على طاعتك بعد عدة سنوات؟!
الغناجة : إنه يذكرني دوماً بماضيّ الأسود! وأنا لن أدعه يلعب بي ونتبادل الأدوار.. يقول إنها صحوة الضمير!
بكري : وماذا تقترحين؟
الغناجة : نفسُ ما يدور في رأسك يا بكري؟ ألا تريد أن تكون سلطاناً؟!
بكري : أتدركين ما تقولين؟ هذه مقامرة؟!
الغناجة : حياتنا كلها مقامرة.. إما أنْ نكسب كما تعوّدنا..
بكري : (مقاطعاً) بل يجب أن نكسب دوماً...
الغناجة : إذن، نبدأ بالخطوة الأولى.. المدلل!
بكري : المدلل! ما شأنه؟!
الغناجة : سينفذ كل ما أريد، وأنت تعرف السبب..
بكري : أعترف بأنك أكثر ذكاء ودهاءً مني..
الغناجة : والدهاء يحتاج إلى قوة بكري..
[يضحكان.. تخرج الغناجة ويدخل مباشرة المدلل]
المدلل : ما الأمر يا سيدي! لماذا تبدو سيدتي الغناجة غاضبة؟!
بكري : دعك من السلطانة، واسمعني.. افتح أذنيك وبوابات عقلك المغلقة قلْ لي: كيف عزمك؟
المدلل : حديد يا سيدي! ومعي رجال يناطحون ثيران العالم كلها.
بكري : وأنا أريد رجالاً عقلاء.. وليس ثيراناً هائجة!
المدلل : هل تريد رأس كركوز الليلة؟!
بكري : يا مدلل افهمني أنا لا أريد تهوراً وطيشاً. اسمع جيداً، هل ما زلت تحبُّ الغناجة؟
المدلل : زوجة السلطان عيواظ؟ تقصد السلطانة؟!
بكري : نعم السلطانة غناجة؟! مالي أراك مرتبكاً؟!
المدلل : انها زوجة.. السلطان!!
بكري : بل هي الغناجة التي أحببتها وتمنيت الزواج منها..
المدلل : كلما رأيتها بصحبة السلطان أو تصورتها في ثياب حريرية في غرفة نومها وهي تنتظر قدوم السلطان.. أكادُ أُجن.. ولا تهدأ نفسي..
بكري : إلاّ بعد أن تتناول نصيبكَ من الحشيش! وأنا أملك لك علاجاً لجنونك هذا غير الأعشاب!
المدلل : سأكون عبدك المملوك إلى الأبد لو ساعدتني..
بكري : سأقودك وأنت مغمض العينين إلى الجنة، أيها العاشق الضعيف! وأحقق لك حلمك الذي تخاف من البوح به.
المدلل : حلم يا سيدي.. حلم!
بكري : وأنا سأحول هذا الحلم إلى حقيقة.. ستكون الغناجة زوجة لك.. ما رأيك؟!
المدلل : سيدي.. هات يدك أقبلها، فأنت صاحب الجميل حين جعلتني رئيس حرس السلطان.. ولكن ما الأمر يا سيدي!! أخشى أنك تسخر من عقلي الصغير؟! قلْ لي ماذا عليّ
أن أفعل الآن؟
بكري : تراقب تحركات كركوز.. هو الآن يريد أن يقابل زوجتي ست الحسن بأي ثمن، أو يتصل بالوزير (حنبوج) لينبش الماضي..
المدلل : أنا أتولى أمره يا سيدي..
بكري : أما (المصرّم) فيجب أنْ يختفي الليلة، غريقاً، مسموماً.. كيفما كان.. لا يهم!
المدلل : رحم الله (المصرّم) منذ هذه اللحظة!
بكري : أما أنت يا كركوز الشؤم سأجعلك تندم أن الله خلقك إنساناً. هيا.. نفّذ ما قلته لك.. وسأجعلك مع الغناجة عصفورين جميلين في قفص واحد..
(في القصر، يدخل بكري يتبعه الحاجب)
بكري : وما الذي أخرّ السلطان في قصر الحريم؟
الحاجب : رجل غريب يا سيدي أصرّ على مقابلة السلطان منفرداً وادّعى أنه صديق قديم.
بكري : وهل قابله السلطان..؟
الحاجب : نعم يا سيدي.. واختلى به بعضاً من الوقت.. وأنا على ثقة أن السلطان يعرفه.. وسمعت اسماً غريباً". أعتقد أنه كركوز، اسم مضحك!
بكري : تقول كركوز أيها الأحمق؟!
الحاجب : فهمت أنّ أحداً سرق تجارته ويريد كشف اللص..
بكري : يا أحمق لا تخبر أحداً بما قلته لي!
الحاجب : أمرك يا سيدي سأقص لساني
(يخرج الحاجب بينما يدخل المدلل قائد الحرس)
بكري : ها.. قد جئت في الوقت المناسب يا مدلل..
المدلل : ما بك يا سيدي؟ أراك غاضباً!!
بكري : نحن نواجه مشكلة حقيقية.
المدلل : ومن يجرؤ على الوقوف في طريقك يا قائد الشرطة؟
بكري : اسمعني جيداً.. كركوز عاد إلى المدينة
المدلل : كركوز؟! بعد أكثر من عشر سنوات؟! وقد حسبناه ميتاً؟
بكري : لا يهمني من أية مقبرة جاء، وكم غاب عن المدينة. المشكلة أنه عائد يحمل المال. ولا بد أن ينبش الماضي.
المدلل : المدينة كلها تهابك. فمن كركوز هذا؟ أهبل لا يصدقه أحد.
بكري : كركوز قابل الليلة السلطان.. وهما صديقان، ويبدو أنهما اتفقا على شيء ما.
المدلل : لن أمهله حتى ينفذ أي شيء.
بكري : يا مدلل. لا تتسرع في حكمك.. كركوز طيب.. ولكنه ليس جباناً.. علينا أن نأخذه بالحيلة.
المدلل : ولكن علينا أن نحزم الأمر قبل أن يدور بلسانه بين الناس ويقصّ عليهم ما يريد.
بكري : الأمر لا يتعلق بكركوز وحده. لذلك يجب أن أفكر كثيراً قبل أن اتخذ أية خطوة!
(يدخل الحاجب ويعلن قدوم السلطانة- ثم تدخل الغناجة)
بكري : أهلاً "مولاتي.. ما الذي يجعلك ساهرة إلى آخر الليل؟
الغناجة : أتظن يا بكري أنّك الوحيد الذي تحب الليل. وتعشق السهر؟
بكري : تبدو سيدتي غاضبة..
الغناجة : السلطان يا بكري، لم يعد كما أريد!! لقد تمرّد على طاعتي.
بكري : وهل يُعجزك ترويضه يا سيدتي؟!
الغناجة : اخرج يا مدلل قليلاً...
[يخرج]
بكري : ما الأمر يا غناجة. لم أركِ في مثل هذا الاضطراب؟!
الغناجة : اسمع يا بكري.. عيواظ لم يعد يرضى أن يلعب دور الدمية. وهو يحتقرني في كل مناسبة ويستهزئ بي أمام الحاشية. يريد أن يثبت أنه سلطان حقيقي.. وهذا خطرٌ علينا..
بكري : ولكنْ ما الذي يجعله يتمرد على طاعتك بعد عدة سنوات؟!
الغناجة : إنه يذكرني دوماً بماضيّ الأسود! وأنا لن أدعه يلعب بي ونتبادل الأدوار.. يقول إنها صحوة الضمير!
بكري : وماذا تقترحين؟
الغناجة : نفسُ ما يدور في رأسك يا بكري؟ ألا تريد أن تكون سلطاناً؟!
بكري : أتدركين ما تقولين؟ هذه مقامرة؟!
الغناجة : حياتنا كلها مقامرة.. إما أنْ نكسب كما تعوّدنا..
بكري : (مقاطعاً) بل يجب أن نكسب دوماً...
الغناجة : إذن، نبدأ بالخطوة الأولى.. المدلل!
بكري : المدلل! ما شأنه؟!
الغناجة : سينفذ كل ما أريد، وأنت تعرف السبب..
بكري : أعترف بأنك أكثر ذكاء ودهاءً مني..
الغناجة : والدهاء يحتاج إلى قوة بكري..
[يضحكان.. تخرج الغناجة ويدخل مباشرة المدلل]
المدلل : ما الأمر يا سيدي! لماذا تبدو سيدتي الغناجة غاضبة؟!
بكري : دعك من السلطانة، واسمعني.. افتح أذنيك وبوابات عقلك المغلقة قلْ لي: كيف عزمك؟
المدلل : حديد يا سيدي! ومعي رجال يناطحون ثيران العالم كلها.
بكري : وأنا أريد رجالاً عقلاء.. وليس ثيراناً هائجة!
المدلل : هل تريد رأس كركوز الليلة؟!
بكري : يا مدلل افهمني أنا لا أريد تهوراً وطيشاً. اسمع جيداً، هل ما زلت تحبُّ الغناجة؟
المدلل : زوجة السلطان عيواظ؟ تقصد السلطانة؟!
بكري : نعم السلطانة غناجة؟! مالي أراك مرتبكاً؟!
المدلل : انها زوجة.. السلطان!!
بكري : بل هي الغناجة التي أحببتها وتمنيت الزواج منها..
المدلل : كلما رأيتها بصحبة السلطان أو تصورتها في ثياب حريرية في غرفة نومها وهي تنتظر قدوم السلطان.. أكادُ أُجن.. ولا تهدأ نفسي..
بكري : إلاّ بعد أن تتناول نصيبكَ من الحشيش! وأنا أملك لك علاجاً لجنونك هذا غير الأعشاب!
المدلل : سأكون عبدك المملوك إلى الأبد لو ساعدتني..
بكري : سأقودك وأنت مغمض العينين إلى الجنة، أيها العاشق الضعيف! وأحقق لك حلمك الذي تخاف من البوح به.
المدلل : حلم يا سيدي.. حلم!
بكري : وأنا سأحول هذا الحلم إلى حقيقة.. ستكون الغناجة زوجة لك.. ما رأيك؟!
المدلل : سيدي.. هات يدك أقبلها، فأنت صاحب الجميل حين جعلتني رئيس حرس السلطان.. ولكن ما الأمر يا سيدي!! أخشى أنك تسخر من عقلي الصغير؟! قلْ لي ماذا عليّ
أن أفعل الآن؟
بكري : تراقب تحركات كركوز.. هو الآن يريد أن يقابل زوجتي ست الحسن بأي ثمن، أو يتصل بالوزير (حنبوج) لينبش الماضي..
المدلل : أنا أتولى أمره يا سيدي..
بكري : أما (المصرّم) فيجب أنْ يختفي الليلة، غريقاً، مسموماً.. كيفما كان.. لا يهم!
المدلل : رحم الله (المصرّم) منذ هذه اللحظة!
بكري : أما أنت يا كركوز الشؤم سأجعلك تندم أن الله خلقك إنساناً. هيا.. نفّذ ما قلته لك.. وسأجعلك مع الغناجة عصفورين جميلين في قفص واحد..
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
المشــــــهد الرابع
[السلطان، وأمامه قائد الشرطة والمدلل،
والحاجب، وحاشيته..]
بكري : بلغني يا مولاي السلطان أن رجلاً غريب الأطوار أقلق راحتك ليلة الأمس وأخرك عن النوم..
السلطان : إنه.. تاجر جوّال سطا على بعض تجارته لصوص الطرق.
بكري : لصوص! وهل يجرؤ أحد في السلطنة أن يسرق وأنا موجود.. إنّ اسمي وحده كافٍ لردع اللصوص..
السلطان : صدقت في هذا يا قائد شرطتنا..
بكري : إنه إتهام باطل يا سيدي السلطان.. الغرضُ منه تشويه سمعة السلطنة والنيل من هيبتنا أمام البلاد والعباد..
السلطان : أنا في عجب من اهتمامك الشديد برجل زار السلطان، ولولا حاشيةٌ من الجواسيس لما وصل الخبر إليك..
بكري : خسئ يا مولاي من يحاول أن يتجسس عليكم.. فأنتم يا مولاي رمز عظيم لهذه السلطنة التي لاقت كل الرخاء والاستقرار في أيام حكمكم.. ومن حقنا أنْ نحيطكم بالحماية والرعاية.. عفوك يا مولاي.. إن خوفنا عليكم، وحبنا لكم، وحرصنا على سلامتكم هو الدافع النبيل لكل هذه الحاشية..
السلطان : ليس هناك من يهدد سلامتي، فالطيبون في هذه المدينة أكثر من الأشرار.
بكري : كم هو طيب قلبك يا مولاي! فالرجل الذي ادعى أنه تاجرٌ غريب رجل مخادع.. وأنا أحمل لك عنه أخباراً لا تسر السامع.
السلطان : ما بالك تجعل من عابر سبيل قضية وقصة!
بكري : لأن رجالي في الخان سمعوه يتحدث عنك بلسان السوء.. وكأنه يُبيِّت أمراً..
السلطان : يجب يا قائد الشرطة أن تبقى قلوبنا نظيفة لا يلوثها شك أو خبث..
بكري : ولكنّ التجارب علمتني يا مولاي أن أقسو على الناس لأحميهم من أنفسهم، ثم إن هذه القسوة جزءٌ من هيبة الحكم.. وقد استطاعت فأرة صغيرة أن تخرب سد مأرب.. لذلك فإنني أراقب كل صغيرة وكبيرة وأسهر على أمن مولاي السلطان وأحمي المدينة من المجرمين..
السلطان : وماذا فعل هذا الرجل الغريب لتحمي المدينة منه؟!
بكري : لم يفعل شيئاً حتى الآن، لكنه يُبيّت مؤامرة دنيئة.. إنه يهدد علناً سلطاننا بالفضيحة.. ويقسم أن ينتقم منه والطيبةُ يا مولاي تُعلّم الضعفاء أنْ يبصقوا في الصحون التي يأكلون منها..
السلطان : ولكنه كان مهذباً ومؤدباً.. وزوجتي السلطانة حضرت مجلسي معه.. ولم يبدُ لنا أنه رجل شر أو أنه يضمر غدراً!
بكري : الشر يا مولاي السلطان لا يرتدي إلا أجمل الثياب.
السلطان : صدقت يا قائد شرطتنا.. فأنت أفضل من يعرف الشر..
بكري : وهذا شرف لي يا مولاي. وأرجو أن تتفضل وتسمع ما سمعه قائد حرسك يا مولاي.. فقد كان حاضراً في (الخان)!
المدلل : أجل يا مولاي.. رأيت وسمعت.. الرجل الغريب شهر سيفه وصرخ قائلاً: بهذا السيف سوف أطيح برأس اللص الكبير في هذه المدينة، وحين سأله أحدهم، ومن هذا اللص.. ضحك، وقال تعرفونه كلكم.. سلطانكم عيواظ.
السلطان : ولكنْ ما الذي يدفعه إلى قتلي؟! ربما كان مخموراً..
المدلل : أبداً يا سيدي.. كان ينتصب مثل شجرة الحور..
بكري : والآن يا سيدي.. أقولها أمام أهل القصر جميعاً! إن سلطاننا في خطر.. فهل نقف وننتظر هذا الغريب كي يفاجئنا بجريمته.. ربما كان له أعوان.. ربما كانوا عصابة منظمة تدربت في مدينة مجاورة. إنها دون شك مؤامرة مرسومة خارج أسوار المدينة.
السلطان : اسمع يا قائد شرطتنا.. أنت تُهول الأمر، ولو أراد الرجل بي سوءاً لفعل حين انفرد بي في هذه القاعة..
بكري : لا يا مولاي.. إنه ذكي! المجرمون يعرفون كيف يستخدمون عقولهم استخداماً مناسباً..
السلطان : وهل تصدّق أن مجرماً ذكياً يكشف عن تفاصيل جريمته هكذا أمام الناس في الخان!
بكري : وهذا ما يُحيرني يا مولاي.. فإذا عددت تهديده لغواً فقد يكون حقيقة.. لذلك فأنا أعلن على الملأ أنّ سلطاننا العظيم في خطر، وأنا من واجبي حمايتك يا مولاي، وهذه أمانةٌ في عنقي.
السلطان : إذاً اقبض عليه حالاً، وأودعه السجن، ثم قدّمه للقاضي ليحكم عليه..
بكري : مثل هذا الغريب يستطيع أنْ ينجو من يد قاضي المدينة الطيب.
السلطان : عليك إذا أنْ تطرده من المدينة.. وتنتهي هذه المشكلة المفتعلة.
بكري : لا يأخذك الغضب يا مولاي، وأنا أقدّم لك الحقيقة.. فالقضية تتعلق بأمن السلطنة كلها..
السلطان : لم يبق إلاّ أنْ تعلقه على باب المدينة حتى يقولوا عنّا في البلاد المجاورة إننا نقتل الغرباء ونسرق تجارتهم.. وأيُّ ستار سيتمزق عن أمن مدينتنا الموهوم!
بكري : آه يا مولاي كم أحسدك على نقاء قلبك. أقسم إنك تحمل في صدرك قلباً فطره اللّه على حب الناس والتسامح.. (يلتفت إلى الحاشية) اسمعوا أيها السادة.. إنّ حياة سلطاننا في خطر فهل نقابل الشر بالطيبة، والمؤامرة بالتسامح؟ هل ندع غريباً يقوض دعائم الأمن؟ ثم نجني الندم والخيبة!
[يدخل حنبوج]
حنبوج : السلام على مولاي السلطان.. وأرجو المعذرة لتأخري عن مجلسكم..
السلطان : عسى ألاّ يكون هناك مُجرم هارب يطاردك، أو أنّ صهرك العزيز أقنعك بوجوده..
حنبوج : ليس الأمر كذلك يا مولاي.. فأنتم تعلمون مقدار الأمن الذي نعيش في ظله بفضل ثقتكم بقائد شرطتنا.. بل إنني لاحظت اليوم تشديداً للحراسة حول قصري.. وهذا ما يجعلني أكثر اطمئناناً ولكن الأمر أثار شكوكي فما الحكاية يا صهرنا العزيز؟
بكري : احتياط وحذر يا عمي حنبوج..
حنبوج : ما أعظم حرصك على سلامة المدينة..
السلطان : اسمع يا قائد شرطتنا.. إني آمرك أن تقبض على هذا الغريب وتودعه السجن لنحاكمه محاكمة عادلة.. إنه أهون علي أن أعلن قيام الحرب مع مملكة أخرى على أن أدع الخوف يتسلل إلى صدري.
بكري : لكن الحيلة يا مولاي أجدى من القضاء!
السلطان : العدل يحققه القضاء، ولا يمكن للسيف أن يكون حكماً وقاضياً. أريد يا قائد شرطتنا أن تقبض على هذا الغريب حالاً (ينهض).. واحذر أنْ يصيبه مكروه قبل المحاكمة..
[يخرج السلطان غاضباً، تتبعه بعض الحاشية. يبقى بكري مع عمه حنبوج والمدلل]
حنبوج : لماذا أغضبت السلطان؟ أنت صاحب القبضة الحديدية فلماذا لا تتصرف كالعادة؟ ثم ما حكاية هذا الرجل الغريب؟
بكري : الماضي يا عزيزي حنبوج.. فجأة ترى نفسك تواجه خصماً ظننت أنه مات.. هل تغفر له؟ أم تقتص منه قبل أن ينال منك؟ هل تنتظر كي ينقضّ عليك كالنسر الجارح أم تسدد سهامك إلى قلبه.
حنبوج : واللّه لم أفهم منك شيئاً، فأنت تحدثني بالألغاز.
بكري : لقد عاد كركوز يا حنبوج.
حنبوج : كركوز.. كركوز اللص عاد!!
بكري : نعم كركوز، عاد في هيئة تاجر غني.. يملك مالاً وفيراً.. عاد لينتقم مني لأنني تزوجت ابنتك (ست الحسن).. إنه سينتقم مني ومنك.. كلانا عدو له الآن!
حنبوج : وأنت بيدك القوة! وحان الوقت ليأخذ جزاء اللصوص. ولكنْ قلْ لي هل عرف السلطان شخصيته الحقيقية؟
بكري : إنّ ما يغلُّ يدي ويثقل ظهري أنّ السلطان يعرف ويسكت.
حنبوج : وهل ستدع كركوز يسرح ويمرح كما يشاء.
بكري : الأمر يحتاج إلى تفكير ثم تدبير.. صحيح أنّ كركوز بربع عقل ولكنني لا أدري إن استردّ باقي عقله الضائع حين جمع الذهب.
حنبوج : إذاً نفّذ أمر السلطان واقبض عليه..
بكري : لا.. لا يا عمي حنبوج.. لا أيها الوزير الجليل.. السلطان يلعب لعبته بذكاء.. السلطان يريد أن يحميه مني..
حنبوج : أنت تثير قلقي واضطرابي.. ما العمل إذاً؟
بكري : لو استطعت أن أنفّذ ما في رأسي، فإن مفتاح الأمور سيكون في يدي.. وما ترددّي الآن إلاّ اللحظات الحاسمة التي تسبق الإقدام على أمر عظيم...
حنبوج : وأنا لا أفهم شيئاً!!
بكري : وإذا أخبرتك أن صهرك (بكري) ربما أصبح عن قريب سلطاناً لهذه المدينة.. هه.. ماذا تقول؟!
حنبوج : أ.. أ.. أقول اخفض صوتك.. هل جننت؟!
بكري : الجنون والطموح شيء واحد.
[يتوجه بكري إلى الحاشية في الطرف الآخر ويخاطبهم]
بكري : اسمعوا أيها السادة.. من منكم لا يحب السلطان؟! ومن منا لا يريد أن يدفع عنه الشر والأذى والخطر؟! ولو حدث مكروه لسلطاننا عيواظ فإن حياتنا ستنقلب رأساً على عقب.. أشيروا عليّ أيها السادة.. ماذا أفعل؟!
رجل أول : إن إقرار الأمن هو مسؤولية قائد الشرطة، ونحن لا نفهم إلا في الحسبة والخراج والقضاء.. والعقل يقول: إن دفع الخطر قبل وقوعه أهون من رده بعد شروعه.
رجل ثان : إن حماية السلطان واجب علينا جميعاً وانت وحدك يا قائد شرطتنا تملك القوة التي تردع الخارجين على القانون.
رجل أول : لو نجح المجرم في جريمته فستكون كارثة، ومحنة عصيبة!
بكري : هذا ما أخشاه أيها السادة.. وأحذركم من وقوعه.
رجل أول : نحن لا نملك سوى أن نبارك جهودك، ونتمنى لك النجاح في حماية سلطاننا الطيب!
بكري : بارك اللّه فيكم أيها السادة.. الآن أمضي وأنا مطمئن البال.
[ينصرفون]
[السلطان، وأمامه قائد الشرطة والمدلل،
والحاجب، وحاشيته..]
بكري : بلغني يا مولاي السلطان أن رجلاً غريب الأطوار أقلق راحتك ليلة الأمس وأخرك عن النوم..
السلطان : إنه.. تاجر جوّال سطا على بعض تجارته لصوص الطرق.
بكري : لصوص! وهل يجرؤ أحد في السلطنة أن يسرق وأنا موجود.. إنّ اسمي وحده كافٍ لردع اللصوص..
السلطان : صدقت في هذا يا قائد شرطتنا..
بكري : إنه إتهام باطل يا سيدي السلطان.. الغرضُ منه تشويه سمعة السلطنة والنيل من هيبتنا أمام البلاد والعباد..
السلطان : أنا في عجب من اهتمامك الشديد برجل زار السلطان، ولولا حاشيةٌ من الجواسيس لما وصل الخبر إليك..
بكري : خسئ يا مولاي من يحاول أن يتجسس عليكم.. فأنتم يا مولاي رمز عظيم لهذه السلطنة التي لاقت كل الرخاء والاستقرار في أيام حكمكم.. ومن حقنا أنْ نحيطكم بالحماية والرعاية.. عفوك يا مولاي.. إن خوفنا عليكم، وحبنا لكم، وحرصنا على سلامتكم هو الدافع النبيل لكل هذه الحاشية..
السلطان : ليس هناك من يهدد سلامتي، فالطيبون في هذه المدينة أكثر من الأشرار.
بكري : كم هو طيب قلبك يا مولاي! فالرجل الذي ادعى أنه تاجرٌ غريب رجل مخادع.. وأنا أحمل لك عنه أخباراً لا تسر السامع.
السلطان : ما بالك تجعل من عابر سبيل قضية وقصة!
بكري : لأن رجالي في الخان سمعوه يتحدث عنك بلسان السوء.. وكأنه يُبيِّت أمراً..
السلطان : يجب يا قائد الشرطة أن تبقى قلوبنا نظيفة لا يلوثها شك أو خبث..
بكري : ولكنّ التجارب علمتني يا مولاي أن أقسو على الناس لأحميهم من أنفسهم، ثم إن هذه القسوة جزءٌ من هيبة الحكم.. وقد استطاعت فأرة صغيرة أن تخرب سد مأرب.. لذلك فإنني أراقب كل صغيرة وكبيرة وأسهر على أمن مولاي السلطان وأحمي المدينة من المجرمين..
السلطان : وماذا فعل هذا الرجل الغريب لتحمي المدينة منه؟!
بكري : لم يفعل شيئاً حتى الآن، لكنه يُبيّت مؤامرة دنيئة.. إنه يهدد علناً سلطاننا بالفضيحة.. ويقسم أن ينتقم منه والطيبةُ يا مولاي تُعلّم الضعفاء أنْ يبصقوا في الصحون التي يأكلون منها..
السلطان : ولكنه كان مهذباً ومؤدباً.. وزوجتي السلطانة حضرت مجلسي معه.. ولم يبدُ لنا أنه رجل شر أو أنه يضمر غدراً!
بكري : الشر يا مولاي السلطان لا يرتدي إلا أجمل الثياب.
السلطان : صدقت يا قائد شرطتنا.. فأنت أفضل من يعرف الشر..
بكري : وهذا شرف لي يا مولاي. وأرجو أن تتفضل وتسمع ما سمعه قائد حرسك يا مولاي.. فقد كان حاضراً في (الخان)!
المدلل : أجل يا مولاي.. رأيت وسمعت.. الرجل الغريب شهر سيفه وصرخ قائلاً: بهذا السيف سوف أطيح برأس اللص الكبير في هذه المدينة، وحين سأله أحدهم، ومن هذا اللص.. ضحك، وقال تعرفونه كلكم.. سلطانكم عيواظ.
السلطان : ولكنْ ما الذي يدفعه إلى قتلي؟! ربما كان مخموراً..
المدلل : أبداً يا سيدي.. كان ينتصب مثل شجرة الحور..
بكري : والآن يا سيدي.. أقولها أمام أهل القصر جميعاً! إن سلطاننا في خطر.. فهل نقف وننتظر هذا الغريب كي يفاجئنا بجريمته.. ربما كان له أعوان.. ربما كانوا عصابة منظمة تدربت في مدينة مجاورة. إنها دون شك مؤامرة مرسومة خارج أسوار المدينة.
السلطان : اسمع يا قائد شرطتنا.. أنت تُهول الأمر، ولو أراد الرجل بي سوءاً لفعل حين انفرد بي في هذه القاعة..
بكري : لا يا مولاي.. إنه ذكي! المجرمون يعرفون كيف يستخدمون عقولهم استخداماً مناسباً..
السلطان : وهل تصدّق أن مجرماً ذكياً يكشف عن تفاصيل جريمته هكذا أمام الناس في الخان!
بكري : وهذا ما يُحيرني يا مولاي.. فإذا عددت تهديده لغواً فقد يكون حقيقة.. لذلك فأنا أعلن على الملأ أنّ سلطاننا العظيم في خطر، وأنا من واجبي حمايتك يا مولاي، وهذه أمانةٌ في عنقي.
السلطان : إذاً اقبض عليه حالاً، وأودعه السجن، ثم قدّمه للقاضي ليحكم عليه..
بكري : مثل هذا الغريب يستطيع أنْ ينجو من يد قاضي المدينة الطيب.
السلطان : عليك إذا أنْ تطرده من المدينة.. وتنتهي هذه المشكلة المفتعلة.
بكري : لا يأخذك الغضب يا مولاي، وأنا أقدّم لك الحقيقة.. فالقضية تتعلق بأمن السلطنة كلها..
السلطان : لم يبق إلاّ أنْ تعلقه على باب المدينة حتى يقولوا عنّا في البلاد المجاورة إننا نقتل الغرباء ونسرق تجارتهم.. وأيُّ ستار سيتمزق عن أمن مدينتنا الموهوم!
بكري : آه يا مولاي كم أحسدك على نقاء قلبك. أقسم إنك تحمل في صدرك قلباً فطره اللّه على حب الناس والتسامح.. (يلتفت إلى الحاشية) اسمعوا أيها السادة.. إنّ حياة سلطاننا في خطر فهل نقابل الشر بالطيبة، والمؤامرة بالتسامح؟ هل ندع غريباً يقوض دعائم الأمن؟ ثم نجني الندم والخيبة!
[يدخل حنبوج]
حنبوج : السلام على مولاي السلطان.. وأرجو المعذرة لتأخري عن مجلسكم..
السلطان : عسى ألاّ يكون هناك مُجرم هارب يطاردك، أو أنّ صهرك العزيز أقنعك بوجوده..
حنبوج : ليس الأمر كذلك يا مولاي.. فأنتم تعلمون مقدار الأمن الذي نعيش في ظله بفضل ثقتكم بقائد شرطتنا.. بل إنني لاحظت اليوم تشديداً للحراسة حول قصري.. وهذا ما يجعلني أكثر اطمئناناً ولكن الأمر أثار شكوكي فما الحكاية يا صهرنا العزيز؟
بكري : احتياط وحذر يا عمي حنبوج..
حنبوج : ما أعظم حرصك على سلامة المدينة..
السلطان : اسمع يا قائد شرطتنا.. إني آمرك أن تقبض على هذا الغريب وتودعه السجن لنحاكمه محاكمة عادلة.. إنه أهون علي أن أعلن قيام الحرب مع مملكة أخرى على أن أدع الخوف يتسلل إلى صدري.
بكري : لكن الحيلة يا مولاي أجدى من القضاء!
السلطان : العدل يحققه القضاء، ولا يمكن للسيف أن يكون حكماً وقاضياً. أريد يا قائد شرطتنا أن تقبض على هذا الغريب حالاً (ينهض).. واحذر أنْ يصيبه مكروه قبل المحاكمة..
[يخرج السلطان غاضباً، تتبعه بعض الحاشية. يبقى بكري مع عمه حنبوج والمدلل]
حنبوج : لماذا أغضبت السلطان؟ أنت صاحب القبضة الحديدية فلماذا لا تتصرف كالعادة؟ ثم ما حكاية هذا الرجل الغريب؟
بكري : الماضي يا عزيزي حنبوج.. فجأة ترى نفسك تواجه خصماً ظننت أنه مات.. هل تغفر له؟ أم تقتص منه قبل أن ينال منك؟ هل تنتظر كي ينقضّ عليك كالنسر الجارح أم تسدد سهامك إلى قلبه.
حنبوج : واللّه لم أفهم منك شيئاً، فأنت تحدثني بالألغاز.
بكري : لقد عاد كركوز يا حنبوج.
حنبوج : كركوز.. كركوز اللص عاد!!
بكري : نعم كركوز، عاد في هيئة تاجر غني.. يملك مالاً وفيراً.. عاد لينتقم مني لأنني تزوجت ابنتك (ست الحسن).. إنه سينتقم مني ومنك.. كلانا عدو له الآن!
حنبوج : وأنت بيدك القوة! وحان الوقت ليأخذ جزاء اللصوص. ولكنْ قلْ لي هل عرف السلطان شخصيته الحقيقية؟
بكري : إنّ ما يغلُّ يدي ويثقل ظهري أنّ السلطان يعرف ويسكت.
حنبوج : وهل ستدع كركوز يسرح ويمرح كما يشاء.
بكري : الأمر يحتاج إلى تفكير ثم تدبير.. صحيح أنّ كركوز بربع عقل ولكنني لا أدري إن استردّ باقي عقله الضائع حين جمع الذهب.
حنبوج : إذاً نفّذ أمر السلطان واقبض عليه..
بكري : لا.. لا يا عمي حنبوج.. لا أيها الوزير الجليل.. السلطان يلعب لعبته بذكاء.. السلطان يريد أن يحميه مني..
حنبوج : أنت تثير قلقي واضطرابي.. ما العمل إذاً؟
بكري : لو استطعت أن أنفّذ ما في رأسي، فإن مفتاح الأمور سيكون في يدي.. وما ترددّي الآن إلاّ اللحظات الحاسمة التي تسبق الإقدام على أمر عظيم...
حنبوج : وأنا لا أفهم شيئاً!!
بكري : وإذا أخبرتك أن صهرك (بكري) ربما أصبح عن قريب سلطاناً لهذه المدينة.. هه.. ماذا تقول؟!
حنبوج : أ.. أ.. أقول اخفض صوتك.. هل جننت؟!
بكري : الجنون والطموح شيء واحد.
[يتوجه بكري إلى الحاشية في الطرف الآخر ويخاطبهم]
بكري : اسمعوا أيها السادة.. من منكم لا يحب السلطان؟! ومن منا لا يريد أن يدفع عنه الشر والأذى والخطر؟! ولو حدث مكروه لسلطاننا عيواظ فإن حياتنا ستنقلب رأساً على عقب.. أشيروا عليّ أيها السادة.. ماذا أفعل؟!
رجل أول : إن إقرار الأمن هو مسؤولية قائد الشرطة، ونحن لا نفهم إلا في الحسبة والخراج والقضاء.. والعقل يقول: إن دفع الخطر قبل وقوعه أهون من رده بعد شروعه.
رجل ثان : إن حماية السلطان واجب علينا جميعاً وانت وحدك يا قائد شرطتنا تملك القوة التي تردع الخارجين على القانون.
رجل أول : لو نجح المجرم في جريمته فستكون كارثة، ومحنة عصيبة!
بكري : هذا ما أخشاه أيها السادة.. وأحذركم من وقوعه.
رجل أول : نحن لا نملك سوى أن نبارك جهودك، ونتمنى لك النجاح في حماية سلطاننا الطيب!
بكري : بارك اللّه فيكم أيها السادة.. الآن أمضي وأنا مطمئن البال.
[ينصرفون]
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
المشـــــــهد الخامـــس
[كركوز مع سراج في الخان]
سراج : يا سيدي.. لقد طالت حيرتك.. عليك أن تتخذ قراراً سريعاً
كركوز : ولكني يا سراج أملك الحق، وأعرف الحقيقة، فكيف أهرب؟1
سراج : القوة في هذه المدينة فوق الحق والحقيقة..
كركوز : ولكن من يده في الزيت المغلي ليس كمن يده في الثلج!
سراج : أنا أشفق عليك يا سيدي.. فأنت لا تأكل ولا تشرب.. وتفكيرك لن يقودك إلى حل!
كركوز : هناك رجل قادم!
سراج : ضع اللثام يا سيدي.. فهذا أفضل
بكري : طاب مساؤك.. يا أخي كركوز.. ومرحبا بك في مدينتك..
كركوز : هل أنت تعرفني يا رجل؟!
بكري : لو غبت عن المدينة مائة عام فإنني أعرف حبيبي كركوز الطيب.. تعال أعانقك وأقبلك.. فقد ولدت من جديد!
كركوز : ولكني يا سيدي.. (يعانقه بقسوة) غير معقول.. لا بد أنني واهم..
بكري : لست واهماً يا أخي كركوز. فأنا بكري صديقك المخلص القديم!
كركوز : بكري.. قائد الشرطة! غير معقول! لا أصدق! سبحان اللّه! الثياب الفاخرة، والجبة والعطر والجوهرة فوق الرأس!
بكري : (يضحك) لا زلت كما أنت!
كركوز : اقرصني يا سراج.. أدخل مسلة في ظهري حتى أستيقظ من هذا الكابوس!
بكري : سامحك الله يا كركوز! تسمي ترحيبي بك كابوساً!!
كركوز : آخر عجائب هذه المدينة!!
بكري : حين أبلغنا سلطاننا العظيم عيواظ بقدومك دبّ الفرح في قلبي.. وحزنت لأنك لا تنزل ضيفاً عندي!
كركوز : آمنت باللّه وأكون ضيفك أيضاً!! سراج! لماذا تقف هكذا.. هات حجرا وأضرب به رأسي ليخرج منه الدم الفاسد، وأصدق بكري قائد الشرطة!
بكري : بيتي مفتوح لك متى شئت.. ولا مانع عندي أن يرافقك هذا الرجل.. فضيفك هو ضيفي!
كركوز : إن صديقي (سراج) حضر معي ليكون في عوني.
بكري : لا بد أنه صديق مخلص.. وقد قصصت عليه حكايتك من ألفها إلى يائها..
كركوز : بل هو يعرفها ويحفظها أكثر مني..
بكري : عظيم.. صديق وفي. أهلا بك (يا سراج) سيطيب لك المقام بيننا.. وعليك أن تعتني بصاحبك كركوز..
سراج : (هامساً في أذن كركوز) احترس يا سيدي.. إنه يدبر مكيدة لك!
بكري : اسمع يا اخي كركوز، أنا أعلم أنك غاضب مني لأني تزوجت (ست الحسن). صدقني يا كركوز أنّ عمي حنبوج هو السبب.
كركوز : أنت سرقت (ست الحسن) مني وأنت تعلم أنني خطيبها وأنني سافرت من أجل مهرها.
بكري : قلت لعمي حنبوج: إن ست الحسن خطيبة كركوز الطيب.. فقال حنبوج أمام الناس: كركوز لص سرق صندوقي وسافر وغرق في البحر وأكلته الأسماك.. فهل أتحمل أنا خطأ حنبوج!
كركوز : ليت الأسماك أكلتني فهذا أرحم منكم!
بكري : لا تغضب مني يا كركوز، فو اللّه أنا في أشد الخجل مما حدث.. وإذا أردت أن تحاسب أحد أفعليك بحنبوج، فهو ادّعى أنك لص.. وهو يستحق عقاباً لأنه فرّق بين حبيبين.. أتراني مذنباً في زواجي من ست الحسن؟!
كركوز : اسمع يا قائد الشرطة.. أنت تعلم أنني لست سارقاً.. ولكنني وقعت في مصيدة الخداع.. أضعت حياتي، فقدت أمي. فالمال لا يشتري أما!
بكري : وعليك الآن أن تعترف بالحقيقة أمام الناس لنفتح صفحة جديدة.
كركوز : أتظنني لا أعرف تفاصيل الحقيقة يا قائد الشرطة.. لقد أطلعني المصرّم على كل ما أريد معرفته عن السرقة..
بكري : وهل هناك سارق آخر يا كركوز؟!
كركوز : نعم!! سارق كبير. ولا بد أن أكشف سره أمام الناس.
بكري : قل لي من هو؟ لأقتص منه.. أم أنك تريد أن تحتفظ بهذا السر وحدك!
كركوز : اتركني الآن، فأنا أحسّ أن هناك من فتح رأسي وسرق عقلي.
بكري : طيب. كما تريد.. سأعود إليك حين تهدأ نفسك.. كان اللّه في عونك يا أخي كركوز.
[يخرج ببطء]
كركوز : (يصرخ) سراج.. سراج!! هذا هو إبليس.. هذا إبليس المدينة فكيف أتغلب عليه؟!
[يعود بكري ويقف عند الباب]
بكري : نسيت أن أقول لك يا أخي كركوز أنّ السلطان عيواظ يودّ رؤيتك فقد كلفني أن أدعوك إلى القصر متى تشاء. وستجد من يقودك إلى السلطان دون عناء طاب يومك.
[يخرج]
سراج : يستحيل أن يكون سفيراً للسلطان إليك.. إنه يريد بك شراً.. في عينيه سم الأفعى، وفي صدره حقد الجمال.
كركوز : صدقت يا سراج. إنها مكيدة.
سراج : أرجوك يا سيدي، لا تهلك نفسك بالبقاء هنا..
كركوز : اسمع يا سراج.. خذ هذا الكيس من الذهب وعد إلى أهلك لتعيش في سلام وطمأنينة بعيداً عن الدسائس والمكائد.
سراج : لا يا سيدي.. لقد عاهدتك أن أتبعك أينما سرت.. فقد أصبح مصيرك مصيري.. انظر يا سيدي لقد امتلأ الخان برجال غرباء.. أغلب الظن أنهم يراقبوننا.
كركوز : وأقسم إنهم من رجال بكري.. تعال معي يا سراج نفكر في طريقة نتخلص بها من مراقبتهم.
ســــــــتار
[كركوز مع سراج في الخان]
سراج : يا سيدي.. لقد طالت حيرتك.. عليك أن تتخذ قراراً سريعاً
كركوز : ولكني يا سراج أملك الحق، وأعرف الحقيقة، فكيف أهرب؟1
سراج : القوة في هذه المدينة فوق الحق والحقيقة..
كركوز : ولكن من يده في الزيت المغلي ليس كمن يده في الثلج!
سراج : أنا أشفق عليك يا سيدي.. فأنت لا تأكل ولا تشرب.. وتفكيرك لن يقودك إلى حل!
كركوز : هناك رجل قادم!
سراج : ضع اللثام يا سيدي.. فهذا أفضل
بكري : طاب مساؤك.. يا أخي كركوز.. ومرحبا بك في مدينتك..
كركوز : هل أنت تعرفني يا رجل؟!
بكري : لو غبت عن المدينة مائة عام فإنني أعرف حبيبي كركوز الطيب.. تعال أعانقك وأقبلك.. فقد ولدت من جديد!
كركوز : ولكني يا سيدي.. (يعانقه بقسوة) غير معقول.. لا بد أنني واهم..
بكري : لست واهماً يا أخي كركوز. فأنا بكري صديقك المخلص القديم!
كركوز : بكري.. قائد الشرطة! غير معقول! لا أصدق! سبحان اللّه! الثياب الفاخرة، والجبة والعطر والجوهرة فوق الرأس!
بكري : (يضحك) لا زلت كما أنت!
كركوز : اقرصني يا سراج.. أدخل مسلة في ظهري حتى أستيقظ من هذا الكابوس!
بكري : سامحك الله يا كركوز! تسمي ترحيبي بك كابوساً!!
كركوز : آخر عجائب هذه المدينة!!
بكري : حين أبلغنا سلطاننا العظيم عيواظ بقدومك دبّ الفرح في قلبي.. وحزنت لأنك لا تنزل ضيفاً عندي!
كركوز : آمنت باللّه وأكون ضيفك أيضاً!! سراج! لماذا تقف هكذا.. هات حجرا وأضرب به رأسي ليخرج منه الدم الفاسد، وأصدق بكري قائد الشرطة!
بكري : بيتي مفتوح لك متى شئت.. ولا مانع عندي أن يرافقك هذا الرجل.. فضيفك هو ضيفي!
كركوز : إن صديقي (سراج) حضر معي ليكون في عوني.
بكري : لا بد أنه صديق مخلص.. وقد قصصت عليه حكايتك من ألفها إلى يائها..
كركوز : بل هو يعرفها ويحفظها أكثر مني..
بكري : عظيم.. صديق وفي. أهلا بك (يا سراج) سيطيب لك المقام بيننا.. وعليك أن تعتني بصاحبك كركوز..
سراج : (هامساً في أذن كركوز) احترس يا سيدي.. إنه يدبر مكيدة لك!
بكري : اسمع يا اخي كركوز، أنا أعلم أنك غاضب مني لأني تزوجت (ست الحسن). صدقني يا كركوز أنّ عمي حنبوج هو السبب.
كركوز : أنت سرقت (ست الحسن) مني وأنت تعلم أنني خطيبها وأنني سافرت من أجل مهرها.
بكري : قلت لعمي حنبوج: إن ست الحسن خطيبة كركوز الطيب.. فقال حنبوج أمام الناس: كركوز لص سرق صندوقي وسافر وغرق في البحر وأكلته الأسماك.. فهل أتحمل أنا خطأ حنبوج!
كركوز : ليت الأسماك أكلتني فهذا أرحم منكم!
بكري : لا تغضب مني يا كركوز، فو اللّه أنا في أشد الخجل مما حدث.. وإذا أردت أن تحاسب أحد أفعليك بحنبوج، فهو ادّعى أنك لص.. وهو يستحق عقاباً لأنه فرّق بين حبيبين.. أتراني مذنباً في زواجي من ست الحسن؟!
كركوز : اسمع يا قائد الشرطة.. أنت تعلم أنني لست سارقاً.. ولكنني وقعت في مصيدة الخداع.. أضعت حياتي، فقدت أمي. فالمال لا يشتري أما!
بكري : وعليك الآن أن تعترف بالحقيقة أمام الناس لنفتح صفحة جديدة.
كركوز : أتظنني لا أعرف تفاصيل الحقيقة يا قائد الشرطة.. لقد أطلعني المصرّم على كل ما أريد معرفته عن السرقة..
بكري : وهل هناك سارق آخر يا كركوز؟!
كركوز : نعم!! سارق كبير. ولا بد أن أكشف سره أمام الناس.
بكري : قل لي من هو؟ لأقتص منه.. أم أنك تريد أن تحتفظ بهذا السر وحدك!
كركوز : اتركني الآن، فأنا أحسّ أن هناك من فتح رأسي وسرق عقلي.
بكري : طيب. كما تريد.. سأعود إليك حين تهدأ نفسك.. كان اللّه في عونك يا أخي كركوز.
[يخرج ببطء]
كركوز : (يصرخ) سراج.. سراج!! هذا هو إبليس.. هذا إبليس المدينة فكيف أتغلب عليه؟!
[يعود بكري ويقف عند الباب]
بكري : نسيت أن أقول لك يا أخي كركوز أنّ السلطان عيواظ يودّ رؤيتك فقد كلفني أن أدعوك إلى القصر متى تشاء. وستجد من يقودك إلى السلطان دون عناء طاب يومك.
[يخرج]
سراج : يستحيل أن يكون سفيراً للسلطان إليك.. إنه يريد بك شراً.. في عينيه سم الأفعى، وفي صدره حقد الجمال.
كركوز : صدقت يا سراج. إنها مكيدة.
سراج : أرجوك يا سيدي، لا تهلك نفسك بالبقاء هنا..
كركوز : اسمع يا سراج.. خذ هذا الكيس من الذهب وعد إلى أهلك لتعيش في سلام وطمأنينة بعيداً عن الدسائس والمكائد.
سراج : لا يا سيدي.. لقد عاهدتك أن أتبعك أينما سرت.. فقد أصبح مصيرك مصيري.. انظر يا سيدي لقد امتلأ الخان برجال غرباء.. أغلب الظن أنهم يراقبوننا.
كركوز : وأقسم إنهم من رجال بكري.. تعال معي يا سراج نفكر في طريقة نتخلص بها من مراقبتهم.
ســــــــتار
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
الفصل الثالث
الـمأســــــاة
المشــــــــهد الأول
(المكان خارج المدينة، السلطان متخف يستقبل كركوز)
السلطان : اسمع يا كركوز.. أرسلت وراءك سراً ليكون لقاؤنا بعيداً عن عيون الجواسيس. ويعلم اللّه كم بذلت من الجهد حتى تخلصت منها..
كركوز : لقد جاءني رسولك وأنا في أشد حالات الحزن.. بل إنني بكيت يوماً كاملاً بعد أن فقدت تابعي الأمين (سراج).
السلطان : وماذا حدث له؟!
كركوز : وقع ظهر أمس في بئر الخان.. ومات خنقاً قبل أن ينقذه أحد.. ما زالت صرخته وهو يهوي في البئر تصمّ أذنيّ.!!
السلطان : خفّف عنك يا صديقي كركوز، فالشر قادم إليك..
كركوز : صرت أشك في كل شيء.. حتى رسولك ظننته من أتباع بكري يستدرجني إلى تهلكة.. ولولا أنه ذكر الشامة في ظهري لما صدقته.. فتلك علامة لا يعرفها غيرك.
السلطان : دعك الآن من الحزن.. واسمعني جيداً.. يجب أن تعلم يا كركوز أن بكري وحنبوج والمدلل.. كلهم يريدون التخلص منك.. وقد اقنع أهل القصر أنني في خطر.. ولن يتورع بكري عن ارتكاب أية حماقة أو جريمة..
كركوز : ولماذا لا تقبض عليه، فأنت السلطان!
السلطان : دعك من الأوهام.. فكثير من أمثالي لا يملكون غير كرسي الحكم، ولا يملكون حرية حك رقابهم..
كركوز : إذاً تنح عن هذا الكرسي.. واختر حريتك! عد إلى المطحنة كما كنت في الماضي.. الرجل الذي يحب الناس، ويحبه الناس.
السلطان : فات الأوان يا كركوز.. لقد وصل الوحل إلى رقبتي.
كركوز : ولكن هل يعقل أن يشتري بكري كل الضمائر؟ شيء لا يصدق!
السلطان : الشر يا كركوز عفن يأكل الضمائر.. وبكري يريد أن يطمس صفحة الماضي.. واليوم وجدوا جثة المصرّم عند سور المدينة وقد نهشته الكلاب..
كركوز : يا إلهي! يا إلهي! أي بشر هذا المجرم! ليرحمك الله يا مصرّم.. ليرحمك اللّه.. فأنت شاهد على الحقيقة.
السلطان : ليس أمامك الآن سوى الهرب.. يجب أن تنجو بجلدك. فأنا أشم رائحة مكيدة مروعة..
كركوز : تريدني أن أهرب!! إلى أين؟! وما الذي أهرب من أجله؟!
السلطان : حب الحياة.. حب البقاء.. عليك أن تختفي.. عد من حيث أتيت..
كركوز : وإذا قلت لك إنني مستعد لمواجهة كل احتمال..
السلطان : مسكين وأبله.!! فأنت لا تملك ما تواجه به أحداً.. إنك لا تفرق بين الشجاعة والانتحار.. هيا انطلق الآن ولا ترني وجهك..
كركوز : أين أذهب وعيون الجواسيس في كل مكان!
السلطان : لقد رتبت لك الأمر.. هناك جواد قريب ينتظرك، وسيأخذك الرسول إلى بستان بعيد عن الأنظار، فامكث فيه، وإياك أن تخرج دون أذني..
كركوز : واتركك وحدك تواجه مكيدة بكري وحنبوج والمدلل! لا.. لا ليس هذا من شيمتي؟
السلطان : سأرغمك على الاختباء.. فلا تثر غضبي أكثر من ذلك.. أيها الرسول، اصطحب صديقي إلى البستان وابق إلى جانبه واسهر على راحته.. هيا انطلقا ورافقتكما السلامة.
[يخرجون جميعاً]
الـمأســــــاة
المشــــــــهد الأول
(المكان خارج المدينة، السلطان متخف يستقبل كركوز)
السلطان : اسمع يا كركوز.. أرسلت وراءك سراً ليكون لقاؤنا بعيداً عن عيون الجواسيس. ويعلم اللّه كم بذلت من الجهد حتى تخلصت منها..
كركوز : لقد جاءني رسولك وأنا في أشد حالات الحزن.. بل إنني بكيت يوماً كاملاً بعد أن فقدت تابعي الأمين (سراج).
السلطان : وماذا حدث له؟!
كركوز : وقع ظهر أمس في بئر الخان.. ومات خنقاً قبل أن ينقذه أحد.. ما زالت صرخته وهو يهوي في البئر تصمّ أذنيّ.!!
السلطان : خفّف عنك يا صديقي كركوز، فالشر قادم إليك..
كركوز : صرت أشك في كل شيء.. حتى رسولك ظننته من أتباع بكري يستدرجني إلى تهلكة.. ولولا أنه ذكر الشامة في ظهري لما صدقته.. فتلك علامة لا يعرفها غيرك.
السلطان : دعك الآن من الحزن.. واسمعني جيداً.. يجب أن تعلم يا كركوز أن بكري وحنبوج والمدلل.. كلهم يريدون التخلص منك.. وقد اقنع أهل القصر أنني في خطر.. ولن يتورع بكري عن ارتكاب أية حماقة أو جريمة..
كركوز : ولماذا لا تقبض عليه، فأنت السلطان!
السلطان : دعك من الأوهام.. فكثير من أمثالي لا يملكون غير كرسي الحكم، ولا يملكون حرية حك رقابهم..
كركوز : إذاً تنح عن هذا الكرسي.. واختر حريتك! عد إلى المطحنة كما كنت في الماضي.. الرجل الذي يحب الناس، ويحبه الناس.
السلطان : فات الأوان يا كركوز.. لقد وصل الوحل إلى رقبتي.
كركوز : ولكن هل يعقل أن يشتري بكري كل الضمائر؟ شيء لا يصدق!
السلطان : الشر يا كركوز عفن يأكل الضمائر.. وبكري يريد أن يطمس صفحة الماضي.. واليوم وجدوا جثة المصرّم عند سور المدينة وقد نهشته الكلاب..
كركوز : يا إلهي! يا إلهي! أي بشر هذا المجرم! ليرحمك الله يا مصرّم.. ليرحمك اللّه.. فأنت شاهد على الحقيقة.
السلطان : ليس أمامك الآن سوى الهرب.. يجب أن تنجو بجلدك. فأنا أشم رائحة مكيدة مروعة..
كركوز : تريدني أن أهرب!! إلى أين؟! وما الذي أهرب من أجله؟!
السلطان : حب الحياة.. حب البقاء.. عليك أن تختفي.. عد من حيث أتيت..
كركوز : وإذا قلت لك إنني مستعد لمواجهة كل احتمال..
السلطان : مسكين وأبله.!! فأنت لا تملك ما تواجه به أحداً.. إنك لا تفرق بين الشجاعة والانتحار.. هيا انطلق الآن ولا ترني وجهك..
كركوز : أين أذهب وعيون الجواسيس في كل مكان!
السلطان : لقد رتبت لك الأمر.. هناك جواد قريب ينتظرك، وسيأخذك الرسول إلى بستان بعيد عن الأنظار، فامكث فيه، وإياك أن تخرج دون أذني..
كركوز : واتركك وحدك تواجه مكيدة بكري وحنبوج والمدلل! لا.. لا ليس هذا من شيمتي؟
السلطان : سأرغمك على الاختباء.. فلا تثر غضبي أكثر من ذلك.. أيها الرسول، اصطحب صديقي إلى البستان وابق إلى جانبه واسهر على راحته.. هيا انطلقا ورافقتكما السلامة.
[يخرجون جميعاً]
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
المشــــــــهد الثاني
[في بيت بكري.. يقف مع زوجته ست الحسن]
ست الحسن : إلى هذا الحد تخشى من عودة كركوز!!
بكري : أنت تعرفين يا ست الحسن أن قلب زوجك أقسى من السنديان..
ست الحسن : ولهذا تنشر رجالك في كل مكان!! هو واحد.. وأنتم كثيرون. انظر في المرآة لترى وجهك على حقيقته.. إنه يشع بالحقد والخوف والجبن..
بكري : أتحبين كركوز يا ست الحسن!! وتكرهين زوجك!!
ست الحسن : ومتى أحببتني يا بكري!! كل الناس يعرفون علاقتك المشبوهة بالغناجة..
بكري : اخرسي يا فاجرة.. وإلاّ قطعتُ لسانك!!
ست الحسن : لم يعد يهمني ما تفعل يا بكري.. كل ما أريده أنْ تبتعد عن كركوز.. دعه وشأنه.. فهو لا يستطيع أن يؤذي أحداً..
بكري : تدافعين عن لص مخادع.. سرق مال والدك حنبوج!! أية امرأة جاحدة أنت!
ست الحسن : قلت لك دعْ كركوز وشأنه..
بكري : اسمعي.. لن أدعك تقابلينه لحظة واحدة.. وإذا سمحت لك يوماً أن تقع عيناك على وجهه القبيح، فلن يكون ذلك إلا وهو يسبح بدمائه تحت قدميّ.
ست الحسن : وأنا لن أسمح لك أن تمس شعرةً من رأسه بسوء..
بكري : (يضحك) بلْ سأجزُّ فروة رأسه كلها.. وسأجعلك تتوسلين إليّ أنْ تلحقي به.
ست الحسن : لا تسخر مني يا قائد الشرطة.. فأنا أملك دليل براءة كركوز.
بكري : لن يصدقك أحد.. إنه لص محترف.. ومجرم يخطط لاغتيال السلطان.
ست الحسن : ولماذا لا يقتلك أنت! ألست من سرق المال وسرق خطيبته
بكري : ماذا تقولين؟ سرقتُ المال وسرقتُ خطيبته؟! أنت مجنونة!
ست الحسن : لا تحسب نفسك واسع الذكاء يا بكري.. فأمرك مفضوح، وخطتك مكشوفة ولكن والدي الذي أعماه المال صدّق ما ادعيته أمام الناس.. من أين جئت بمهري يا بكري؟! من عرق جبينك؟
بكري : (مرتبكاً) الآن.. بعد عشر سنوات تسألين عن مهرك الذي قبضه والدك عداً ونقداً من الذهب..
ست الحسن : إنه مال أبي المسروق، رددته إليه، فزوّجك ابنته!!
بكري : أنت كاذبة..
ست الحسن : والصندوق الأحمر المزين بالفضة! ألم يسرقه كركوز ويأخذه معه.. ألم يغرق مع كركوز في البحر!
بكري : هذا أكيد.. يجب أن يغرق معه..
ست الحسن : إذاً.. رأيتك تخفي صندوقاً أحمر وغطاؤه مزين بالفضة.
بكري : كاذبة.
ست الحسن : إنني الآن أحتفظ بصندوق والدي.. أخفيه في مكان لا تمتدُّ إليه يدك الطويلة.. فإذا لم تكف عن ملاحقة كركوز فإنني سأكشف سر هذا الصندوق..
بكري : لا بد أن كركوز قد أعاد الصندوق ليكسب ودك ويستعيد حبك..
ست الحسن : بل إن الصندوق وجدته مدفوناً تحت كرسيك الفضي..
بكري : أيتها اللعينة.. ستدفعين الثمن غالياً..
ست الحسن : بل أنت من يجب أن يدفع الثمن..
بكري : لن أسمح لك ان تهدمي أحلامي وخططي.. الآن وقد جاءت الفرصة للتخلص من السلطان.. ليكون زوجك سلطاناً جديداً.. تقفين في مواجهتي كي أفشل!! ما أصعب لحظات الحساب.. أيتها اللعينة!! (يصرخ) أيها الحراس.. لا أريد أحداً يدخل بيتي أو يخرج منه.. سأقطع رأس كل من يخالف أمري.. (لزوجته) أما أنت أيتها الخائنة فستلحقين بحبيب القلب عما قريب..
[يخرج غاضباً]
[في بيت بكري.. يقف مع زوجته ست الحسن]
ست الحسن : إلى هذا الحد تخشى من عودة كركوز!!
بكري : أنت تعرفين يا ست الحسن أن قلب زوجك أقسى من السنديان..
ست الحسن : ولهذا تنشر رجالك في كل مكان!! هو واحد.. وأنتم كثيرون. انظر في المرآة لترى وجهك على حقيقته.. إنه يشع بالحقد والخوف والجبن..
بكري : أتحبين كركوز يا ست الحسن!! وتكرهين زوجك!!
ست الحسن : ومتى أحببتني يا بكري!! كل الناس يعرفون علاقتك المشبوهة بالغناجة..
بكري : اخرسي يا فاجرة.. وإلاّ قطعتُ لسانك!!
ست الحسن : لم يعد يهمني ما تفعل يا بكري.. كل ما أريده أنْ تبتعد عن كركوز.. دعه وشأنه.. فهو لا يستطيع أن يؤذي أحداً..
بكري : تدافعين عن لص مخادع.. سرق مال والدك حنبوج!! أية امرأة جاحدة أنت!
ست الحسن : قلت لك دعْ كركوز وشأنه..
بكري : اسمعي.. لن أدعك تقابلينه لحظة واحدة.. وإذا سمحت لك يوماً أن تقع عيناك على وجهه القبيح، فلن يكون ذلك إلا وهو يسبح بدمائه تحت قدميّ.
ست الحسن : وأنا لن أسمح لك أن تمس شعرةً من رأسه بسوء..
بكري : (يضحك) بلْ سأجزُّ فروة رأسه كلها.. وسأجعلك تتوسلين إليّ أنْ تلحقي به.
ست الحسن : لا تسخر مني يا قائد الشرطة.. فأنا أملك دليل براءة كركوز.
بكري : لن يصدقك أحد.. إنه لص محترف.. ومجرم يخطط لاغتيال السلطان.
ست الحسن : ولماذا لا يقتلك أنت! ألست من سرق المال وسرق خطيبته
بكري : ماذا تقولين؟ سرقتُ المال وسرقتُ خطيبته؟! أنت مجنونة!
ست الحسن : لا تحسب نفسك واسع الذكاء يا بكري.. فأمرك مفضوح، وخطتك مكشوفة ولكن والدي الذي أعماه المال صدّق ما ادعيته أمام الناس.. من أين جئت بمهري يا بكري؟! من عرق جبينك؟
بكري : (مرتبكاً) الآن.. بعد عشر سنوات تسألين عن مهرك الذي قبضه والدك عداً ونقداً من الذهب..
ست الحسن : إنه مال أبي المسروق، رددته إليه، فزوّجك ابنته!!
بكري : أنت كاذبة..
ست الحسن : والصندوق الأحمر المزين بالفضة! ألم يسرقه كركوز ويأخذه معه.. ألم يغرق مع كركوز في البحر!
بكري : هذا أكيد.. يجب أن يغرق معه..
ست الحسن : إذاً.. رأيتك تخفي صندوقاً أحمر وغطاؤه مزين بالفضة.
بكري : كاذبة.
ست الحسن : إنني الآن أحتفظ بصندوق والدي.. أخفيه في مكان لا تمتدُّ إليه يدك الطويلة.. فإذا لم تكف عن ملاحقة كركوز فإنني سأكشف سر هذا الصندوق..
بكري : لا بد أن كركوز قد أعاد الصندوق ليكسب ودك ويستعيد حبك..
ست الحسن : بل إن الصندوق وجدته مدفوناً تحت كرسيك الفضي..
بكري : أيتها اللعينة.. ستدفعين الثمن غالياً..
ست الحسن : بل أنت من يجب أن يدفع الثمن..
بكري : لن أسمح لك ان تهدمي أحلامي وخططي.. الآن وقد جاءت الفرصة للتخلص من السلطان.. ليكون زوجك سلطاناً جديداً.. تقفين في مواجهتي كي أفشل!! ما أصعب لحظات الحساب.. أيتها اللعينة!! (يصرخ) أيها الحراس.. لا أريد أحداً يدخل بيتي أو يخرج منه.. سأقطع رأس كل من يخالف أمري.. (لزوجته) أما أنت أيتها الخائنة فستلحقين بحبيب القلب عما قريب..
[يخرج غاضباً]
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
المشــــــهد الثالث
( السلطان -ثم يدخل المدلل)
السلطان : (بدهشة) المدلل! ماذا وراءك في مثل هذه الساعة من الليل؟
المدلل : يا مولاي، أنا قائد حرسك. ولا يعقل أن تنام لي عين وأنت مهدد بخطر أكيد.
السلطان : ومتى استفاق ضميرك يا مدلل! فأنت تقضي نصف يومك في الشراب والنصف الآخر في النوم.. فأي شيطان أيقظك ومسح النوم عن عينيك؟!
المدلل : لا أكتم يا مولاي أنني مكلف بحمايتك من الخطر..
السلطان : كما يحمي البوم الناس بعينيه المدورتين! هيا دعني وحدي فأنا أعرف من أين يأتي الخطر.
المدلل : ومن يريد الاعتداء على حياتكم الغالية غير هذا اللص كركوز!
السلطان : وماذا قال لك قائد الشرطة عن كركوز وعني؟1
المدلل : معاذ اللّه يا مولاي.. فأنا أقوم بواجبي من تلقاء نفسي..
السلطان : لا تقترب مني.. فرائحة الخمرة تقرفني منك..
المدلل : الآن.. صرت لا تطيقني يا مولاي!
السلطان : حقير!! رفعتك من روث البهائم إلى النجوم.. ولكنك أبداً تريد أن تعود إلى جذورك..
المدلل : كفاك إهانة يا عيواظ..
السلطان : عيواظ! هكذا تخاطبني أيها النذل المخادع.. لا أشك لحظة أن بكري قد سلبك عقلك أيها التافه..
المدلل : قلت لك لن أحتمل إهانة منك.. فأنا قائد حرس السلطان.
السلطان : كنت جائعاً فاطعمتك، كنت مشرداً فآويتك.. وكنت عارياً فكسوتك.. كنت تسرق أكياس الطحين وأتغاضى عنك..
المدلل : كلانا سرق الآخر..
السلطان : خسئت أيها اللعين..
المدلل : إذا كنت قد سرقت أكياس الطحين، فأنت سرقت حبيبتي..
السلطان : حبيبتك؟!
المدلل : نعم! حبيبتي الغناجة..
السلطان : أي شراب نجس تجرعته الليلة!!
المدلل : كانت الغناجة روحي التي سلبتها مني.. وصبرت.
السلطان : تباً لك أيها الفاجر. أيها الحراس.. أيها الحراس..
المدلل : لا بد لكل أمر نهاية.. وحانت الآن النهاية أيها السلطان العجوز.
السلطان : أيها الوغد تتجرأ على تهديدي يا ابن الزنا.. أيها الحراس!
المدلل : لن يسمعك أحد.. الأبواب الآن مغلقة..
السلطان : أيها الحراس.. اقبضوا على هذا الكلب!
المدلل : سأستعيد في هذه الليلة حبيبتي الغناجة..
السلطان : مجنون.. مجنون.
[يحاول السلطان الخروج، فيجد الأبواب مغلقة]
السلطان : مؤامرة.. وأنت صاحب الرأس الصغير وعقل العصفور.. استغل بكري شهوتك الرخيصة ودفعك إلى قرار في جهنم!
المدلل : (يشهر سيفه) مرحبا بجهنم مع الغناجة..
السلطان : جبان حقير..
المدلل : لن تخرج من هنا حيا..
السلطان : اعقل يا مدلل.. لا تورط نفسك في حماقة.. تقتل سيدك الأعزل وأنت المكلف بحمايته!!
المدلل : بل اقتل عدوي القديم. أقتل الماضي..
السلطان : ستندم يا مدلل.. أنت مجنون.. ابتعد عني. ستندم على قتلي.. لن يتركك بكري حياً.. سيتخلص منك..
المدلل : سأفعل أي شيء من أجل (الغناجة) سأقتلك.. سأقتل سيدي لتكون الغناجة لي.. الغناجة لي وحدي.. ولتذهب أنت إلى الجحيم الأحمر..
(يضرب المدلل السلطان بسيفه عدة ضربات فيسقط السلطان، ثم تخمد حركته)
المدلل : (مرتعشاً) مولاي. (يهزه) مولاي! ماذا فعلت يا مدلل بسيدك.. اللعنة عليّ.. (يركع) سامحني يا معلمي، يا مولاي.. فأنا أحب الغناجة.. ويجب أن تموت كي احيا سعيداً..
(يفتح الباب، ويدخل بكري شاهراً سيفه)
بكري : أنت بطل يا مدلل.. بطل شجاع،
المدلل : قتلت مولاي!.. قتلت معلمي عيواظ الذي رباني وآواني وسامحني، قتلته بسيفي يا بكري..
بكري : اخفض صوتك يا مجنون.. فأنت قتلت اللص الذي سرق حبيبتك.
المدلل : (ينهض) ولكني أصبحت قاتلاً!!
بكري : الا تستحق الغناجة مثل هذه البطولة؟!!!
المدلل : الغناجة! آه من الغناجة! ستنام معي على فراش من الدم. ستظل صورة عيواظ أمامي دوماً.. تكاد عيناي تتفجران ندماً (يدور حول الجثة) ماذا فعلت يداك يا مدلل؟!
بكري : ماذا أصابك أيها المعتوه..؟! اسكت ولا تفسد عليّ ما أخطط له فقد قطعت الآن أصعب المراحل إلى كرسي السلطان..
المدلل : انظر إلى يدي! ما أبشع اليد الملوثة بالدم البريء!
بكري : أنت تهذي.. اسكت قبل أن أسكتك إلى الأبد.. ولن أسمح لك أن تفسد عليّ سعادتي في هذه اللحظات الحاسمة. هيا اخرج من هنا فالغناجة تنتظرك لتزف إليها البشرى..
المدلل : الغناجة تنتظرني؟! وهل هي على علم بما فعلت؟!
بكري : منذ البداية أيها البطل..
المدلل : لا.. أنا لست بطلاً.. أنا القاتل الجبان. أنا قتلت السلطان.. (يبكي)
بكري : تبكي أيها الجبان؟ إذاً خذ هذه الهدية لتخرس إلى الأبد.. (يطعنه بالسيف عدة طعنات) ليمت سرك معك، فأنت قتلت السلطان.. وأنا قتلت القاتل انتقاماً للسلطان..
[يسقط المدلل على الأرض.. يخرج بكري بعد أن يتأكد من موته]
( السلطان -ثم يدخل المدلل)
السلطان : (بدهشة) المدلل! ماذا وراءك في مثل هذه الساعة من الليل؟
المدلل : يا مولاي، أنا قائد حرسك. ولا يعقل أن تنام لي عين وأنت مهدد بخطر أكيد.
السلطان : ومتى استفاق ضميرك يا مدلل! فأنت تقضي نصف يومك في الشراب والنصف الآخر في النوم.. فأي شيطان أيقظك ومسح النوم عن عينيك؟!
المدلل : لا أكتم يا مولاي أنني مكلف بحمايتك من الخطر..
السلطان : كما يحمي البوم الناس بعينيه المدورتين! هيا دعني وحدي فأنا أعرف من أين يأتي الخطر.
المدلل : ومن يريد الاعتداء على حياتكم الغالية غير هذا اللص كركوز!
السلطان : وماذا قال لك قائد الشرطة عن كركوز وعني؟1
المدلل : معاذ اللّه يا مولاي.. فأنا أقوم بواجبي من تلقاء نفسي..
السلطان : لا تقترب مني.. فرائحة الخمرة تقرفني منك..
المدلل : الآن.. صرت لا تطيقني يا مولاي!
السلطان : حقير!! رفعتك من روث البهائم إلى النجوم.. ولكنك أبداً تريد أن تعود إلى جذورك..
المدلل : كفاك إهانة يا عيواظ..
السلطان : عيواظ! هكذا تخاطبني أيها النذل المخادع.. لا أشك لحظة أن بكري قد سلبك عقلك أيها التافه..
المدلل : قلت لك لن أحتمل إهانة منك.. فأنا قائد حرس السلطان.
السلطان : كنت جائعاً فاطعمتك، كنت مشرداً فآويتك.. وكنت عارياً فكسوتك.. كنت تسرق أكياس الطحين وأتغاضى عنك..
المدلل : كلانا سرق الآخر..
السلطان : خسئت أيها اللعين..
المدلل : إذا كنت قد سرقت أكياس الطحين، فأنت سرقت حبيبتي..
السلطان : حبيبتك؟!
المدلل : نعم! حبيبتي الغناجة..
السلطان : أي شراب نجس تجرعته الليلة!!
المدلل : كانت الغناجة روحي التي سلبتها مني.. وصبرت.
السلطان : تباً لك أيها الفاجر. أيها الحراس.. أيها الحراس..
المدلل : لا بد لكل أمر نهاية.. وحانت الآن النهاية أيها السلطان العجوز.
السلطان : أيها الوغد تتجرأ على تهديدي يا ابن الزنا.. أيها الحراس!
المدلل : لن يسمعك أحد.. الأبواب الآن مغلقة..
السلطان : أيها الحراس.. اقبضوا على هذا الكلب!
المدلل : سأستعيد في هذه الليلة حبيبتي الغناجة..
السلطان : مجنون.. مجنون.
[يحاول السلطان الخروج، فيجد الأبواب مغلقة]
السلطان : مؤامرة.. وأنت صاحب الرأس الصغير وعقل العصفور.. استغل بكري شهوتك الرخيصة ودفعك إلى قرار في جهنم!
المدلل : (يشهر سيفه) مرحبا بجهنم مع الغناجة..
السلطان : جبان حقير..
المدلل : لن تخرج من هنا حيا..
السلطان : اعقل يا مدلل.. لا تورط نفسك في حماقة.. تقتل سيدك الأعزل وأنت المكلف بحمايته!!
المدلل : بل اقتل عدوي القديم. أقتل الماضي..
السلطان : ستندم يا مدلل.. أنت مجنون.. ابتعد عني. ستندم على قتلي.. لن يتركك بكري حياً.. سيتخلص منك..
المدلل : سأفعل أي شيء من أجل (الغناجة) سأقتلك.. سأقتل سيدي لتكون الغناجة لي.. الغناجة لي وحدي.. ولتذهب أنت إلى الجحيم الأحمر..
(يضرب المدلل السلطان بسيفه عدة ضربات فيسقط السلطان، ثم تخمد حركته)
المدلل : (مرتعشاً) مولاي. (يهزه) مولاي! ماذا فعلت يا مدلل بسيدك.. اللعنة عليّ.. (يركع) سامحني يا معلمي، يا مولاي.. فأنا أحب الغناجة.. ويجب أن تموت كي احيا سعيداً..
(يفتح الباب، ويدخل بكري شاهراً سيفه)
بكري : أنت بطل يا مدلل.. بطل شجاع،
المدلل : قتلت مولاي!.. قتلت معلمي عيواظ الذي رباني وآواني وسامحني، قتلته بسيفي يا بكري..
بكري : اخفض صوتك يا مجنون.. فأنت قتلت اللص الذي سرق حبيبتك.
المدلل : (ينهض) ولكني أصبحت قاتلاً!!
بكري : الا تستحق الغناجة مثل هذه البطولة؟!!!
المدلل : الغناجة! آه من الغناجة! ستنام معي على فراش من الدم. ستظل صورة عيواظ أمامي دوماً.. تكاد عيناي تتفجران ندماً (يدور حول الجثة) ماذا فعلت يداك يا مدلل؟!
بكري : ماذا أصابك أيها المعتوه..؟! اسكت ولا تفسد عليّ ما أخطط له فقد قطعت الآن أصعب المراحل إلى كرسي السلطان..
المدلل : انظر إلى يدي! ما أبشع اليد الملوثة بالدم البريء!
بكري : أنت تهذي.. اسكت قبل أن أسكتك إلى الأبد.. ولن أسمح لك أن تفسد عليّ سعادتي في هذه اللحظات الحاسمة. هيا اخرج من هنا فالغناجة تنتظرك لتزف إليها البشرى..
المدلل : الغناجة تنتظرني؟! وهل هي على علم بما فعلت؟!
بكري : منذ البداية أيها البطل..
المدلل : لا.. أنا لست بطلاً.. أنا القاتل الجبان. أنا قتلت السلطان.. (يبكي)
بكري : تبكي أيها الجبان؟ إذاً خذ هذه الهدية لتخرس إلى الأبد.. (يطعنه بالسيف عدة طعنات) ليمت سرك معك، فأنت قتلت السلطان.. وأنا قتلت القاتل انتقاماً للسلطان..
[يسقط المدلل على الأرض.. يخرج بكري بعد أن يتأكد من موته]
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
المشــــــهد الرابع
[ أصوات.. قُتل السلطان.. قتل السلطان.. قتل كركوز السلطان عيواظ.. أيها الناس قتل كركوز السلطان.. هيا الحقوا به، لا تدعوا المجرم يهرب.. أمسكوا به.. اقبضوا على المجرم. يظهر الوزير حنبوج مع بكري، ثم تدخل الحاشية في جو حزين ]
بكري : أنا لا أدري، يا سادة، ماذا أقول في مثل هذا الموقف الصعب.. ولكم تمنيت ألاّ أقف ناعياً ومُعزياً بسلطاننا العظيم.. ولكنها مشيئة اللّه!
حنبوج : أرجو يا قائد الشرطة أن تقدم لنا تفاصيل ما حدث..
بكري : لا أكتمكم أنني حائر فيما حدث، فأحزاني تمسك لساني وواجبي يدفعني أن أقدم تقريراً عن أسرار الاغتيال..
حنبوج : علينا يا سادة ان نتغلّب على أحزاننا، وأنْ نكون أكثر تماسكاً ووعياً حتى نحافظ على أمن المدينة واستقرارها..
بكري : تعلمون يا سادة أنني حذّرت سلطاننا المغدور في هذا المجلس الكريم من خطر الرجل الغريب.. ولكن قلب السلطان الطيب جعله يعتقد أنّ الرجل الغريب لن يُقدم على عمل يُؤذيه. أتعلمون من هذا الرجل؟! إنه كركوز! نعم يا سادة كركوز الذي سرق صندوق وزيرنا حنبوج قبل عشر سنوات..
حنبوج : نعم لا بد أنكم تذكرون الصندوق الأحمر الذي سرقه كركوز من قصري ليلة سفره بعد أن وافقت على أن يخطب ابنتي..
بكري : الطمع يا سادة أقوى من القلوب الطيبة والضمائر الحيّة.. وأعتقد أنه متآمر مع حاكم جزيرة القرود. وعاد إلينا ليقّوض الأمن والاستقرار والهيبة التي وصلت إليها مدينتنا في عهد السلطان عيواظ.
حنبوج : وكان سلطاننا المغدور يريد أنْ يُقنع كركوز بالحسنى أن يغادر المدينة ويعود من حيث أتى..
بكري : ولكن سلطاننا الطيب لم يكن يدري أن يد كركوز الآثمة ستمتد إليه.. نعم دخل كركوز المجرم وقتل السلطان الأعزل. وحين حاول المدلل قائد حرس السلطان الباسل أن يدافع عنه سقط قتيلاً وهو يحمي السلطان بجسده ويده..
حنبوج : وهكذا أيها السادة ترون أننا خسرنا رجلاً أحبه الناس، وحارساً أميناً ضرب مثلاً أعلى في الإخلاص.
رجل أول : الواجب يحتم علينا أن نحافظ على الإستقرار والأمن وأرى أن نختار من بيننا رجلاً نولّيه أمرنا في هذه المحنة ريثما نتفق على سلطان جديد..
رجل ثان : لسنا بحاجة إلى طويل وقت لنفكر فيمن نوليه سلطاناً، وأمامنا رجل أثبت في الملمات إخلاصه..
حنبوج : هذا هو الرأي السديد.. أشيروا أيها الرجال..
رجل أول : الوقت يسابقنا، ولا حاجة إلى جدال طويل فقائد شرطتنا هو الرجل القوي المناسب..
حنبوج : ليضع كل منكم يده على صدره وليقل الحق فيمن يريد ويراه أهلاً لقيادتنا.
رجل ثان : قائد الشرطة عرفناه حازماً وهو كفء وقوي.
حنبوج : وما رأي قاضينا المبجل؟
القاضي : (يتقدم) كنت أفضل أن يجف دم السلطان، فالقبر ما زال مفتوحاً ينتظر أن نسجي فيه جثمان من أحببنا. لذلك أرى أن يؤجل اختيار السلطان الجديد إلى وقت آخر.. فأغلب رجال السلطنة غائبون.. مقدم الألوف.. شيخ الجامع الكبير.. ولاة الأقضية وغيرهم..
حنبوج : كأنك أيها القاضي تعترض على ولاية بكري قائد الشرطة.
رجل أول : نحن قررنا أن يكون سلطاننا الجديد بكري قائد الشرطة..
بكري : مهلاً يا سادة فأنتم تلقون على ظهري حملاً قد يكون أثقل من طاقتي!!
رجل ثان : لا يحق لنا اختيار السلطان إلا إذا اكتمل المجلس السلطاني والغائبون كثيرون.. وإذا كنا نريد من يشرف على أمور حياتنا الآن فإن نظام السلطنة يعطي القاضي حق تصريف شؤون الرعية حتى يتم اختيار السلطان..
حنبوج : وماذا لو قلت لكم إن مدينة الأصنام تستعد لشن عدوان علينا!! إنهم يستغلون فرصة فراغ السلطنة للنيل من مدينتنا.
بكري : أرجو أيها السادة ألاّ تختلفوا فيما بينكم،
فواللّه ليس هناك أقسى من اختلافكم وتفرق كلمتكم.
رجل أول : ولكننا ننتظر المرضى والمقعدين وفاقدي العقل، ليقرروا مصيرنا.
حنبوج : هل يعارض أحد منكم الآن أن نولي بكري قائد الشرطة سلطاناً جديداً علينا..؟
[تنفجر الأصوات بين مؤيد ومعارض يدخل الحاجب]
الحاجب : (لبكري) سيدي لقد قبضنا على المجرم كركوز مختبئاً في بستان السلطان.
بكري : أدخلوه.. (للحاضرين) وأخيراً وقع المجرم في شر أعماله وسينال عقابه سريعاً (يدخل كركوز مكبلاً بالأغلال)
كركوز : رحمك الله يا عيواظ.. مالك وللسلطنة والحكم والقصر؟! رحمك الله.. (يبكي).
بكري : انظروا يا سادة نَدَمَ المجرم بعد أن يقع في يد العدالة! ولكن هذا البكاء لن ينقذ رأسكَ العفن.
كركوز : أنا لا أبكي على نفسي، وإنما أبكي على هذه المدينة التي فقدت رجلاً طيباً.
حنبوج : تقتله وتبكي عليه! أسمعتم أعجبَ من هذا يا سادة؟!
كركوز : أنت تعلم قبل غيرك أنني لا أجرؤ على ذبح عصفور، فكيف أقتل صديقاً؟!
حنبوج : لقد غسلوا لك عقلك.. ودسّوا فيه روح الشر. أنت عدت لتهدم كل ما بناه السلطان وما أنجزته يداه..
كركوز : أنتم من فاضت نفسه بالشر.. بكري... خطّط لكل هذا.. بكري هو الذي قتل السلطان..
حنبوج : إنك تتظاهر بالبلاهة والطيبة.. ولكن الخبث قد استعبد جسدك، وجرى دم الخيانة في عروقك..
بكري : كركوز.. أنت متّهم بقتل السلطان وحارسه المدلل.
حنبوج : سيدي القاضي.. أرجو أنْ تأخذ مكانك لمحاكمة هذا الصعلوك.
القاضي : فكّوا قيوده، وأحضروا الشهود..
[يجلس القاضي في الصدر]
بكري : لا.. لا تفكوا القيود.. فهو مجرم خطر.
كركوز : يا سيدي القاضي.. أنا خطبت بنت حنبوج.
بكري : أتحدثنا عن قصة مضى عليها عشرة أعوام! إنه يريد أنْ ننسى جريمته ليقص علينا قصة حياته المحزنة..
القاضي : إذا كان الماضي له علاقة بالحاضر.. فعلينا ألاّ ننسى شيئاً منه..
كركوز : نعم يا سيدي القاضي.. طلب والد حنبوج مهراً قدره ألف ليرة ذهبية وسافرت إلى جزيرة القرود لأكسب هذا المبلغ..
بكري : ونسيت أن تقول إنك سرقت صندوق سيدك حنبوج وحملته معك.
كركوز : لو كان هذا صحيحاً لعدت إلى المدينة بعد عام.. أو عامين.. ثلاثة!
حنبوج : أنت الذي سرقت صندوقي أيها اللص.. وفيه كلّ مالي! أنت رجل حاقد مجنون.. اجتمعت في رأسك كل ديدان الشر.. السرقة والغش والقتل..
بكري : أيُّها القاضي المبجّل. إن جريمة كركوز عارٌ علينا لا يغسله إلاّ قطع رأسه حالاً..
القاضي : كأنك يا قائد الشرطة قد حكمت عليه دون أن نسمع الشهود وقبل أن يُدان!
بكري : الأدلة كافية، والجريمة شاهدة.. وأيُّ شاهد أصدق من قتل السلطان وحارسه الأمين! ولا حاجة بنا إلى مماطلات القضاء..
حنبوج : هذا صحيح.. يجب أن نجتثَّ الشر حالاً.
القاضي : وأنا لن أُصدر حكماً إلاّ بعد أنْ أتقصّى الحقيقة بكل تفصيلاتها..
بكري : ونحن لن ننتظرك حتى يتحول الأمر إلى شبهة أو التباس!
القاضي : العدل يا بكري يتطلب منّا معرفة الحقيقة!
بكري : لا نريد مثل هذا العدل.. (يمسك سيفه).. هذا هو العدل
القاضي : هذا عدل الضعفاء.
بكري : أيها الحراس.. خذوا هذا المجرم واقطعوا رأسه وعلقوه على باب المدينة سبعة أيام..
ثم ارموه للكلاب..
القاضي : هذه جريمة.. ولن أسمح بارتكابها..
بكري : لا نريد قضاءً يُفلتُ منه المجرم.. ويحمي الأشرار.
رجل أول : إن قائد شرطتنا على حق.. فالأمور الصعبة تحتاج إلى حزم سريع.
القاضي : وأنا أمنعكم من قتله..
بكري : خذوه، ولا تتأخروا لحظةً في تنفيذ أمري.
القاضي : وأنا آمركم أنْ تفكوا قيوده حالاً..
[أصوات مختلطة من الخارج.. ثم تدخل ست الحسن في ثياب رجل].
الحاجب : لقد أصرّ هذا الرجل على الدخول، فهو يدعي أنه يملك براءَة كركوز من التهم الموجهة إليه..
بكري : ومن أنت أيها الرجل الشهم..
[تقترب منه ست الحسن وترفع غطاء الرأس]
ست الحسن : أنا زوجتك ست الحسن يا قائد الشرطة.
بكري : ست الحسن! زوجتي!
حنبوج : ما الذي جاء بك إلى هنا يا ابنتي؟!
بكري : عودي إلى القصر.. فلا مكان لك بين الرجال!
كركوز : الحمد للّه الذي منحني هذه الفرصة لأراكِ يا ست الحسن!
بكري : تعالي يا زوجتي الكريمة.. إن خوفك على والداك وزوجك هو الذي دفعك إلى المجيء إلى هنا.. ما أروع اخلاصك يا زوجتي الكريمة..
ست الحسن : دع يدك الملوثة بدماء السلطان عني!
حنبوج : ما هذا الهراء!. أعرف عنك العقل والاتزان!
بكري : إنها محمومة! شفاكِ الله يا زوجتي..
ست الحسن : لا يا بكري.. يا زوجي العزيز.. أقولها أمام هؤلاء القوم أنت من قتلت السلطان.. لتكون سلطاناً جديداً.. وأنت من سرق صندوق والدي الأحمر واتهمت كركوز، كما تتهمه الآن بقتل صديقه عيواظ..
بكري : إنها تهذي. إنها الحمى.. الحمى تفعل أكثر من ذلك..
حنبوج : كيف تجرؤين على اتهام زوجك.. هل جننت؟!
ست الحسن : بل هو أراد قتلي أيضاً.. طلب من الطباخ أن يضع لي سماً في الطعام.. سماً بطيئاً..
بكري : كاذبة.. أيعقل أن يقتل الزوج زوجته؟ وخاصة إذا كانت مثل ست الحسن..
ست الحسن : ولكنّ الطبّاخ بعد أن نفذ أمر بكري.. صحا ضميره.. واعترف أمامي بالحقيقة.. وندم.. وبكي.. وأنا الآن انتظر موتي.. أيها السادة أتدرون لماذا أتخفّى في ثياب رجل؟!
بكري : مجنونة.. فقدت صوابها..
ست الحسن : لأنك يا بكري شدّدت عليّ الحراسة.. ومنعت أحداً من الدخول والخروج إلى القصر.. لتمضي في جرائمك..
بكري : (لحنبوج) أخرجْ ابنتك من هنا قبل أن أقطع لسانها!
القاضي : دعونا نسمعْ إلى شهادتها قبل أن تقطعوا لسانها.
بكري : (يجر ست الحسن) هيا.. تعالي.. إلى القصر.. لترتاحي..
ست الحسن : أرجو أن تسمعوني جميعاً.. اسمعني يا كركوز الطيب.. أقول لكم وأنا أحسُّ أن السمّ بدأ يسري في أوصالي إن كركوز بريءٌ من كل تهمة ألصقها به زوجي الكريه بكري..
حنبوج : ابنتي ست الحسن.. (يمسك بها) هل صحيح ما تقولين.. (لبكري) هل أردت التخلص منها يا بكري!
ست الحسن : صدقني يا والدي..
بكري : هذه خيانة.. كلكم تعلمون أنها كانت خطيبة كركوز وهي لا زالت تحبه رغم جرائمه.. فاجرة! ما جزاء من تخون زوجها مع عشيقها؟! الموت.. وحده يغسل العار..
ست الحسن : إليك الدليل يا سيدي القاضي.. (تُخرج من تحت عباءَتها الصندوق) أليس هذا صندوقك يا والدي؟!
حنبوج : (يفحصه) هو.. بلى هو عينه.. اسمي منقوش عليه!! بلى هذا صندوقي المسروق!
بكري : لعبة دنيئة.. دبّرتها العاشقةُ مع عشيقها!
ست الحسن : لقد خدع بكري المدينة كلها.. خدعها طويلاً.. وحين عاد كركوز استيقظ الماضي..
بكري : وأعطاكِ الصندوق لتقولي إن هذا دليل البراءَة! بل قولي هو دليل الإدانة!
ست الحسن : (تترنح) وجدتُ هذا الصندوق يا سيدي القاضي في حفرة تحت كرسي بكري.. دفنه حتى تضيع الجريمة.. ولكن المصادفة قادتني إليه.. واحتفظت به في مكان أمين..
بكري : كاذبة.. مخادعة..
ست الحسن : سرق بكري الصندوق.. ودفع ما فيه من ذهب مهراً لي.
كركوز : ما بك يا ست الحسن؟!
حنبوج : انقذوا ابنتي.. إنها تموت..
ست الحسن : يا سيدي القاضي. والدي اشترك في لعبة قتل السلطان.. كان يعلم بالمؤامرة..
كركوز : لا يا ست الحسن.. لا تموتي..
حنبوج : (يمسك ببكري) قتلتها يا مجرم.. سرقت مالي. وقتلت ابنتي.. أرجوكم أنقذوا ابنتي الوحيدة..
ست الحسن : سامحني يا كركوز.. لأنني لم أكن وفيةًّ لك.. لم أنتظر..
بكري : أرأيتم الفاجرة.. ألا تستحق الموت.. بل تستحق أن أقطع رقبتها مع عشيقها الخائن..
القاضي : توقف يا بكري.. فقد اعتادت يدك على القتل.
حنبوج : أيها الندل.. تقتل ابنتي!!
بكري : لا تثر غضبي أكثر من ذلك.. فو الله لا تحتملُ مني أكثر من ركلة قدم.
كركوز : ست الحسن.. ست الحسن.. أجيبيني.. إنها لا ترد إنها لا تتحرك.. ست الحسن! لا تموتي.. أرجوك.. لا تموتي..
[يدخل الحاجب مسرعاً خائفاً]
الحاجب : سيدي.. لقد وصل مقدم الألوف مع عدد كبير من الجنود..
بكري : اللعنة.. ألم يخرج من المدينة يوم أمس نحو مدينة الأصنام..
[يدخل مقدم الألوف مع جنده]
المقدم : حاصروا المكان.. ولا تدعوا أحداً من جماعة القصر يهرب..
بكري : ما الذي أعادك إلى المدينة أيها المقدم؟!
المقدم : أتحسب أن حيلتك تنطلي عليّ لتثير نزاعاً مفاجئاً مع مدينة الأصنام (لجنوده) اقبضوا على بكري قائد الشرطة.. وحنبوج وزير المال..
بكري : توقف يا أبله.! أنا قائد شرطة المدينة.
المقدم : بل أنت اللص الكبير.. وأنت قاتل السلطان..
بكري : خسئت يا مجنون..
المقدم : اقبضوا عليه..
[يمسك به الجنود ويضعون في يديه ورجليه القيود]
بكري : لا.. لا أنا بكري! قائد الشرطة!.. أنا السلطان الجديد.
المقدم : خذوه إلى السجن.. وشدّدوا الحراسة عليه حتى يمثل أمام القاضي غداً..
كركوز : الحمد اللّه.. الحمد للّه..
حنبوج : خذوني.. خذوني، فقد قتلت ابنتي بيدي..
المقدم : رحم اللّه السلطان.. فقد أرسل لي رسالةً عاجلةً شرح فيها كل تفاصيل المؤامرة.. وطلب مني العودة سريعاً لإنقاذ المدينة.. ولكنني وصلت متأخراً.. رحم اللّه السلطان..
القاضي : هيا يا رجال ندفن مولانا السلطان بما يليق به..
[يخرجون، يبقى كركوز راكعاً أمام جثة ست الحسن..].
كركوز : أهونُ عليَّ أن أسمل عيني من رؤية هذا الجمال يتحول إلى جثة هامدة.. ست الحسن.. ماذا أفعل بالمال من بعدك؟! (يبكي) لعن اللّه الذهب فهو الذي فرّقنا.. لا أصدق أنّ ما حدث حقيقة.. لا بد أن يكون حلماً.. كابوساً!! أجل إنه حلم مزعج.. (ينهض) يا سراج.. يا سراج.. أين أنت يا سراج؟! تعال أقرصني حتى أصحو من هذا الحلم.. اقرصني! هيا.. أريد أن أخرج من هذا الكابوس. لم أعد أحتمل!
[يركع كركوز.. يعتّم المسرح مع دخول
(أبو فانوس) حاملاً فانوسه المضيء. ويسدل الستار ببطء..]
خــــــتام
[ أصوات.. قُتل السلطان.. قتل السلطان.. قتل كركوز السلطان عيواظ.. أيها الناس قتل كركوز السلطان.. هيا الحقوا به، لا تدعوا المجرم يهرب.. أمسكوا به.. اقبضوا على المجرم. يظهر الوزير حنبوج مع بكري، ثم تدخل الحاشية في جو حزين ]
بكري : أنا لا أدري، يا سادة، ماذا أقول في مثل هذا الموقف الصعب.. ولكم تمنيت ألاّ أقف ناعياً ومُعزياً بسلطاننا العظيم.. ولكنها مشيئة اللّه!
حنبوج : أرجو يا قائد الشرطة أن تقدم لنا تفاصيل ما حدث..
بكري : لا أكتمكم أنني حائر فيما حدث، فأحزاني تمسك لساني وواجبي يدفعني أن أقدم تقريراً عن أسرار الاغتيال..
حنبوج : علينا يا سادة ان نتغلّب على أحزاننا، وأنْ نكون أكثر تماسكاً ووعياً حتى نحافظ على أمن المدينة واستقرارها..
بكري : تعلمون يا سادة أنني حذّرت سلطاننا المغدور في هذا المجلس الكريم من خطر الرجل الغريب.. ولكن قلب السلطان الطيب جعله يعتقد أنّ الرجل الغريب لن يُقدم على عمل يُؤذيه. أتعلمون من هذا الرجل؟! إنه كركوز! نعم يا سادة كركوز الذي سرق صندوق وزيرنا حنبوج قبل عشر سنوات..
حنبوج : نعم لا بد أنكم تذكرون الصندوق الأحمر الذي سرقه كركوز من قصري ليلة سفره بعد أن وافقت على أن يخطب ابنتي..
بكري : الطمع يا سادة أقوى من القلوب الطيبة والضمائر الحيّة.. وأعتقد أنه متآمر مع حاكم جزيرة القرود. وعاد إلينا ليقّوض الأمن والاستقرار والهيبة التي وصلت إليها مدينتنا في عهد السلطان عيواظ.
حنبوج : وكان سلطاننا المغدور يريد أنْ يُقنع كركوز بالحسنى أن يغادر المدينة ويعود من حيث أتى..
بكري : ولكن سلطاننا الطيب لم يكن يدري أن يد كركوز الآثمة ستمتد إليه.. نعم دخل كركوز المجرم وقتل السلطان الأعزل. وحين حاول المدلل قائد حرس السلطان الباسل أن يدافع عنه سقط قتيلاً وهو يحمي السلطان بجسده ويده..
حنبوج : وهكذا أيها السادة ترون أننا خسرنا رجلاً أحبه الناس، وحارساً أميناً ضرب مثلاً أعلى في الإخلاص.
رجل أول : الواجب يحتم علينا أن نحافظ على الإستقرار والأمن وأرى أن نختار من بيننا رجلاً نولّيه أمرنا في هذه المحنة ريثما نتفق على سلطان جديد..
رجل ثان : لسنا بحاجة إلى طويل وقت لنفكر فيمن نوليه سلطاناً، وأمامنا رجل أثبت في الملمات إخلاصه..
حنبوج : هذا هو الرأي السديد.. أشيروا أيها الرجال..
رجل أول : الوقت يسابقنا، ولا حاجة إلى جدال طويل فقائد شرطتنا هو الرجل القوي المناسب..
حنبوج : ليضع كل منكم يده على صدره وليقل الحق فيمن يريد ويراه أهلاً لقيادتنا.
رجل ثان : قائد الشرطة عرفناه حازماً وهو كفء وقوي.
حنبوج : وما رأي قاضينا المبجل؟
القاضي : (يتقدم) كنت أفضل أن يجف دم السلطان، فالقبر ما زال مفتوحاً ينتظر أن نسجي فيه جثمان من أحببنا. لذلك أرى أن يؤجل اختيار السلطان الجديد إلى وقت آخر.. فأغلب رجال السلطنة غائبون.. مقدم الألوف.. شيخ الجامع الكبير.. ولاة الأقضية وغيرهم..
حنبوج : كأنك أيها القاضي تعترض على ولاية بكري قائد الشرطة.
رجل أول : نحن قررنا أن يكون سلطاننا الجديد بكري قائد الشرطة..
بكري : مهلاً يا سادة فأنتم تلقون على ظهري حملاً قد يكون أثقل من طاقتي!!
رجل ثان : لا يحق لنا اختيار السلطان إلا إذا اكتمل المجلس السلطاني والغائبون كثيرون.. وإذا كنا نريد من يشرف على أمور حياتنا الآن فإن نظام السلطنة يعطي القاضي حق تصريف شؤون الرعية حتى يتم اختيار السلطان..
حنبوج : وماذا لو قلت لكم إن مدينة الأصنام تستعد لشن عدوان علينا!! إنهم يستغلون فرصة فراغ السلطنة للنيل من مدينتنا.
بكري : أرجو أيها السادة ألاّ تختلفوا فيما بينكم،
فواللّه ليس هناك أقسى من اختلافكم وتفرق كلمتكم.
رجل أول : ولكننا ننتظر المرضى والمقعدين وفاقدي العقل، ليقرروا مصيرنا.
حنبوج : هل يعارض أحد منكم الآن أن نولي بكري قائد الشرطة سلطاناً جديداً علينا..؟
[تنفجر الأصوات بين مؤيد ومعارض يدخل الحاجب]
الحاجب : (لبكري) سيدي لقد قبضنا على المجرم كركوز مختبئاً في بستان السلطان.
بكري : أدخلوه.. (للحاضرين) وأخيراً وقع المجرم في شر أعماله وسينال عقابه سريعاً (يدخل كركوز مكبلاً بالأغلال)
كركوز : رحمك الله يا عيواظ.. مالك وللسلطنة والحكم والقصر؟! رحمك الله.. (يبكي).
بكري : انظروا يا سادة نَدَمَ المجرم بعد أن يقع في يد العدالة! ولكن هذا البكاء لن ينقذ رأسكَ العفن.
كركوز : أنا لا أبكي على نفسي، وإنما أبكي على هذه المدينة التي فقدت رجلاً طيباً.
حنبوج : تقتله وتبكي عليه! أسمعتم أعجبَ من هذا يا سادة؟!
كركوز : أنت تعلم قبل غيرك أنني لا أجرؤ على ذبح عصفور، فكيف أقتل صديقاً؟!
حنبوج : لقد غسلوا لك عقلك.. ودسّوا فيه روح الشر. أنت عدت لتهدم كل ما بناه السلطان وما أنجزته يداه..
كركوز : أنتم من فاضت نفسه بالشر.. بكري... خطّط لكل هذا.. بكري هو الذي قتل السلطان..
حنبوج : إنك تتظاهر بالبلاهة والطيبة.. ولكن الخبث قد استعبد جسدك، وجرى دم الخيانة في عروقك..
بكري : كركوز.. أنت متّهم بقتل السلطان وحارسه المدلل.
حنبوج : سيدي القاضي.. أرجو أنْ تأخذ مكانك لمحاكمة هذا الصعلوك.
القاضي : فكّوا قيوده، وأحضروا الشهود..
[يجلس القاضي في الصدر]
بكري : لا.. لا تفكوا القيود.. فهو مجرم خطر.
كركوز : يا سيدي القاضي.. أنا خطبت بنت حنبوج.
بكري : أتحدثنا عن قصة مضى عليها عشرة أعوام! إنه يريد أنْ ننسى جريمته ليقص علينا قصة حياته المحزنة..
القاضي : إذا كان الماضي له علاقة بالحاضر.. فعلينا ألاّ ننسى شيئاً منه..
كركوز : نعم يا سيدي القاضي.. طلب والد حنبوج مهراً قدره ألف ليرة ذهبية وسافرت إلى جزيرة القرود لأكسب هذا المبلغ..
بكري : ونسيت أن تقول إنك سرقت صندوق سيدك حنبوج وحملته معك.
كركوز : لو كان هذا صحيحاً لعدت إلى المدينة بعد عام.. أو عامين.. ثلاثة!
حنبوج : أنت الذي سرقت صندوقي أيها اللص.. وفيه كلّ مالي! أنت رجل حاقد مجنون.. اجتمعت في رأسك كل ديدان الشر.. السرقة والغش والقتل..
بكري : أيُّها القاضي المبجّل. إن جريمة كركوز عارٌ علينا لا يغسله إلاّ قطع رأسه حالاً..
القاضي : كأنك يا قائد الشرطة قد حكمت عليه دون أن نسمع الشهود وقبل أن يُدان!
بكري : الأدلة كافية، والجريمة شاهدة.. وأيُّ شاهد أصدق من قتل السلطان وحارسه الأمين! ولا حاجة بنا إلى مماطلات القضاء..
حنبوج : هذا صحيح.. يجب أن نجتثَّ الشر حالاً.
القاضي : وأنا لن أُصدر حكماً إلاّ بعد أنْ أتقصّى الحقيقة بكل تفصيلاتها..
بكري : ونحن لن ننتظرك حتى يتحول الأمر إلى شبهة أو التباس!
القاضي : العدل يا بكري يتطلب منّا معرفة الحقيقة!
بكري : لا نريد مثل هذا العدل.. (يمسك سيفه).. هذا هو العدل
القاضي : هذا عدل الضعفاء.
بكري : أيها الحراس.. خذوا هذا المجرم واقطعوا رأسه وعلقوه على باب المدينة سبعة أيام..
ثم ارموه للكلاب..
القاضي : هذه جريمة.. ولن أسمح بارتكابها..
بكري : لا نريد قضاءً يُفلتُ منه المجرم.. ويحمي الأشرار.
رجل أول : إن قائد شرطتنا على حق.. فالأمور الصعبة تحتاج إلى حزم سريع.
القاضي : وأنا أمنعكم من قتله..
بكري : خذوه، ولا تتأخروا لحظةً في تنفيذ أمري.
القاضي : وأنا آمركم أنْ تفكوا قيوده حالاً..
[أصوات مختلطة من الخارج.. ثم تدخل ست الحسن في ثياب رجل].
الحاجب : لقد أصرّ هذا الرجل على الدخول، فهو يدعي أنه يملك براءَة كركوز من التهم الموجهة إليه..
بكري : ومن أنت أيها الرجل الشهم..
[تقترب منه ست الحسن وترفع غطاء الرأس]
ست الحسن : أنا زوجتك ست الحسن يا قائد الشرطة.
بكري : ست الحسن! زوجتي!
حنبوج : ما الذي جاء بك إلى هنا يا ابنتي؟!
بكري : عودي إلى القصر.. فلا مكان لك بين الرجال!
كركوز : الحمد للّه الذي منحني هذه الفرصة لأراكِ يا ست الحسن!
بكري : تعالي يا زوجتي الكريمة.. إن خوفك على والداك وزوجك هو الذي دفعك إلى المجيء إلى هنا.. ما أروع اخلاصك يا زوجتي الكريمة..
ست الحسن : دع يدك الملوثة بدماء السلطان عني!
حنبوج : ما هذا الهراء!. أعرف عنك العقل والاتزان!
بكري : إنها محمومة! شفاكِ الله يا زوجتي..
ست الحسن : لا يا بكري.. يا زوجي العزيز.. أقولها أمام هؤلاء القوم أنت من قتلت السلطان.. لتكون سلطاناً جديداً.. وأنت من سرق صندوق والدي الأحمر واتهمت كركوز، كما تتهمه الآن بقتل صديقه عيواظ..
بكري : إنها تهذي. إنها الحمى.. الحمى تفعل أكثر من ذلك..
حنبوج : كيف تجرؤين على اتهام زوجك.. هل جننت؟!
ست الحسن : بل هو أراد قتلي أيضاً.. طلب من الطباخ أن يضع لي سماً في الطعام.. سماً بطيئاً..
بكري : كاذبة.. أيعقل أن يقتل الزوج زوجته؟ وخاصة إذا كانت مثل ست الحسن..
ست الحسن : ولكنّ الطبّاخ بعد أن نفذ أمر بكري.. صحا ضميره.. واعترف أمامي بالحقيقة.. وندم.. وبكي.. وأنا الآن انتظر موتي.. أيها السادة أتدرون لماذا أتخفّى في ثياب رجل؟!
بكري : مجنونة.. فقدت صوابها..
ست الحسن : لأنك يا بكري شدّدت عليّ الحراسة.. ومنعت أحداً من الدخول والخروج إلى القصر.. لتمضي في جرائمك..
بكري : (لحنبوج) أخرجْ ابنتك من هنا قبل أن أقطع لسانها!
القاضي : دعونا نسمعْ إلى شهادتها قبل أن تقطعوا لسانها.
بكري : (يجر ست الحسن) هيا.. تعالي.. إلى القصر.. لترتاحي..
ست الحسن : أرجو أن تسمعوني جميعاً.. اسمعني يا كركوز الطيب.. أقول لكم وأنا أحسُّ أن السمّ بدأ يسري في أوصالي إن كركوز بريءٌ من كل تهمة ألصقها به زوجي الكريه بكري..
حنبوج : ابنتي ست الحسن.. (يمسك بها) هل صحيح ما تقولين.. (لبكري) هل أردت التخلص منها يا بكري!
ست الحسن : صدقني يا والدي..
بكري : هذه خيانة.. كلكم تعلمون أنها كانت خطيبة كركوز وهي لا زالت تحبه رغم جرائمه.. فاجرة! ما جزاء من تخون زوجها مع عشيقها؟! الموت.. وحده يغسل العار..
ست الحسن : إليك الدليل يا سيدي القاضي.. (تُخرج من تحت عباءَتها الصندوق) أليس هذا صندوقك يا والدي؟!
حنبوج : (يفحصه) هو.. بلى هو عينه.. اسمي منقوش عليه!! بلى هذا صندوقي المسروق!
بكري : لعبة دنيئة.. دبّرتها العاشقةُ مع عشيقها!
ست الحسن : لقد خدع بكري المدينة كلها.. خدعها طويلاً.. وحين عاد كركوز استيقظ الماضي..
بكري : وأعطاكِ الصندوق لتقولي إن هذا دليل البراءَة! بل قولي هو دليل الإدانة!
ست الحسن : (تترنح) وجدتُ هذا الصندوق يا سيدي القاضي في حفرة تحت كرسي بكري.. دفنه حتى تضيع الجريمة.. ولكن المصادفة قادتني إليه.. واحتفظت به في مكان أمين..
بكري : كاذبة.. مخادعة..
ست الحسن : سرق بكري الصندوق.. ودفع ما فيه من ذهب مهراً لي.
كركوز : ما بك يا ست الحسن؟!
حنبوج : انقذوا ابنتي.. إنها تموت..
ست الحسن : يا سيدي القاضي. والدي اشترك في لعبة قتل السلطان.. كان يعلم بالمؤامرة..
كركوز : لا يا ست الحسن.. لا تموتي..
حنبوج : (يمسك ببكري) قتلتها يا مجرم.. سرقت مالي. وقتلت ابنتي.. أرجوكم أنقذوا ابنتي الوحيدة..
ست الحسن : سامحني يا كركوز.. لأنني لم أكن وفيةًّ لك.. لم أنتظر..
بكري : أرأيتم الفاجرة.. ألا تستحق الموت.. بل تستحق أن أقطع رقبتها مع عشيقها الخائن..
القاضي : توقف يا بكري.. فقد اعتادت يدك على القتل.
حنبوج : أيها الندل.. تقتل ابنتي!!
بكري : لا تثر غضبي أكثر من ذلك.. فو الله لا تحتملُ مني أكثر من ركلة قدم.
كركوز : ست الحسن.. ست الحسن.. أجيبيني.. إنها لا ترد إنها لا تتحرك.. ست الحسن! لا تموتي.. أرجوك.. لا تموتي..
[يدخل الحاجب مسرعاً خائفاً]
الحاجب : سيدي.. لقد وصل مقدم الألوف مع عدد كبير من الجنود..
بكري : اللعنة.. ألم يخرج من المدينة يوم أمس نحو مدينة الأصنام..
[يدخل مقدم الألوف مع جنده]
المقدم : حاصروا المكان.. ولا تدعوا أحداً من جماعة القصر يهرب..
بكري : ما الذي أعادك إلى المدينة أيها المقدم؟!
المقدم : أتحسب أن حيلتك تنطلي عليّ لتثير نزاعاً مفاجئاً مع مدينة الأصنام (لجنوده) اقبضوا على بكري قائد الشرطة.. وحنبوج وزير المال..
بكري : توقف يا أبله.! أنا قائد شرطة المدينة.
المقدم : بل أنت اللص الكبير.. وأنت قاتل السلطان..
بكري : خسئت يا مجنون..
المقدم : اقبضوا عليه..
[يمسك به الجنود ويضعون في يديه ورجليه القيود]
بكري : لا.. لا أنا بكري! قائد الشرطة!.. أنا السلطان الجديد.
المقدم : خذوه إلى السجن.. وشدّدوا الحراسة عليه حتى يمثل أمام القاضي غداً..
كركوز : الحمد اللّه.. الحمد للّه..
حنبوج : خذوني.. خذوني، فقد قتلت ابنتي بيدي..
المقدم : رحم اللّه السلطان.. فقد أرسل لي رسالةً عاجلةً شرح فيها كل تفاصيل المؤامرة.. وطلب مني العودة سريعاً لإنقاذ المدينة.. ولكنني وصلت متأخراً.. رحم اللّه السلطان..
القاضي : هيا يا رجال ندفن مولانا السلطان بما يليق به..
[يخرجون، يبقى كركوز راكعاً أمام جثة ست الحسن..].
كركوز : أهونُ عليَّ أن أسمل عيني من رؤية هذا الجمال يتحول إلى جثة هامدة.. ست الحسن.. ماذا أفعل بالمال من بعدك؟! (يبكي) لعن اللّه الذهب فهو الذي فرّقنا.. لا أصدق أنّ ما حدث حقيقة.. لا بد أن يكون حلماً.. كابوساً!! أجل إنه حلم مزعج.. (ينهض) يا سراج.. يا سراج.. أين أنت يا سراج؟! تعال أقرصني حتى أصحو من هذا الحلم.. اقرصني! هيا.. أريد أن أخرج من هذا الكابوس. لم أعد أحتمل!
[يركع كركوز.. يعتّم المسرح مع دخول
(أبو فانوس) حاملاً فانوسه المضيء. ويسدل الستار ببطء..]
خــــــتام
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
يالله قراو المسرحية
عييت حتى نقلتها ليكم كاملة
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
بشوية عليك كل نهار قرا شوية انا اسوبع هلي كملتهااااااا
ودرتهااااااا هنااااا
ودرتهااااااا هنااااا
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
انا طاير معا الهوا شاشي ههههههههههههههه خفيف جداااا
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
شااكر ادا طلب منك ان تمثل في هذه المسرحية
اي دور تختار انا لا انصحك ببكري الشرير
خذ دور كركوز الخفيف
اي دور تختار انا لا انصحك ببكري الشرير
خذ دور كركوز الخفيف
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
ههههههههههههههههههههههههههه
بلاتي نمشي للدار ونكملوا
بلاتي نمشي للدار ونكملوا
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
دور كركوز حااااااااااااااااااااضر
ونت اي دور تأخد
رد: حكاية كركوز و ست الحسن أو مأساة كركوز - محمد جهاد الكاتب
انا حااخد الحكيم ابوفاانوس رغم انه اعمى من العب دور اللص الشرير بكري
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
مواضيع مماثلة
» مأساة هزليه مترجمه عن الروسيه
» حكاية غــــــــــــريبة
» حكاية تمضي
» حكاية التاجر مع العفريت
» حكاية الحمال مع البنات
» حكاية غــــــــــــريبة
» حكاية تمضي
» حكاية التاجر مع العفريت
» حكاية الحمال مع البنات
الصويرة مدينتنا ESSAOUIRA Notre Ville :: صور ومقاطع فيديو :: صورIMAGE :: قسم للمقترحات الجديدة والشكاوي
صفحة 1 من اصل 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 16:03 من طرف ندا عمر
» مبلط سيراميك بالرياض خبرة وكفاءة عالية|الفتح
اليوم في 15:55 من طرف ندا عمر
» شركة تركيب حجر هاشمي وانواع الحجر الهاشمي الناعم بأفضل الأسعار | الحمد للرخام
اليوم في 15:51 من طرف nadia
» افضل نجار فى الخرج والرياض كفاءة وخبرة عالية|الفتح
اليوم في 15:47 من طرف ندا عمر
» افضل فنى سباك بالرياض خبرة على اعلى مستوى|الفتح كلين
اليوم في 15:37 من طرف ندا عمر
» قرميد مصري ومستورد وطوب حرارى جودة عالية وسعر مناسب - الحمد
اليوم في 15:34 من طرف nadia
» افضل شركة تنظيف منازل بالرياض باقل الاسعار| الفتح كلين
اليوم في 15:26 من طرف ندا عمر
» دليلك للحصول على مقابر باسعار مميزة ومختلفة
اليوم في 15:20 من طرف ranianashaat965
» شركة تنظيف احواش بالرياض بخصومات عالية|الفتح كلين
اليوم في 15:14 من طرف ندا عمر
» واجهات منازل بالحجر الفرعونى و اسعار ديكورات - الحمد
اليوم في 15:12 من طرف nadia
» #دورة #الإدارة #الحديثة #والشاملة #للموارد #البشرية
اليوم في 15:12 من طرف hadeer_amer
» قهوجيين وصبابين الخبر و الرياض بأفضل الأسعار|الفتح
اليوم في 15:06 من طرف ندا عمر
» افضل فني نجار فك وتركيب وتنفيذ جميع اعمال النجارة بالكويت
اليوم في 14:59 من طرف ranianashaat965
» كهربائي منازل بالرياض للصيانه المنزليه|الفتح كلين
اليوم في 14:55 من طرف ندا عمر
» رخام صناعي كوريان مطابخ ودرج - الحمد
اليوم في 14:48 من طرف nadia
» دليلك فى البحث عن ارخص الاسعار فى نقل عفش الكويت
اليوم في 14:15 من طرف ranianashaat965
» شراء اغراض مستعملة بالكويت وغرف نوم باعلى سعر - الدليل
اليوم في 14:08 من طرف nadia
» شراء اثاث مستعمل الجهراء - بأعلى سعر - الدليل
اليوم في 13:48 من طرف nadia
» دليلك فى البحث عن فني تركيب اثاث ايكيا بأقل الاسعار
اليوم في 13:39 من طرف ranianashaat965
» افضل موقع شراء مستعمل حولى في الكويت | اتصل الآن
اليوم في 13:15 من طرف ranianashaat965